أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 05 محرم 1432 هـ الموافق لـ: 11 ديسمبر 2010 09:08

- شرح الأسماء الحُسنَى (18) الرزّاق، والرّازق عزّ وجلّ

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ من الأسماء الحُسنى الّتي تطرّقنا إليها ( الفتّاح )، ورأينا من معانيه أنّه نقيض الإغلاق والإمساك، فيفتح الله عزّ وجلّ لعباده أبواب النّصر، وأبواب الرّزق، من أجل ذلك ناسب أن نتحدّث عن الاسمين الكريمين:

25- الرزّاق عزّ وجلّ 26- الرّازق عزّ وجل

1- المبحث الأوّل: أدلّة ثبوت هذا الاسمين.

 

فقد اتّفق العلماء على إثبات الاسم الكريم (الرزّاق) لله سبحانه وتعالى لقوله:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذّاريات:58].

ولكنّهم اختلفوا في إثبات اسم (الرّازق) ؟

فقد ذكره الحافظ ابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، والقرطبيّ، وابن الوزير رحمهم الله.

وهناك من لم يذكره ضمن الأسماء، ولكنّهم عدُّوه من الصّفات، كالخطّابي، وابن حزم، وابن العربيّ، وابن القيّم، وابن حجر، والسّعديّ.

والصّواب إثباته، وقد استدلّ بعضهم على إثباته بقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: من الآية11]، وفي ذلك نظر.

وإنّما يُستدلّ لذلك بما رواه التّرمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ )) ولفظ التّرمذي: ( الرزّاق ).

ومن ثمّ ثبتت له سبحانه صفة الرّزق، وذلك معلوم بالضّرورة.

2- المبحث الثّاني: شرح الاسمين الكريمين.

- المعنى اللّغويّ: الرّزق مصدر، وهو كلّ ما يُنتفع به، لذلك يُطلق على المال، والولد، والمطر، وغير ذلك. والرزّاق أبلغ من الرّازق؛ لأنّه من صيغ المبالغة.

- معناه في حقّ الله عزّ وجلّ:

قال ابن جرير في " تفسيره " لسورة الذّاريات (27/8):" هو الرزّاق خلقَه، المتكفِّل بأقواتهم ".

وقال الخطّابي في " شأن الدّعاء " (ص54) ومثله البيهقيّ في " الاعتقاد " (ص57):" هو المتكفّل بالرّزق، والقائم على كلّ نفس بما يُقيمها من قوتها، وسع الخلقَ كلَّهم رزقُه ورحمتُه، فلم يختصّ بذلك مؤمنا دون كافر، ولا وليّا دون عدوّ، يسوقه إلى الضّعيف الّذي لا حيْل له ولا متكسّب فيه، كما يسوقه إلى الجَلد القويّ، ذي المرّة السويّ، قال سبحانه:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: من الآية60]، وقال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: من الآية6] "اهـ.

وقال الحليميّ رحمه الله في "المنهاج" (1/203):" وهو الرزّاق رزقا بعد رزق، والمكثر الموسع له ".

وقال الهرّاس في شرح "نونية ابن القيّم"(2/101):" والرّزق كالخلق .. صفة من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيّته عزّ وجلّ، لا يصحّ أن ينسب إلى غيره، فلا يسمّى غيره رازقا كما لا يسمّى خالقا "اهـ.

3- أنـواع الرّزق.

رزق الله نوعان: عامّ وخاصّ.

أ‌) أمّا الرّزق العامّ: فهو ما يوصِله تعالى إلى جميع خلقه ممّا تحتاجه في معاشها وقيامها، فيسهّل لها أرزاقها، ويدبّر لها أقواتها.

وسمّي عامّا؛ لأنّه يشمل البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ولأنّه أيضا يشمل الرّزق الّذي يُحصّله العبد من طريق مأذون، وما يحصل عليه من طريق غير مأذون فيه.

فإن حصّل عليه من الأوّل كان رزقا حلالا، وإلاّ كان حراما، ويسمّى رِزقا بهذا الاعتبار أي: إنّ الله هو الّذي أنعم به ابتداءً، وهذا هو الصّحيح، خلافا للمعتزلة الّذين قالوا: إنّ الرّزق الحلال ليس من الله تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

ولكنّ من يعلم أنّ الرّزق كالخلق يسهل عليه فهم ذلك، لأنّ الّذي يأتي بولد من حرام لا يمكن أن يقال إنّ الله لم يخلقه، فكذلك الرّزق من موضع حرام لا يمكن أن يقال لأجل ذلك إنّ الله لم يرزقه إيّاه.

ب) أمّا الرّزق الخاصّ: فهو الرّزق النّافع المستمرّ نفعه في الدّنيا والآخرة، وهو نوعان أيضا:

- رزق الأبدان: وذلك بالرّزق الحلال الّذي لا تَبِعة ولا إثم فيه، وربّما كان شاقّا، ولكن من ورائه راحة البال وسكون الحال، لا أن يكون متعةً تجرّ من ورائها العذاب والوبال. وهذا لا يوفّق إليه إلاّ خاصّة عباده.

- رزق القلوب: ووسيلته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بأن يرزق الله عباده العلم والإيمان، فإنّ القلوب مفتقرةٌ غايةَ الافتقار إلى أن تكون عالِمةً بالحقّ مريدةً له، وبذلك يحصل غِناها ويزول فقرُها، قال تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة:269]..

وقد روى البخاري ومسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ )).

