أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 11:37

- تفسير سورة البقرة (5) القرآن العظيم كتاب هداية

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

قال عزّ وجلّ:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}.

وفي هذه الآية مسألتان:

المسألة الأولى: براعة الاستهلال في الآية.

براعة الاستهلال من بدائع علم البلاغة، وقد بيّن ما في القرآن منه ابن أبي الإصبع في كتاب سمّاه " الخواطر السّوانح في أسرار الفواتح ذكره السّيوطي رحمه الله في " الإتقان ".

وتعريف براعة الاستهلال: ( أن يشتمل أوّل الكلام على ما يناسب الأمر المتكلَّم فيه )، وقد بيّنا ذلك في سورة الفاتحة، حيث ابتدأ كتاب الله بما يدلّ عليه.

 

ومن أمثلته في سورة النّساء أنّها تضمّنت أحكام الأسباب والرّوابط الّتي بين النّاس، وهذه الرّوابط نوعان:

- مخلوقة لله ابتداءً كالنّسب.

- ومقدورة للبشر كالمصاهرة.

ولهذا افتُتِحت بقوله:{اِتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ثمّ قال:{وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}.

قال السّيوطي رحمه الله:" فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال، حيث تضمّنت الآية المفتتح بها ما جاء أكثرُ السورة في بيان أحكامه من نكاح النّساء، ومحرّماته، والمواريث المتعلّقة بالأرحام "اهـ.

فسورة البقرة من هذا القبيل، إذ لمّا شرع الله تعالى في ذكر تفاصيل ما جاء في كتابه العظيم من أحكام، وتعاليم عِظام، بدأه بنفي الرّيب عنه، وأنّه كتاب هداية وإنقاذ من سبل الغواية كما قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9].

المسألة الثّانية: شرح ألفاظ الآية.

-( ذَلِكَ ): (ذا) اسم إشارة، واللاّم للبعد، ويستعمل ذلك للإشارة إلى غائب، أو كلام سابق، أمّا إذا أشرت إلى حاضر أو كلام لاحق فإنّك فتقول ( هذا )، فلماذا استعمل هنا في الإشارة إلى الحاضر ؟

فالجواب عن ذلك هو: أنّه قد يُستعمل (ذلك) بمعنى ( هذا ) للتّعظيم، كما قال تعالى عن نفسه::{ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: من الآية95]، وقال:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: من الآية10].

فمعنى: ( ذلك الكتاب ) أي:" هذا الكتاب "، كما رواه الطّبريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه وعكرمة ومجاهد والسدّي.

وروى البخاري تعليقا قال:" وَقَالَ مَعْمَرٌ:{ذَلِكَ الْكِتَابُ}: هَذَا الْقُرْآنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} هَذَا حُكْمُ اللَّهِ ".

فمعرفة هذا الأسلوب مهمّ، لأنّ بعض المفسّرين وقف أمام ظاهر الإشارة، فقال: إنّ ( ذلك ) راجع إلى ما نزل من القرآن قبل سورة البقرة، ولا يخفى بعدُه.

وأتى بلام البعد للإشارة إلى بعد المكانة لا بعد المكان.

-( الكِتَابُ ): في لغة العرب مشتقّ من الكَتْبِ، وهو الجمع، ومنه " الكتيبة " للمجموعة من الجيش، وقالت العرب: تكتّبوا بمعنى: تجمّعوا، وتكتّبت الخيل أي: تجمّعت.

والكتاب على وزن ( فِعال ) بمعنى ( مفعول ) كفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإله بمعنى مألوه، فكتاب بمعنى مكتوب أي: مجموع؛ لأنّه يجمع حرفا إلى حرف.

واستُعمل لفظ " الكتاب " ومادّته في القرآن الكريم وسنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمعانٍ أخرى، منها:

- اللّوح المحفوظ: ومنه قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38].

- الأمر المفروض الواجب: ومنه قوله تعالى:{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: من الآية103]، أي: أمرا مكتوبا مفروضا، كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: من الآية178] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: من الآية216].

- الوقت المحدّد: نحو قوله تعالى:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: من الآية38].

- المكاتبة: نحو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: من الآية33]، والمكاتبة هي: أن يدفع العبد مالا إلى سيّده تلقاء حرّيته.

- كتاب خاصّ فوق العرش: فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي )).

والمراد به هنا هو القرآن الكريم، لا اللّوح المحفوظ، ولا الكتاب الذي فوق العرش.

فصار " الكتاب " من أسماء القرآن إلى جانب أسماءٍ أخرى كلّها تدّل على شرفه وعظمته، فيكون لكلام الله عدّة أسماء منها:

- القرآن: لأنّه مقروء.

- والكتاب: لأنّه مكتوب.

- والفرقان: لأنّه يفرّق بين الحقّ والباطل، قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

- الذّكر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:41].

ومعنى تسميته ذكرا:

إمّا ذكرُ الله؛ فهو أعظم ما يُذكر الله به.

ويمكن أن يكون بمعنى الشّرف، نحو قوله تعالى:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10]أي: شرفكم.

- حبل الله: لقوله عزّ وجلّ:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران: من الآية103].

وبعضهم بالغ فذكر خمسة وخمسين اسما له، كالزّركشي، والصّحيح أنّها أوصاف، كالعليّ، والعزيز، والمبين والهدى والنّور، والرّوح، وغير ذلك.

-( لاَ رَيْبَ فِيهِ ): لا نافية للجنس، و الرّيب هو الشكّ، ومنه قوله تعالى:{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور: من الآية50]، أي: شكّوا.

