فهل ستُحتضَر معه الطّاعات ؟.. وهل سترحل معه القربات ؟
تلك الأيّام الّتي مضت .. وتلك اللّيالي الّتي انقضت ستأتي شاهدة بما عمِلْت، وحافظةً لما أودَعْت، وستكون بانتظارك يوم القيامة، شاهدةً لك بالفلاح أو عليك بالنّدامة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]..
بعد أيّام قليلة سيتوقّف الملك عن النّداء .. ذلك الّذي كان ينادي: ( يا باغي الخير أقبل ! يا باغي الشرّ أقصِر ! ) ويبقى المولى تبارك وتعالى ينادي: (( يَا عِبَادِي ! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
تـرحّل الشّهر والهـفاه وانصرما *** واختـصّ بالفـوز بالجنّات من خدما
وأصبح الغـافل المسكين منكسرا *** مثلي، فيا ويـحه ويا عُظم ما حُرِمـا
من فاته الزّرع وقت البِذار فمـا *** تـراه يـحصد إلا الهـمّ والنّدمـا
طوبى لمن كانت التّقوى بضاعتـه *** في شـهره وكان بحـبل الله معتصما
ولكنّ الله تبارك وتعالى ذو الفضل العظيم، والخير العميم، لا إله إلاّ هو ما أكرمه من إله! ولا معبود بحقّ سواه ..
عندما تظنّ أنّ الأمر قد فات يَمُدُّه .. وعندما تظنّ أنّ القلب قد مات يشُدُّه .. إذ جعل أعظم الثّواب في آخر هذا الشّهر !
هو الحقّ ليس كمثل الخلق .. الخلق يجعلون أعظم الفرص في أوّل الأمور .. والله يجعل في آخرها عظم الأجور .. لماذا جعل الخير في آخره ؟!
أوّلا: لأنّ كثيرا من النّاس تراهم يزاحمونك الصّفوف في أوّل أيّامه .. يرغبون النّيل من جزيل إكرامه .. يتزاحمون على الدّروس .. ويسارعون إلى تزكية النّفوس .. حتّى إذا مضت الأيّام الجدد، وطال عليهم الأمد، قست قلوبهم، ونادتهم ذنوبهم، فعادوا من حيث بدأوا !
فليست العبرة لديه سبحانه لمن سبق .. بل العبرة لديه لمن صدق.
ثانيا: ليفسح المجال لمن فرّط وأسرف على نفسه، وكاد أن يقع على أمّ رأسه، فيناديه الله تعالى في هذه الأيّام الأخيرة: (( إِنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ )).
يناديه الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)}..
فلا يزال الخير عظيما، ولا يزال الشّهر كريما ..
ثالثا: إنّ الله يكرم هؤلاء وهؤلاء بالاغتنام من العشر الأواخر من هذا الشّهر العظيم .. وجعل فيه ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، هي:
ليلة القدر .. واللّيلة المباركة
- سمّاها ليلة القدر لسببين:
1- لشرفها وعِظَم قدرها، فالعبادة فيها تعدل عبادة ثلاثٍ وثمانين سنةً ! وكأنّك عبدت الله ما يقارب ثلاثين ألف يوم ..{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
وكيف لا يجود الله في ليلة أَنزَل فيها خيرَ الكلام، ومحى بها جنح الظّلام ؟! فبعد أن جاد علينا بقرآنه، فإنّه يجود بوافر إحسانه ..
والعجيب أنّ هناك من يُحرم من خيرها، ويفوته عظيم أجرها ! إنّها نفوس لا تزال بقبرها ..
2- وسمّيت بذلك؛ لأنّ الله تبارك وتعالى يقدّر فيها مقادير العام بكامِلِه، فيفصل الله من اللّوح المحفوظ مقادير الخلق ويؤتيها ملائكتَه.
ففي تلكم الليلة يُعلِم الله ملائكتَه من يموت ممّن يَحْيَى، يُعلمهم بالمرحوم من المحروم ..كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (ا3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان].
