- قوله: ( أسْعَد النّاسِ ): يحتمل أن يكون اسم التّفضيل على غير بابه، فالممعنى حينئذ:" من السّعيد بشفاعتك ؟"؛ ذلك لأنّ الإخلاص في الشّهادة مطلوب من كلّ أحد.
ويحتمل أن يكون على بابه، فالمعنى: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم له عدّة شفاعات:
يشفع في الخلق جميعهم لإراحتهم من هولِ الموقف.
ويشفع فيمن ضعُف إخلاصُه من المسلمين حتّى أحاطت به خطاياه فاستوجب العذاب، فلا يعذّبه الله.
ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النّار بعد أن دخلوها.
ويشفع في بعضهم بدخول الجنّة بغير حساب.
ويشفع في بعضهم برفع الدّرجات في الجنّة.
فالجميع اشترك في السّعادة بالشّفاعة، ولكنّ أسعدهم بها: المؤمن المخلص، إذ نجّته من دخول النّار أو الخلود فيها.
- قوله: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) احتراز من المشرك، والمراد مع قوله محمّد رسول الله، لكن قد يكتفى بالجزء الأوّل من كلمتي الشّهادة لأنّه صار شعارا لمجموعهما، حتّى إنّ الاستعمال جرى على أن يعبّروا بالشّهادة عن الشّهادتين.
قوله: ( خَالِصاً ) احتراز من المنافق.
قوله: ( من قلبه، أو نفسه ) شكّ من الرّاوي، وذلك على سبيل التّوكيد، كما في قوله تعالى:{فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.
- وفي هذا الحديث فضل أبي هريرة رضي الله عنه، وحِرصَه على تعلّم الخير، بشهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- وفيه: فضل الحرص على تحصيل العلم؛ لذلك ذكر البخاري هذا الحديث في " باب العلم ".
- قال الحافظ رحمه الله: وفي الحديث دليل على اشتراط النّطق بكلمتي الشّهادة لتعبيره بالقول في قوله:" من قال ".
- وفيه أنّ الشّفاعة لا ينالها إلاّ من مات مخلصا في توحيده، فلم يُشرك بالله شيئا، لذلك قال تعالى عن المشركين:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وقال:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: من الآية 18].
فإن قيل: قد ثبت أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يشفع في عمّه أبي طالب؛ إذ روى البخاري عن العبَّاسِ رضي الله عنه قال للنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم:" مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم:
(( هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ )). وفي رواية له عن أبي سعِيدٍ الخدِيِّ رضي الله عنه قال صلّى الله عليه وسلّم:
(( لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ )).
فالجواب من وجهين:
أ) أنّ هذا ممّا اختصّ الله به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
ب) ثمّ إنّه ليس في الحديث أنّه خرج من النّار، بل يبقَى خالدا فيها.
والله الموفّق لا ربّ سواه