وكان الحسين يصلّي بالفريقين إذا حضرت الصّلاة [" تاريخ الطبري" (6/ 325-329)]. وقد لحِق الحرّ بنُ يزيد بالحُسين بعد ذلك.
2- ملاقاة عمر بن سعد بن أبي وقاص، والمفاوضات:
لمّا وصل الحسين إلى كربلاء أدركته خيل عمر بن سعد في أربعة آلاف مقاتل، وقد أمره ابنُ زيادٍ بمقاتلة الحسين، فرفض عمر بن سعد، ولكنّ ابنَ زياد هدّده بالعزل، وهدم داره وقتله، فلبّي أمرَه ["تاريخ الطبري" (6/ 335)].
ولمّا وصل الحسين كربلاء أحاطت به الخيل، حينها بدأ الحسين بن عليّ رضي الله عنهما يتفاوض مع عمر بن سعد، وبيّن الحسين رضي الله عنه أنّه لم يأت إلى الكوفة إلاّ بطلبٍ من أهلها، وقدّم لعمر بنِ سعد أسماءَ المبايِعين للحسين دليلا على ذلك.
فكتب عمر بن سعد لابنِ زياد بما سمعه من الحسين، فكتب ابن زياد لعمر بن سعد:" بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأيْنا رأْيَنا، والسّلام ".
ولما اطّلع عمر بن سعد على جواب بن زياد ساءه ما يحمله الجواب من تعنّت، وعرف أنّ ابنَ زياد لا يريد السّلامة ["تاريخ الطبري" (6/ 337)].
رفَضَ الحسين هذا العرض، ثمّ عرض على عمرَ بنِ سعد أحدَ ثلاثة أمور:
أ) أن يتركوه فيرجع من حيث أتى.
ب) أو يتركوه يذهبُ إلى الشّام فيضعَ يده في يد يزيد بن معاوية.
ج) أو يتركوه يذهب إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين، فيكون واحداً منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم ["المحن" لأبي العرب ص(154)].
وقد أكّد الحسين رضي الله عنه موافقتَه للذّهاب إلى يزيد ["أنساب الأشراف" (3/ 173، 224) بإسناد صحيح].
وحين بلغ ذلك ابنَ زيادٍ أوشك أن يوافقَ ويرسلَه إلى يزيد، وأوشكت الفتنة أن تذهب بلا رجعة لولا ...
لولا تدخّلُ شمّر بنِ ذي الجوشن، الّذي أصرّ أن ينزل الحسينُ على حكمِ ابنِ زياد ! حتّى يكون هو صاحبَ الأمر المتحكّم فيه ! ["تاريخ الطّبري" (6/ 340)].
فرفض الحسينُ رضي الله عنه، وقال: لا، والله لا أنزل على حكمِ عبيدِ الله بن زياد أبداً، وقال لمن معه: أنتم في حِلٍّ من طاعتي. ولكنّهم أصرّوا على مصاحبته والمقاتلة معه حتّى الشّهادة ["تاريخ الطبري" (6/ 346)].
وخرج ابنُ زيادٍ إلى موضع قرب الكوفة، ولم يترك أحداً يخرج من الكوفة، لئلاّ يتسلّل من الكوفة أحدٌ فيلحق بالحسين رضي الله عنه ["الطّبقات" (5/ 378)].
ثامنا: المعركة الفاصلة ومقتل الحسين رضي الله عنه.
في صباح يوم الجمعة عام 61 هـ، عزم الحسينُ رضي الله عنه على القتال، فنظّم أصحابَه، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وأمر بإيقادِ حطبٍ وقصبٍ فجعله خلفه، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم ["تاريخ الطّبري" (6/ 349)].
وبدأت المعركة غير المتكافئة سريعةً بين الحسين رضي الله عنه وجيش عمر بنِ سعدٍ، وكان أصحاب الحسين رضي الله عنه يقاتلون بشدّة واستِماتة، قتالَ من لم يعُد له أمل في الحياة ["تاريخ الطبري" (6/ 249)].
ولم يُشارك الحسينُ رضي الله عنه في القتال أوّلَ الأمر، وكان أصحابه يدافعون عنه حتّى قُتِلوا، ولم يجرؤ أحدٌ من جيش عمر بنِ سعدٍ على قتل الحسين رضي الله عنه، كلّهم يخشى أن يبوءَ بقتله، وتمنّوا لو استسْلَم !
ولكنّ الحسين رضي الله عنه لم يُبْدِ شيئاً من اللّيونة، بل كان رضي الله عنه يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ صاح شمّرُ بنُ ذي الجوشن بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زُرعةُ بنُ شريك التّميمي، ثمّ طعنه سنان بن أنس النّخعي واحتزّ رأسه !
ويقال إنّ الذي قتله عمرو بن بطار التغلبي، وزيد بن رقاده الحيني ["مواقف المعارضة" ص (276)].
