وأعظم الذّكر على الإطلاق هو كلام الله تعالى، والأذكار والأدعية الثّابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ كلّ ما فيه ذكر اسم الله تعالى.
النّقطة الثّانية: أمّا سؤالك عن الفرق بين البدعة والسنّة التّقريريّة ! فلا أدري أين وجه الشّبه بينهما حتّى يُلتمس الفرق بينهما ؟
فإنّ البدعة ما لم يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسّنة التّقريريّة ما فُعِل بحضرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو زمانه وأقرّه ولم يُنقَل أنّه أنكره، فليس ثمّة بينهما وجه شبه.
النّقطة الثّالثة: أمّا الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة:
فالبدع: ما تعلّق بالدّين والغايات، والمصالح المرسلة ما تعلّق بأمور الدّنيا والوسائل، فلا بدّ أن نعلم:
أنّ البدع مجالها الدّين والعبادات، أمّا أمور الدّنيا والعادات، فلا تذمّ ولا تحرّم، بل إنّ الله ندبنا إلى الاجتهاد والابتكار في مجالات الدّنيا لأنّ مجالاتها لا تزال في نقصٍ، ونهانا عن الابتداع في الدّين لأنّه تامّ كامل, ولكن للأسف نرى المسلمين راحوا يجتهدون في مجال العبادات، وركنوا إلى القعود والإخلاد إلى الأرض في مجال الدّنيا، فعكسوا القضيّة، وعظُمت البليّة.
وإنّ العادات إن حُرِّمت فإنّها تحرّم لأمور أخرى:
أ)- كأن تشتمل على شرك بالله سبحانه، كمن يذبح على الدّار المبنيّة لأنّها تطرد الجنّ، ثمّ يقول لك إنّها عادة، ويجهل أنّها شرك بالله العليّ، وصدق الله إذ قال:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجـن:6]، والنّساء اللاّء يتعمّدن الحنّاء ليلة العرس لأنّها تزيّن السّعد، ثمّ يقلن: هي عادة، ويجهلن أنّ سبب اختراعها كان شركا.
ب)- أن يكون في العادة معصية كالتّبذير الذي نراه في المحافل، وكالتشبّه بالكافرين والمشركين في أعياد الميلاد، وأعياد السّنة الجديدة، وأعياد الأمّ والمرأة والعمّال، وغير ذلك.
ج)- أو تأتي المصلحة وكان بإمكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أن يأخذوا بها، ولكنّه لم يأخذ بها، فهذا يدلّ على أنّها ليست مشروعة، ولو كانت خيرا لسبقونا إليها.
ومن الأمثلة عل ذلك: فرض الضّرائب على النّاس، فهو أمر توفّر الدّاعي إليه في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه لم يأخذ به.
وكذا لو قام أحد من النّاس فقال: لا بدّ من الأذان لصلاة العيدين ونحوها ! فيقال له: قد قام الدّاعي في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يأخذ بذلك، فدلّ على أنّ ذلك غير مشروع.
[تنبيه مهمّ]:
إنّما سمَّيت الوسائل وأمور الدّنيا بالمصالح المرسلة اتّباعا لما جاء في سؤالك، وما ذكره جمهور العلماء؛ فهم يعرّفون المصلحة المرسلة بقولهم: ( إنّها ما لم يَشْهد الشّرع باعتباره ولا بإلغائه ) !
والحقّ: أنّ النّاظر في الوسائل والأمور الدّنيويّة ليدرِك أنّ الشّرع لم يُهمِلْها:
فإن كانت محرّمة، فهي ملغاة بالنّص أو الإجماع أو القياس.
وإن كانت واجبةً، أو مستحبّة، أو مباحة، فهي معتبرة بالنصّ أو الإجماع أو القياس أيضا، ولا تكون أبدا مرسلةً، فهي إمّا معتبرة بالشّرع، أو ملغاة بالشّرع كذلك.
النّقطة الرّابعة:
أمّا الاستحسان، فقد اختلف العلماء في تحديده، والصّواب أنّ الحسن ما اعتبره الشّرع حسنا.
أمّا تعريف الحنفيّة له بأنّه ما جاء على خلاف القياس، فإنّه يقال لهم: ليس ثمّة في الشّريعة شيء جاء على خلاف القياس الصّحيح، ومن توهّم ذلك فإمّا أن يكون قياسه فاسدا، أو يكون ما رآه مخالفا للقياس رأيا فاسدا.
وإنّ الاستحسان باب عظيم، ولج منه أهل البدع فشرعوا في الدّين ما لم يأذن به الله تعالى، ورحم الله الإمام الشّافعيّ القائل:" من استحسن فقد شرع ".
والله أعلم.