الإحرام: هو نيّة أحد النّسكين: الحجّ أو العمرة، أو نيّتهما معا.
وهو أحد أركان الحجّ، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )).
والنيّة محلّها القلب، فلا يُشرع التلفّظ بها، وإنّما يُهِلُّ بأحد النّسكين قائلا: لبّيك اللهمّ حجّة أو عمرة أو حجّة وعمرة.
* ومن شروط الإحرام أن يكون من الميقات المحدّد لأهل بلده، ومن تعدّى الميقات غيرَ محرِمٍ وجب عليه الرّجوع إليه ثمّ الإحرام منه.
إلاّ من دخل مكّة غير ناو الحجّ ولا العمرة، ثمّ بدا له أن يحجّ أو يعتمر فإحرامه من منزله.
فإذا أحرم حرُم عليه أشياء:
1- قلم الأظفار، قال تعالى:{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ }، فقد ثبت عن بعض الصّحابة والتّابعين أنّهم فسّروا التّفث بقلم الأظفار ونتف الإبط وحلق الرّأس.
وإذا كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى غير المحرِم إذا دخل العشر الأُول من ذي الحجّة أن يأخذ من أظفاره، فالمحرِم من باب أولى، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يتشبّه غير المحرِم بالمحرم.
لذلك نقل ابن المنذر في " الإجماع " (57)، وابن قدامة في " المغني " (5/388)، الإجماع على منع المحرم من الأخذ من الأظفار.
وفي هذا النّقل نظر، فقد خالف في ذلك داود وابن حزم الظّاهريّان.
2- أخذ شيء من شعره، قال تعالى:{ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ }.
وهل يدخل في ذلك نتف الإبط وحلق العانة ؟
فالجمهور على المنع أيضا، كما قال النّووي في " المجموع " (7/262)، وذلك للعّة الجامعة وهي: منع التّرف وأن يكون المحرم شعِثاً.
ومنهم من أخذ بالأصل وهو الإباحة، كما في " الشّرح الممتع " (7/131).
والأحوط الأخذ بقول جمهور العلماء لقوّة التّعليل المذكور.
3- لبس الرّجل المخيط المحيط بالجسد، ولبس المرأة النّقاب والقفّازين.
أمّا وضع المرأة السّتار على وجهها فجائز، لما رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
" كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا، سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ".
4- مسّ الطّيب.
لما رواه الشّيخان عن ابنِ عُمَر رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ )).
وقال في المحرم الذي وقصته النّاقة: ((وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا )).
5- الخِطبةُ وعقد النّكاح لنفسه، أو لغيره:
لما رواه مسلم عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ )).
6- الأكل من الصّيد الّذي صِيد له.
وهذا مذهب جمهور العلماء، ورجّحه ابن القيّم في " زاد المعاد " (1/164) و" تهذيب السّنن " (5/215)، وقال:" آثار الصّحابة كلّها في هذا إنّما تدلّ على هذا التّفصيل ".
7- والصّيد إلاّ صيد البحر.
فلا يصِيد ولا يأمر غيره بالصّيد، لقوله تعالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا }.
وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصّحيحين قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ ؟)) قَالُوا: لَا، قَالَ: (( فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا )).
8- الجماع ودواعيه.
قال تعالى:{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }، وقد روى الطّبريّ عن ابن عبّاس وابن عمر رضي الله عنهما أنّ الرّفث في الآية: الجماع.
وقيل: إنّ الرّفث: ما يتعلّق بالجماع من قول أو فعل، واختار الطّبريّ أنّ اللّفظ يشمل ذلك كلّه.
9- الجدال:
لقوله تعالى:{ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.
-
حكم من فعل شيئا من محظورات الإحرام:
فهناك تفصيل في حكم ذلك كلّه:
فمن فعل شيئا من الأمور الستّة الأولى، فيجب عليه أن يفعل أحد ثلاثة أشياء:
أ) إمّا أن يذبح شاةً.
ب) أو يُطعم ستّة مساكين - كلّ مسكين نصف صاع -.
ت) أو يصوم ثلاثة أيّام.
أمّا الثّلاثة الأخيرة:
1) الجماع قبل التحلّل الأوّل:
فلو جامع قبل أن يتحلّل التحلّل الأوّل [وقد ذكرنا فيما سبق معناه]، فإنّه:
- يَبْطُل حجّه.
- ويمضي في فاسده ويكمله مراعاة لحرمة الإحرام. وقيل: يتحلّل بعمرة.
- ويقضيه من قابل.
- ويجب عليه ذبح بدنة أو سبعٌ من الغنم.
أمّا لو جامع بعد التحلّل الأوّل فإنّه لا يفسد حجّه، ولكن عليه ذبح شاة.
2) الجدال: فإنّه يأثم، ولا دم عليه.
3) الصّيد: فيلزمه الجزاء.
وهو ما ذكره الله تبارك وتعالى في قوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً } [المائدة:95].
والجزاء هو الفدية المعادلة للصّيد الّذي صاده.
فإن لم يجد ما يعادله قوّمه دراهم، ثمّ يقوّم الدّراهم طعاما، فيطعم بكلّ نصف صاع مسكينا، أويصوم عن كلّ نصف صاع يوما.
فائدة:
ولعِظم شأن الإحرام كان الواجب على من أحرم بحجّ أو عمرة ثمّ حبسه عذر أن يذبح هديا، ثمّ يقضيه من قابل، قال تعالى:{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } [البقرة: من الآية196].
لذلك كان من السنّة الاشتراط في الحجّ لمن غلب على ظنّه أنّه سيُحبَس.
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: (( لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ )). قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً.
فَقَالَ لَهَا: (( حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي )).
والله الموفّق لا ربّ سواه.