قال ابن القيّم رحمه الله في " النّونية ":

وكـذلك الرزّاق مـن أسمـائـه *** والرّزق مـن أفعـاله نوعــان

رزق على يـد عبـده ورسـوله *** نوعان أيضـا ذان معـروفــان

رزق القلوب العلم والإيمان والـ *** رّزق المـعـدّ لهـذه الأبــدان

هذا هـو الرّزق الحـلال وربّـنا *** رزّاقـه والفـضــل للمـنّـان

والثّاني سوق القوت للأعضـاء في *** تلك المجــاري سوقـه بِـوزَان

هذا يكون مـن الحلال كما يكـ *** ـون من الحـرام كلاهـما رزقان

والله رازقـه بـهـذا الاعـتـبا *** ـر وليس بالإطـلاق دون بيـان

4- ثمرات وآثار هذا الاسم.

- الثّمرة الأولى: اليقين بأنّ الرّزق كالخلق:

فكما أنّ العبد لا يشكّ أنّ الله خلقه، فينبغي له أن لا يشك أنّ الله يرزقه، لذلك قرن الله صفة الرّزق بالخلق في كثير من المواضع لتقرير هذه الحقيقة، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، وقال:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: من الآية6]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}.[البقرة]..

بل دعا الله تعالى إلى الاستدلال بخلقه على رزقه، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3] أي: كيف تصرفون عن ذلك ؟!..

واستدلّ على بطلان عبادة من دونه بنفي الرّزق عنهم، فقال:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} [النّحل:73]..

ولكنّ أكثر النّاس سلّموا بخلقه لهم، وشكّوا في رزقه عزّ وجلّ لهم.. مع أنّ الرّزق من الأمور الّتي كُتبت قبل النّفخ في الرّوح.

روى البخاري ومسلم عن عَبْد اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ...)).

بل يدلّ اسم الرزّاق زيادة على كثرة العطاء أنّ ذلك بلا ثقل ولا مشقّة ولا كلفة، قال الطّحاوي رحمه الله:" رازق بلا مؤنة ".

بل لو سألوه جميعا فأعطاهم لم ينقص من ملكه شيئا، وسيأتي تفصيله عن شاء الله في شرح اسم الملك. 

- الثّمرة الثّانية: المسارعة إلى طلب العلم:

فإذا علمت أنّه لا رازق إلاّ الله، وأنّه لا مانع لما أعطى، ولا معطِي لما منع، فأيّ البابين نقرع ؟ وإلى أيّ النّوعين من الرّزق نهرع ؟

أنطلب الرّزق العامّ الّذي يستوي فيه المخلوفات كلّهم، أو الرّزق الخاصّ الّذي يعدّ حقّا الرّزق الحسن ؟

فغذاء الأرواح، وقوت القلوب هو العلم النّافع الّذي يُثمر العمل الصّالح، وإذا ما أطلق العلم فالمراد به العلم بالله عزّ وجلّ، وبأوامر الله، وبرسول الله، وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. فهذا الرّزق لا يعدله رزق .. ولا الأموال الطّائلة، والكنوز الهائلة:

النّاس من جهة التّمثال أكفــاء *** أبوهم آدم وأمّــهـم حـوّاء 

فإن يكن لهم في أصلهم نسـب *** يُفاخـرون به : فالطّـين والماء

ما الفضل إلاّ لأهل العلم إنّـهم *** على الهُدى لمن استهـدى أدِلاّء

وقدر كلّ امرئ ما كان يُحسنه *** النّاس موتى وأهل العلـم أحياء

وصدق من قال:

وفي الجهل قبل الموت مـوت لأهله *** وأجسـامهم قبـل القبور قبور

وأرواحهم في وحشة من جسومهم *** وليس لهم حتّى النّشـور نشور

وتوضيح ذلك من وجوه كثيرة جدّا، قد بلغت أكثر من مائة وثلاثين وجها ذكرها ابن القيّم رحمه الله في "مفتاح دار السّعادة".

لذلك بيّن الله تعالى حقيقة الرّزق الّذي يفرح له العبد، وهو ما كان من مشكاة النبوّة، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس]، وروى مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} قَالَ: (( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي ! قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ )).

- الثّمرة الثّالثة: الرّزق ليس دليلا على صلاح المرء، ولا على رجاحة عقله:

أمّا أنّه ليس دليلا على صلاح الرّجل: فقد بيّناه من خلال حديثنا عن الاستدراج في شرح اسم الفتّاح.

ولو كان دليلا على صلاح المرء ما سقى من هذه الدّنيا كافرا شربة ماء، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ )).

ومن ظنّ أنّ سعة الرّزق دالّة على محبّة الله له فهو قد شابه الكفّار في معتقدهم، ألا ترى قول الله تعالى فيهم:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)} [سبأ]..

فظنّ الكفّار والمترفون أنّ كثرة الأموال والأولاد دليل على محبّة الله لهم، وأنّه ما كان يُعطيهم هذا في الدّنيا ثمّ يعذّبهم في الآخرة، وقد ردّ الله عليهم ذلك قائلا:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون].

أمّا أنّه ليس دليلا على عقله فلو كان دليلا على عقل الرّجل ما رزق بهيمة ولا دابّة، لكنّه جلّ جلاله:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد:26].

- الثّمرة الرّابعة: أنّ الرّزق متمّم للعبد رسالته.

قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)} [الذّاريات]. لذلك روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ:

(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )).

ومن أهمّ الثّمرات للإيمان بهذين الاسمين الكريمين: معرفة مفاتيح الرّزق الحلال.

( يتبع إن شاء الله ).

أخر تعديل في الأحد 27 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2011 21:50

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.