في هذه اللّيلة يُكتبُ مصيرُك .. يكتب جِدُّك أو تقصيرُك .. أفترضى أيّها العبد المسكين أن تُكتب أسماءُ من هم حولَك في صحف الملائكة من المقبولين، وتَبْقى أنت وحيدا من المخذولين ؟!
- وسمّاها الله تعالى ( مباركة ):
لأنّ من بركاتها: كثرةَ الأجر المكتوب للطّائعين ..
ومن بركاتها: أنّ الله ينزل فيها ملائكته الكرام، وفي مقدّمتهم أمينُ الوحي جبريلُ عليه السّلام، كما قال تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) )سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}.. وما نزلت الملائكة إلاّ ونزلت الرّحمة والسّكينة.
روى الإمام أحمد بسند حسن عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال في لَيْلَةِ الْقَدْرِ: (( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى )).
ومن بركاتها: أنّ الله تعالى كتب لمن قامها زيادةً على الأجر، أنّه يغفر له ما تقدّم من ذنبه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه عن النَِّيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).
فإن فاتك القيام مع جماعة المسلمين لنَصَبٍ أو مرض، أو لشاغلٍ قد عرض، فلا تفوّته على نفسك في خلوتك ..
ففي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ .
أيقظ أهله .. ممتثلا في ذلك قولَه تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه:132].
ففي صحيح البخاري أنّه صلّى الله عليه وسلّم دخل على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما قائلا: (( أَلاَ تُصَلِّيَانِ ؟! ))..
وفي صحيح البخاري أيضا أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يتّجه إلى حجرات نسائه قائلا: (( أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ ))..
كان الثّوريّ رحمه الله يقول:" أحبُّ إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يُنهِض أهله وولده إلى الصّلاة " ..
وكانت امرأة حبيب أبي محمّد الفارس - وكان مجابَ الدّعوة -رحمهما الله تقول له باللّيل:" قم يا حبيب ! قد ذهب اللّيل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصّالحين قد سارت أمامنا ونحن بقينا مكاننا ".
يا نائـما باللّيل كم ترقد ؟ *** قُم يا أخي قد دنا الموعِدُ
وخُـذ من اللّيل وأوقاتِـه *** وِرْدًا إذا ما هجـع الرّقّد
من نـام حتّـى يُنْقَضِي ليله *** لم يبلـغ المنزل أو يجهـد
قل لذوي الألباب أهل التّقى *** قنطرةُ العرْض لكم موعد
يُحْرَم كثيرٌ من النّاس من هذا الأجر العظيم والثّواب العميم، إمّا لعجزه، وإمّا لجهلِه.
إمّا لعَجْزِه: ذاك الّذي غلبت عليه شقوتُه، فنسأل الله لنا ولجميع من في الأرض الهداية .. ونسأله تعالى جسدا لينا هيّنا لطاعته ..
النّفس تنشُـط للقبيح *** وكم تنام عن الحسن
يا نفسُ ويحك ما الّذي *** يُرضيك في دنيا العفن
وإمّا لجهله: فيظنّ الكثير أنّ ليلة القدر المباركة تكون حتماً في السّابع والعشرين من رمضان ! والحقّ أنّ ذلك ليس بلازم. لماذا ؟
لأنّ النبيّ أمرَنا أن نتحرّاها في العشر الأواخر من رمضان، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )).
وهناك عدّة أحاديث تدلّ على أنّها كانت في غير هذه اللّيلة، من ذلك:
* ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنّه سئل عن ليلة القدر ؟ فقال: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام فَقَالَ: (( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ )) فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام فَقَالَ: ( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ ) فَقَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (( مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ )). وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا.
قال: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
ومرّة - كما في مسند أحمد وأبي داود - عن عبد الله بن أنيس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: (( تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ )).
ومرّة قال لهم (( اِلْتَمِسُوهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ )) كما في الصّحيحين.
ومرّة قال لهم: (( اِلْتَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ )) [ أي: ليلة تسع وعشرين]، كما في "صحيح ابن خزيمة".