والمراد: أنّ هذا القرآن لا شك في أنّه نزل من عند الله، وهو قول جمهور السّلف كابن عبّاس رضي الله عنه وتلميذه ابن جبير، ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنه، وغيرهم، وهو مثل قوله تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:2].

وقد ذكر العلماء قولين آخرين لا يخالفان ما ذكره السّلف:

الأوّل: أنّه لا شكّ فيه أنّه هدى للمتّقين، وهذا حقّ لأنّ الله إذا نفى الشكّ أنّه من عنده سبحانه، فكلّ ما أخبر به لا يُشكّ فيه كذلك.

الثّاني: أنّ المراد من ( لا ريب ) النّهي، أي: لا ترتابوا، فهو خبر يراد منه النّهي، نحو قوله تعالى:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ} [البقرة: من الآية197]. وهذا المعنى صحيح أيضا، لأنّ الله إذا نفى الشكّ عن كتابه فلا يحلّ تكذيب خبره.

-( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ): الهدى والهداية هو الدّلالة الكاملة.

والهدى الشّرعيّ هو: " الإرشاد إلى ما فيه صلاح العاجِل والآجل ".

وقوله تعالى:{هُدًى} وصف للقرآن الكريم وخبر آخر عنه، فهو لا شكّ فيه أنّه من عند الله، وهداية للمتّقين.

وقد يقول قائل: وهل هو هدى للمتّقين فقط ؟ أليس القرآن هداية للنّاس جميعا ؟ فالجواب أنّ:

الهداية نوعان – كما سبق بيانه في تفسير سورة الفاتحة –:

· هداية إرشاد ودلالة: وهي ثابتة لكلّ دالّ على طريق.

· وهداية توفيق: وهذه ليست إلاّ لله تبارك وتعالى الّذي قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلّبها كيف يشاء. ومنه قوله تعالى حكاية عن نبيّه شعيب عليه السّلام:{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: من الآية88].

فالقرآن بالمعنى الأوّل للهداية ( هداية الدّلالة ): فهو هدًى للمتّقين وغيرهم، فمن قرأه وتدبّره تبيّن له الطّريق الموصل إلى الله عزّ وجلّ.

وبالمعنى الثّاني للهداية ( هداية التّوفيق ): فإنّه لا ينتفع بما في القرآن من أحكام وزيادة في الخيرات إلاّ المتّقون، أمّا غيرهم من المعرضين عنه، الّذين لا يلتفتون إليه، ولا يرفعون رؤوسهم إليه فهم لا ينتفعون به.

وهذا مثل قوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصّلت:17]، أي دللناهم على الخير بالآيات وهي النّاقة، فأعرضوا، كما في آية أخرى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: من الآية59].

( فائدة ): من القراء من يقف على قوله تعالى:{لاَ رَيْبَ}، ويستأنف من قوله تعالى:{فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، وهو وقف صحيح.

ولكنّ الوقف على قوله تعالى:{لاَ رَيْبَ فِيهِ} أولى، وذلك لسببين:

‌أ- ليصير قوله تعالى: ( هُدًى ) وصفا للقرآن، وهذا أبلغ من كونه فيه هدى.

‌ب- ليوافق قوله تعالى في سورة السّجدة:{تَنْزِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينِ}.

-و( المُتَّقِينَ ): من التّقوى والاتّقاء، وهي مأخوذة من الوقاية.

ومعناها في اللّغة: ما يجعله المرء من حاجز يقيه السّوء، ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النّحل: من الآية81]، ومنه قول البراءِ رضي الله عنه-كما في مسلم-: " كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ صلّى الله عليه وسلّم".

والمراد بالتّقوى هنا: الإتيان بالطّاعات واجتناب النّواهي. وعلى التّفصيل: هو فعل المأمور، وترك المحظور، والصّبر على المقدور.

وعبارات السّلف كثيرة في تعريف التّقوى، ومعناها كلّها راجع إلى ما ذكرناه:

- سأل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أبيَّ بنَ كعب رضي الله عنه عن التّقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك ؟ قال: بلى، قال: فما عملت ؟ قال: شمّرت وحذرتُ، قال: فذلك التّقوى.

وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتزّ فقال:

خلِّ الذّنـوب صغيرها *** وكبيـرها ذاك التُّـقَى

واصنع كمـاش فوق أر *** ضٍ الشّوك يحذر ما يرى

لا تحقـرنّ صغـيـرة *** إنّ الجبـال من الحصـى

- وقال الحسن رحمه الله: " التّقوى ألاّ تختار على الله غير الله، وتعلم أنّ الأمور كلّها بيد الله ".

- وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: " التّقوى ألاّ يجِد الخلق في لسانك عيبا، ولا الملائكة في أفعالك عيبا، ولا ملك العرش في قلبك عيبا ".

- وقال الواقديّ: " التّقوى أن تُزيِّن سرّك للحقّ، كما زيّنت ظاهرك للخلق ".

- وقال بعضهم: " التّقوى ألاّ يراك مولاك حيث نهاك، وألاّ يفتقدك حيث أمرك ".

المغزى العامّ للآية:

أنّ القرآن لا ريب أنّه كلام الله عزّ وجلّ، أنزله إلى خلقه كي يتّخذوه دليلا وهاديا على خير الدّنيا ونعيم الآخرة، ولكن لا ينتفع بهذا القرآن الكريم إلاّ من عمل به وأقام حدوده.

ثمّ بدأ الله عزّ وجلّ يذكر صفات المتّقين في الآية التّالية.

ولكن قبل ذلك فإنّه لا بدّ من وقفة لنتأمّل فيها منازل المتّقين عند ربّ العالمين، وذلك في حلقة قابلة إن شاء الله

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.