أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

الأربعاء 24 ذو الحجة 1444 هـ الموافق لـ: 12 جويلية 2023 00:10

- موسم الحرّ: تأمّلات ووقفات

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: 

فقد أهلّ علينا فصل جديد .. فصل يُقال فيه الكثير، ويُفعل فيه الكثير .. يُسَرُّ له أقوام كثيرون، ويحزن له قوم آخرون .. 

وما هذه السّطور إلاّ خمس وقفات نقفها، وتأمّلات نشهدها، في عجيب صنع الله الواحد القهّار، الذي أتقن كلَّ شيء وكلُّ شيء عنده بمقدار.

ففي مقابل صنع العزيز الوهّاب، هناك صنعُ أولي الألباب، وعبادة أولي العقول الوافرة، أمام آيات الله الباهرة، ألا وهو التفكّر في خلق ربّ البريّة، والتأمّل في آيات الله الكونيّة، وما يترتّب عليها من آيات شرعيّة:

{إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَـاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَـابِ  الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190،191].

روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبَاسٍ رضي الله عنه قال:

" بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ رضي الله عنها فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، قَعَدَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ثُمَّ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ ".

زاد ابن حبّان رحمه الله قال:" فلم يزل يبكي حتّى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلمّا رآه يبكي، قال: يا رسول الله ! لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم وما تأخّر ؟! قال: (( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً ؟! لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} الآيةَ كلها".

فما هذه الوقفات إلاّ تدبّر لجزء من خلق السّماوات، نسأل الله تعالى بها العفوَ عن الزلاّت.

الوقفة الأولى: حديث النّاس عن الحرّ.

حديث النّاس عن الحرّ قد ملأ جلّ الأوقات، وكيفيّة التخلّص منه صار من أعظم الانشغالات؛ فكلّ النّاس يشكو قساوة الحرّ، وكلٌّ يتّخذ التّدابير من وسائل وغيرها، لئلاّ يعاني من ألمه، ويسلم من سقمه ..

فمن أين هذا الحرّ ؟

كثير من المسلمين يجهلون ذلك، وخاصّة مع الحملة العلمانيّة الشّديدة الّتي تقام على النّظرة الشّرعيّة للظّواهر الطّبيعيّة !

فتستمع إلى أغلب وسائل الإعلام، وهي تقول: إنّه منخفض جوّي من بلد فلانيّ !

وتستمع إلى آخرين فيقولون: ثُقب في طبقة الأزون سبّب مثل هذا الحرّ !

وصار أوّل ما يدور في ذهن العوامّ أنّه: احتراق غابة من الغابات !

ولكنّني أدعوك إلى أن تستمع إلى الأخبار الصّحيحة، ممّن لم يعتمد على الأحوال الجوّية .. ولكنّه اعتمد على وحي ربّ البريّة .. خبرٌ موقّعٌ عليه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}..

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ! فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ )).

ورويا أيضا عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنْ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ )).

عباد الله ! تلكم الحرارة التي لا يمكن أن تتصوّرها في هذه الدّنيا، ذلكم الحرّ الذي ما زال يفتك بالآلاف في أقصى شرق العالم، إنّما هو من نفس جهنّم - أعاذني الله وإيّاكم من عذاب جهنّم - فما هو حرّها إذن ؟!

أوصافها في القرآن والسنّة تُغنِي عن كلّ الأوصاف .. قال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] ، وقال جلّ ذكره: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8].

وفي الصّحيحين عن النُّعمانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ )) !

لذلك كان الصّالحون إذا شعروا بشدّة الحرّ قالوا: اللهمّ إنّي أعوذ بك من حرّ جهنّم.

ورأى عمرُ بنُ عبد العزيز قوماً في جنازة قد هربوا من الشّمس إلى الظلّ، وتوقّوا الغبار، فبكى وأنشد:

من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخاف الشيـن والشّعـثا

ويألف الظــل  كي يبقي بشاشته *** فسوف يسكن يومـا راغما  جدثا

في ظــــل مقفرة غبراء مظلمة *** يطيل تحت الثرى في غمّـها اللّبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به، يا نفــس *** قبــل الــرّدى لم تخلقي عبثا

الوقفة الثّانية: الشّمس بين مشهدي العظمة والانكسار.

هذه الشّمس التي حيّرت العلماء، وأعجزت الحكماء، وتعجّبوا من سعتها، وشديد عظمتها، حتّى أعلنوها بالرّغم منهم أنّها أكبر من الأرض بمليون وثلاثة مئة ألف مرّة !