ومرّةً أخبر بها صلّى الله عليه وسلّم، ولكن رُفِعَت فنسِيها ! فقد روى البخاري عن عبادة بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: (( إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ )).
لذلك قال العلماء: إنّها تنتقل في الوتر من العشر الأواخر، ولا تلزم ليلةً واحدةً بعينها، فما على المسلم إلاّ أن يلتمِسَها في الوتر من العشر كلّها ..
هذا هو شأن العبد المسدّد، عليه أن يقتفي هدي النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، الّذي كان كما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ..
الخطبة الثّانية.
فاعلموا أيّها المسلمون، أنّ هناك أعمالاً جليلة ينبغي للمسلم ألاّ يغفُل عنها في بقيّة هذا الشّهر:
1- الاستغفار: وهو ختام الأعمال كلّها وسيّدها:
فأعظم ما يمكنك أن تُكثِرَ منه هذه الأيّام: هو استغفار ذي الجلال والإكرام، وخاصّة بعد قيام اللّيل؛ يقول الله تبارك وتعالى يصف عباده الطّائعين:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} [آل عمران]، وقال عنهم:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذّاريات:18].
قال الحسن البصري رحمه الله:" قاموا اللّيل إلى وقت السّحر، ثمّ جلسوا يستغفرون ".
وكان ابن عمر رضي الله عنه يصلّي من اللّيل ثمّ يقول: يا نافع، هل أقبل السّحر ؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدّعاء والاستغفار حتّى يؤذّن الفجر.
فبالاستغفار تختم الصّلاة، ويختم الحجّ، وتختم به المجالس، ويختم به هذا الشّهر الكريم، فهو كالطّابع لها إن كانت ذكرا، وكفّارة لها إن كانت لغوا ولهوا.
وممّا يختم به هذا الشّهر الكريم:
2- الإكثار من عتق الرّقاب: لعلّ الله تعالى يعتق رقابنا من النّار ..
فقد كان أبو قلابة رحمه الله في آخر رمضان يشتري جاريةً حسناءَ مزيّنة، فيعتقها يرجو بها العتق من النّار، مصداقا لما رواه البخاري عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ )) قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَعْتَقَهُ.
واليوم في عصرنا هذا فاتنا عتقُ الرّقاب، ولكنّ رحمة ربّك العزيز الوهّاب تُحيِّر أولي الألباب:
فإنّ كلمة التّوحيد تقوم مقام عتق العبيد، فقد روى البخاري عن أبي عيَّاشٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ قَالَ حِينَ أَصْبَحَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا أَمْسَى مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ )).
وفيه أيضا: (( مَنْ قَالَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَرْبَعَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ )).
وبهذا تكون أيّها المسلم قد جمعت بين شهادة التّوحيد والاستغفار، وذاك من أعظم أسباب المغفرة، والنّجاة من النّار، وكشف الكربات، لذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمّد من : 19]، وقال عن يونس عليه السّلام:{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء].
ومن الأعمال الطيّبة الّتي يُختَم بها هذا الشّهر الكريم:
3- إخراج زكاة الفطر:
تلك الصّدقة الّتي فرضها الله تعالى على كلّ من مَلكَ زائدا على قوت يومه، فرضها على الذّكر والأنثى، والصّغير والكبير، والحرّ والعبد، صاعا من طعام: قمح، أو شعير، وكلّ ما يمكن أن يقتات النّاس منه، فرضها الله تعالى طعمةً للمساكين، وطهرةً للصّائمين، وأمرنا أن نُغْنِيَهم في هذا اليوم عن المسألة.
ويبدأ وقت إخراجها من غروب شمس ليلة العيد، وينتهي وقت إخراجها بانتهاء صلاة العيد، ومن أخرجها بعد، فلا تجزئه، ويقضيها في العام القابل.
هذا لمن كان قادرا على إيصالها إلى الفقراء قبل صلاة العيد، ومن علم أنّها لن تصل إلاّ بعد الصّلاة، فله أن يخرجها يوما أو يومين قبل ذلك.
هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل أفضل أعمالنا خواتيمها.