أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

الأربعاء 08 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 11 ماي 2011 09:27

- السّيرة النّبويّة (43) بيعة العقبة الأولى.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد تحدّثنا في الحلقة السّابقة عن زواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من عائشة وسودة بنت زمعة رضي الله عنهما، وذكرنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما جعل هذا الزّواج مجرّد متعة وشهوة، ولكنّه جعله عونا على أداء رسالة الله، وتبليغ كلمة الله.

وها هو صلّى الله عليه وسلّم يجمع ثيابه، ويعود إلى تجمّعات العرب من جديد ..

فدخل صلّى الله عليه وسلّم خيام ربيعة، ومعه أبو بكر وعليّ رضي الله عنهما، ولكنّهم ما خرجوا بما يسرّهم. فدخل خياما أخرى.

قال عليّ رضي الله عنه:" ثمّ دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السّكينة والوقار، فتقدّم أبو بكر رضي الله عنه، وكان مقدّما في كلّ خير، فسلّم، وقال:

ممّن القوم ؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة.

فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ! هؤلاء القوم غُرَر النّاس، فيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنّى بن حارثة، والنّعمان بن شريك.

وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا، فقال: فإلام تدعو يا أخا قريش ؟

قال: (( أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَأَنْ تَأْوُونِي وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللهِ فَكَذَّبَتْ رُسُلَهُ، وًاسْتَغْنَتْ بِالبَاطِلِ عَنِ الحَقِّ، وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ )).

فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:151].

قال مفروق: وإلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النّحل:90].

فقال مفروق: دعوت - والله - يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفِك قومٌ كذّبوك، وظاهروا عليك.

وكأنّه أحبَّ أن يُشاركه الكلامَ هانئُ بنُ قبيصة، فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخُنا، وصاحب ديننا.

فقال: قد سمعت مقالتَك يا أخا قريش، وإنّي أرى إن تركْنا دينَنا، واتّبعناك على دينك لمجلس جلستَه إلينا زلّةٌ في الرّأي، وقلة نظر في العواقب، وإنّما تكون الزلّة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر.

وكأنّه أحبّ أن يشاركه في الكلام المثنّى بن حارثة، فقال: وهذا المثنّى بن حارثة، فتكلّم فأحسن.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلاَّ مَنْ أَحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى يُورِثَكُمُ اللهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبِّحُونَ اللهَ وَتُقَدِّسُونَهُ ؟)).

ويقصِد صلّى الله عليه وسلّم بقوله ذلك: أنّه إن أبيتُم أن تستجيبوا الآن لدعوتي، فهل ستُسلِمون إذا ظهر أمر الله تعالى على يد غيركم؟

وهذا هو عين الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ، ليعْلم المدعُوُّون أنّ العبرة بإسلامهم لا بعَونِهم.

فقال النّعمان بن شريك: اللّهمّ نعم.

فتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)} [الأحزاب].

ثم نهض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قابضا على يد أبى بكر رضي الله عنه وهو يقول: (( يَا أَبَا بَكْرٍ أَيُّ أَخْلاَقٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ ! مَا أَشْرَفَهَا ! بِهَا يَدْفَعُ اللهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ )).

وفي هذه الخيمة كان آخر حزن، إذ لم يخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعطاء، ولكنّه خرج ولم يَحثُ في وجهه أحدٌ التّراب، ولم يقرع آذانه شتم ولا سِباب. فدفع أبو بكر رضي الله عنه إلى خيام أخرى ..

إنّها خيام الأوس والخزرج .. خيام القادمين من حرّة يثرب ..

وحينها تمّ لقاء الغرباء بالغرباء .. هناك تمّ لقاء جدّد الدّنيا .. لقاء حوّل التّاريخ ..

قال عليّ رضي الله عنه: فبينما هو عند العقبة، لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، قال لهم:

(( مَنْ أَنْتُمْ ؟)).

قالوا: نفر من الخزرج.

قال: (( أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ ؟ ))

قالوا: نعم.

قال: (( أَفَلاَ تَجْلِسُونَ أُكَلِّمْكُمْ ؟)).

قالوا: بلى. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.

قال عليّ رضي الله عنه: وكان ممّا صنع الله لهم به في الإسلام أنّ يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عزّوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إنّ نبيّا مبعوث الآن، قد أظلّ زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

فلمّا كلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولئك النّفر، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض:

يا قوم ! تَعَلَّمُوا[1] - والله - إنّه للنبيّ الذّي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه.

فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدّقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا:

إنّا قد تركنا قومنا، ولا قومَ بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم [يقصد العداوة بين الأوس والخزرج]، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدِم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الّذي أجبناك إليه من هذا الدّين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك.

ثمّ انصرفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدّقوا ".

ولمّا وصلوا إلى يثرب تسلّلوا إلى قلوب بعض قومهم، فما كان منهم إلاّ أن استجابوا لهم وأسلموا، فصار في تلك الدّيار من يعبد الله وحده لا شريك له، ويصلّي على رسوله صلّى الله عليه وسلّم.

وكيف لا، وهم يرون الرّجل يُسلم اليوم وينقلب إلى غير ما كان عليه، فينفض غبار الجاهليّة، ويتطهّر من الأوساخ الخلقيّة ؟

كيف لا وهم يشاهدون بأبصارهم ما لا عهد لهم به، وهو وقوف الخزرجيّ أمام الأوسيّ، الّذين ظلّت الحرب بينهم عشرون ومائة سنة؟

وجاء العام الثّاني عشر من البعثة والموافق لشهر يوليو من عام 621، والموسم موسم حجّ، فإذا بمطايا يثرب تدخل مكّة ..

وكان من بين الرّكب من آمن بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم: كانوا اثني عشر رجلا: اثنان من الأوس، وعشرة من الخزرج:

منهم أسعد بن زرارة، وعبادة بن الصّامت، ورافع بن مالك، وأبو الهيثم بن التيّهان رضي الله عنهم جميعا.

بيعة العقبة:

حتّى إذا قضوا نسكهم، مدّوا أيديهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العقبة - وهي موضع بين مكّة ومنى بينهما نحو ميلين - حتّى إذا رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيديَهم تصل إليه إذعانا وامتثالا لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، أَدْلَى بنصّ البيعة، وكان نصّها ما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصّامتِ رضي الله عنه - وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ-وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ -:

(( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ.

قال عبادة: فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك )).

فبايعوه وشُدّت الأيدي للنّهوض بالحقّ، وهم يعلمون أنّهم بهذه البيعة قد حكموا على أنفسهم بمعاداة العرب والعجم، فكانت بحقّ بيعة الإسلام، حملها الأنصار وابتهجوا بحملها، وكانت فخرَهم ومصدرَ عزّهم، حتّى إنّها كانت عند بعضهم أعظمَ من بدر؛ لأنّ بدرا أوّل غزوة انتصر فيها المسلمون على الكفّار، ولولا البيعة الأولى لما كانت بدر.

وصار النّاس يأتون في غير موسم الحجّ تِباعا يبايعون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام، روى الإمام أحمد عن جابرٍ رضي الله عنه قال:

" مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ:

(( مَنْ يُؤْوِينِي ؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ ؟)).

حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ، أَوْ مِنْ مُضَرَ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ، لَا يَفْتِنُكَ ! وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ !

حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ، فَآوَيْنَاهُ، وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ !".

ولكنّهم رأوا أنّه حان الوقت ليُرسِل إليهم من يعلّمهم أحكام دينهم الحنيف ..

وعلينا أن نتأمّل منهج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إقامة أمر الله .. فإنّه يريد إقامة المجتمع المسلم قبل الدّولة الإسلاميّة، وهذا شعار أهل الصّلاح والإصلاح مدى الأزمان: أنّ التّغيير لا بدّ أن يبدأ من القاعدة.

روى الإمام أبو نعيم في "دلائل النبوّة" (ص 306) عن عروة بن الزّبير[2] أنّهم:

( بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: أَنْ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلاً مِنْ قِبَلِكَ، فَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. فَنَزَلَ فِي "بَنِي عَنَمٍ" عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا فَيَفْشُو الإِسْلاَمُ، وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخْفُونَ بِدُعَائِهِمْ ).

وسوف نرى مشاهد من دعوته لاحقا إن شاء الله.



[1] ( تعلّم ) بمعنى: اعلم.

[2] وله طريق آخر من مرسل الزّهري، وشاهدان عند ابن إسحاق.

أخر تعديل في الأربعاء 08 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 11 ماي 2011 09:28

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.