وحُمِل رأسُه إلى ابن زياد.
وكان قتله رضي الله عنه في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستّين ["تاريخ الطبري" (325)].
وقُتِل مع الحسين رضي الله عنه اثنان وسبعون رجلاً، وقتل من أصحاب عمر ثمانيةٌ وثمانون رجلاً ["الطبقات" (5/ 386)].
وبعد انتهاء المعركة، أمر عمرُ بنُ سعد بأن لا يدخل أحد على نساء الحسين وصبيانه، وأن لا يتعرض لهم أحد بسوء ["الطبقات" (5/ 385)، و"مواقف المعارضة" ص (277)].
وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونساءه ومن كان معه الصبيان إلى ابن زياد ["تاريخ الطبري"].
وكان من الّذين قتلوا مع الحسين رضي الله عنه من آل البيت ثمانية عشر رجلا:
فمن أولاد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: الحسينُ رضي الله عنه نفسه، وجعفر، والعبّاس، وأبو بكر، ومحمّد، وعثمان.
ومن أولاد الحسين: عليّ الأكبر، وعبد الله.
ومن أبناء أبناء الحسن: عبد الله، والقاسم، وأبو بكر.
ومن أولاد عقيل: جعفر، وعبد الله، وعبد الرّحمن، ومسلم بن عقيل، وعبد الله بن مسلم.
ومن أولاد عبد الله بن جعفر: عونُ، ومحمّد ["تاريخ خليفة بن خياط" ص (234)].
وبقدر ما يُصاب القلب بالأسى وهو يتحدّث عن مقتل هؤلاء، بقدر ما يمتلكه العجب من الشّيعة الّذين لا يذكرون هؤلاء بأسمائهم، وفيهم: أبو بكر بن عليّ، وعثمان بن عليّ، وأبو بكر بن الحسن، خشية أن يقال إنّ علي بن أبي طالب سمّى أولادَه بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، أو أنّ الحسين سمّى ولده باسم أبي بكر ! ["حقبة من التّاريخ" ص (135، 136)].
ومن شنيع فعل ابن زيادٍ ما رواه البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه قال:
أُتِيَ عبَيْدُ الله بنُ زيادٍ برَأْسِ الحسينِ رضي الله عنه، فجُعِلَ في طَسْتٍ، فجعلَ يَنْكُتُ [أي: جعل يضربه بقضيبٍ في يده]، وقالَ في حُسْنِهِ شيْئًا، فقالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: كانَ أَشْبَهَهُمْ برسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وكَانَ مَخْضُوبًا بِالوَسْمَةِ.
[وفي رواية عند غيره: قال أنسٌ: اِرْفَعْ قَضِيبَك ! فَقد رأيْتُ فمَ رَسُول الله صلّى الله عليه وسلّم فِي مَوْضِعِه].
تاسعاً: معاملة ابنِ زيَادٍ لأهل الحسين رضي الله عنه.
لمّا وصل نساء الحسين وصبيانُه أمر لهم ابنُ زيادٍ بمنزلٍ في مكان معتزل، فأجرى عليهم الرّزق، وأمر لهنّ بالكسوة والنّفقة ["أنساب الأشراف" (3/ 226) بإسناد صحيح].
تنبيه: هناك روايات يروّجها الشّيعة ومن لهم ميول إليهم وفيها: أنّ ابنَ زياد أمر بقتل كلّ من أنبت ! وأنّ ابنَ زياد قد أساء معاملةَ نساء الحسين بعد قتله ! أو أنّه رحّلهم إلى الشّام !
فهذا كلّه من الكذب، فابن زيادٍ قد أساء في عدم قبوله بالمفاوضات الّتي كادت تئِد الفتنة، وغير ذلك، لكنّ الإنصاف يقضِي بأن يُعرفَ له حُسْنُ صنيعِه بأهل الحسن رضي الله عنه ["الدّولة الأموية المفترى عليها" ص (322)].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ردّه على أحدهم:
" وأمّا ما ذكره من سبْيِ نسائه ! والدّوران بهنّ على البلدان وحملهنّ على الجمال بغير أقتاب ! فهذا كذب وباطل. وما سَبَى المسلمون - ولله الحمد - هاشميّةً قط، ولا استحلّت أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم هاشميّة قط، ولكنّ أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً ["منهاج السنّة" (2/ 249)].
بل إنّ ابنَ زياد بعد أن ذهبت عنه نشوة النّصر، أدرك فداحةَ خطئه، وكانت أمّه تقول له: ويلك ماذا صنعت ! ["تاريخ الطبري"].
وكان أخوه عثمان بن زياد يقول: لوددت - والله - أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأن حسيناً لم يقتل! فلا ينكر عليه عبيد الله قولَه ["الكامل في التاريخ" (2/ 582)].
[يُتبع إن شاء الله].