الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فمقاطعة سلعِ الدّول الكافرة والمُعادية لا تخلو من حالين:
- الحالة الأولى: أن يأمر بها الحاكم.
فهذه تجب؛ لأنّه سيحدُثُ من وراء مقاطعة الأمّة لها مصلحةٌ عظيمةٌ، وهي: إضعافُ المشركين والمحاربين، والتّقليل من مداخيلهم لحرب المؤمنين.
- الحالة الثّانية: أن تكون من غير أمره.
فهذه تستحبّ، وأقلّ أحوالها أنّها جائزة مشروعة.
ولا يُشترط لمقاطعة السّلع أن يكون صاحبُها حربيّا، بل لا يًشترط أيضا أن يكون كافرا؛ إذ المقاطعة ضربٌ من أضرُب الهجر، والمقرّر جواز هجر المجاهرين بالفسوق والعصيان، بلهَ من يكفر بالرّحمن !
وزيادةً على الأصل المقرّر، فإنّه جاء الدّليل الخاصّ على جواز مقاطعة المعاهِدين؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه في قصّة ثُمَامَةَ بنِ أُثَالٍ سيِّدِ أهلِ اليمامةِ حين وقع في الأسرِ، فأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بربْطِه بساريةٍ من سوارِي المسجد.
فإنّه أسلَم، وفي آخر الحديث قال لأهل مكّة:
( وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ اليَمَامَةِ - وكانت ريفَ مكّة - حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ).
زاد البيهقيّ في " الدّلائل " (4/81) عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:" رجع ثمامةُ، فحال بين أهلِ مكّة والمِيرَة من اليمامة، حتّى أكلت قريشٌ الدّماء !...".
ثمّ أشرفت قريش على الهلاك، فكتبوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يناشدونه الرّحِمَ مستغِيثين أن يكتب إلى ثُمامة يُخلّي إليهم حملَ الطّعام، ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فهذا الحديث يدلّ على أمرين:
1- مشروعيّة مقاطعة الكافر.
2- وجواز معاملته؛ لأنّه لمّا اشتدّ الأمرُ على أهل مكّة أذن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في معاملتهم.
ولكن لا يقال: بوجوب المقاطعة، وإنّما يقال باستحبابها فقط. فكُـلْ ما أحـلّ الله، ودَعْ مـا حَـرَّم.
فمثلا، لو كان في الحيّ الّذي تقطُنُ فيه دكّانان، أحدهما صاحبه من المصلّين الصّالحين، والآخر صاحبه من العُصاة التّاركين للصّلاة، فأيّ الرّجلين أحقّ بأن تُعامله ؟
فلا شكّ أنّك ستقول: سأتعامل مع المصلّي التقيّ، لأنّه أجدر بأن يُنمّي ماله، ويُصلِح حاله.
ولكن لا أحدَ يمكنه أن يقول: إنّه تحرُمُ معاملة العاصي.
فكذلك - أخي الكريم - حكم مقاطعة سلع الدّول الكافرة.
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.