لشدّة حرّها منع الله تعالى الحياة على كواكبَ أعظمَ بكثير من هذه الأرض لقربها منها .. وما يصلنا من أشعّتها إنّما هو أدناها !

يُخبرنا الله تعالى عنها في القرآن الكريم قائلا:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحجّ:18].

روى البخاريّ عنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ:

(( أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ )) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:

(( فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

ها هي الشّمس على عظمتها، وسعتها، تراها تذلّ للواحد الأحد، فـ:{يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ}.

الوقفة الثالثة: الشّمس من جنود الله يوم القيامة.

كما جعل الله هذه الشّمسَ من أعظم آياته على قدرته، فسيجعلها من جنوده يوم القيامة:

فقد روى مسلم عن المِقْدَادِ بنِ الأسودِ قال: سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ! فَيَكُونَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ))، قال: وأشار رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فِيهِ.

عندئذ يشتدّ بالنّاس الكرب، ويعظُمُ بهم الخطب، فيأتون الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربّهم تعالى، ليأتي لفصل القضاء بعد طول انتظار.

الوقفة الرّابعة: الشّمس تدلّ على سعة جهنّم.

اعلم - أخي الكريم - أنّ هذه الشّمس كما تدلّ على شدّة حرّ جهنّم، فهي تدلّ أيضا على سعتها.

فقد روى البخاريّ عن أبِي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ ))، تفسيرا لقوله عزّ وجلّ:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.

وفي معجم الطّبراني عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الشَّمْسُ وَالقَمَرُ يُكَوَّرَانِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )). [انظر " السّلسلة الصّحيحة "(124)].

وليس ذلك لتعذيبهما، ولكن تبكيتاً لعُبَّادهما .. فالله هو القائل:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].

فإذا كانت الشّمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرّة، ثمّ تُلْقَى وتُكوّر في النّار، فكيف هي سعة جهنّم ..!

الوقفة الخامسة: الحرّ غنيمة أو هزيمة.

فهذا الحرّ الشّديد، إنّما هو ابتلاء يميّز الله به الصّالحين، وعقوبة وعذاب للمنافقين.

فليس الحرُّ عائقا عن طاعة الله، ومن عاقه الحرّ عن الطّاعة ففيه شبه بالمنافقين، كما حدث في غزوة تبوك {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].

وابن آدم ملول، لا يستقيم على طريقة:

يتمنّى المرء في الصّيف  الشّتاء *** فإذا جاء الشتاء أنكــره

فهو لا يرضى بحال واحــد *** قتل الإنسان ما  أكفــره

أمّا الصّفوة من عباد الله، فإنّهم يرون أنّ في الحرّ غنيمةً لا تفوت ؟

- هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين حضرته الوفاة، لم يتأسّف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدّنيا، ولكنّه حزن على مفارقة قيام اللّيل، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب، وعلى ظمأ الهواجر بالصّيام في أيّام الحرّ الشّديد.

- وخرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه أصحابه، فوضعوا سُفرةً لهم، فمرّ بهم راعٍ، فدعَوْه إلى أن يأكل معهم، فقال: إنّي صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه، وأنت بين هذه الشّعاب، في آثار هذه الغنم، وأنت صائم ؟! فقال: أُبَادِر أيّامي هذه الخالية.

- ويقول أبو الدرداء موصياً أحبابه: صوموا يوماً شديداً حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور.

- وقد روى البزّار بإسناد حسن - كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب"- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما:

(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ أَبَا مُوسَى رضي الله عنه عَلَى سَرِيَّةٍ فِي البَحْرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، إِذَا هَاتِفٌ فَوْقَهُمْ يَهْتِفُ: يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ ! قِفُوا أُخْبِرْكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ.

فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: أَخْبِرْنَا إِنْ كُنْتَ مُخْبِراً. قَالَ: إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ ))..

كذلك حين يخرج المصلّي إلى صلاة الظّهر أو العصر، فيرى الشّمس اللاّهبة، ويحسّ بالحر اللاّفح، لكنّه يطمع في رحمة ربّ العالمين، ويدّخر هذا المخرج عند الله يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

والله تعالى الموفّق، لا ربّ سواه.

أخر تعديل في الأربعاء 24 ذو الحجة 1444 هـ الموافق لـ: 12 جويلية 2023 11:08

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.