الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فإنّ من شروط إجابة الدّعاء - كما هو الشّأن في جميع أعمال المسلم - أن يكون خالصاً صواباً، ومتى خلا الدّعاء من هذين الشّرطين كان صاحبه من المعتدين في الدّعاء.
- فأهمّ شرط هو الإخلاص لله تعالى، ومن صرف شيئا من الدّعاء لغير الله عزّ وجلّ كان من أعظم المعتدين الظّالمين، قال سبحانه:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس].
- ثمّ يشترط لإجابة الدّعاء أن يكون صوابا على وفق سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فمن الأدب في الدّعاء:
1- الاعتدال في رفع الصّوت:
فالمسلم في دعائه يخاطب ربّه عزّ وجلّ، وإنّ الله تعالى ذَكر نبيّه زكريّا عليه السّلام فأثنى عليه لأجل ذلك ورضي بفعله فقال:{إِذْ نَادَى رَبَّهٌ نِدَاءً خَفِيًّا}، وقال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، قال ابن جريح رحمه الله:" من الاعتداء رفع الصّوت في الدّعاء ".
وقال عزّ وجلّ:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205]. وفي الصّحيحين عن أبِي موسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قالَ: كُنَّا مَعَ رسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ! فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )).
2- أن يسأل ربّه ما أذِن له فيه:
قال ابن القيّم رحمه الله في " بدائع الفوائد ":" فكلّ سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمّن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمّن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداءٌ لا يحبّه الله، ولا يحبّ سائله ".
ومن الأمثلة على ذلك:
- كالّذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء، ونحو ذلك.
- أو يسأل الله سؤال تفصيل عن الأمور الغيبيّة، فقد روى أبو داود وابن ماجه أَنّ عبدَ اللهِ بنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا ! فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ )).
- أو بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرّمات، وقد روى مسلم عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ))..
- وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة ! أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشريّة من الحاجة إلى الطّعام والشّراب ! أو يسأله أن يُطلِعَه على غيبه ! أو يسأله أن يجعله من المعصومين ! أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة.
ومن الأدب في الدّعاء:
3- أن يسأل العبدُ ربّه العافية ولا يسأله الابتلاء.
ففي صحيح مسلم عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟)) قال: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا ! فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( سُبْحَانَ اللهِ ! لَا تُطِيقُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )).
4- الافتقار والتضرّع: فمن العدوان أن يدعوه غير متضرّع إليه، فيدعوه دعاء المستغني بما عنده.
قال ابن القيّم رحمه الله:" وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضّارع الذّليل الفقير المسكين من كلّ جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرّع خائف فهو معتدٍ ".
5- الثّناء على الله تعالى الثّناء المحمود:
فمن الاعتداء أن يدعُوَ العبد ربّه ويُثنِيَ عليه بما لم يُثْن به على نفسه ولا أذن فيه.
6- اجتناب التغنّي في الدّعاء:
فمن مظاهر الاعتداء في الدّعاء المنتشرة في أيّامنا هذه: تلحين الدّعاء ! فيتغنّى به تغنّيَه بالقرآن، وهذا ما لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أحدٌ من الصّحابة والتّابعين.
وكلّ خير في اتّباع من سلف *** وكلّ شرّ في ابتداع من خلف
والله الموفّق لا ربّ سواه.