أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- موقف الشّيخ ابن بايس من دعوة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمهما الله

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5].

والمريج هو المختلط، ومنه قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرّحمن: 19].

وسبب الخلط والتخبّط هو ردُّ الحقّ ودفعُه: اتّباعا للشّبهات، أو الرّكض خلف الشّهوات، أو تعصّبا لشيخ أو جماعة أو مشرب، أو بغضا لشخص أو طائفة أو مذهب.

قال ابن القيّم رحمه الله:

" ... فإنّ من ردّ الحقّ مرج عليه أمرُه، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصّواب، فلم يدرِ أين يذهب " ["أعلام الموقّعين" (2/173)].

- قبساتٌ من حياة الشّيخين ابن باديس والإبراهيمي رحمهما الله-

محاضرة أُلقِيت يوم الثّلاثاء 12 جمادى الآخرة 1434 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2013 م

بمسجد " الإصلاح " ببلديّة الأربعاء.

الحمد لله القائل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:

23]، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك كلّه وله الحمد وحده، جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالِّ تائهِ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على النّاس ! وما أقبح أثر النّاس عليهم !

وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، القائل: (( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ))، صلّى الله عليه وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّيبين، وعلى كلّ من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فحديثنا اليوم إنّما هو قبسات - كما هو في عنوان المحاضرة - من حياة رجلين عظيمين من رجال هذه الأمّة. والقبس هو ما يُؤخذ من النّار، كما قال تعالى عن نبيّه موسى عليه السّلام:{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه من: 10]، فإنّنا لا يمكننا أن نُحيطَ بأنوار حياة هذين الشّيخين، فلْنقتَصِر على أخذ قبسات تكون لنا نبراسا يُضيء لنا السّبيل.

-" الفـاضي يعمل قاضـي "

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فأستفتح هذه المقالة، بكلمة الشّيخ مبارك الميلي رحمه الله وهو يُعاني في زمانه من المثبّطين، ويتألّم من مواقف بعض المرجفين، الّذين لا يحملون شيئا إلاّ لواء تتبّع العثرات، وإذاعة الزلاّت والسّقطات.

قال رحمه الله:

" وقد تعدّدت وسائل الإرشاد في هذا العصر، وسهُلت طرقه، فلماذا لا ننهض مع تعدّد الحوافز وتكرّر المخازي ؟

وإذا نهض أحدنا فلماذا لا نعاضِدُه ؟

وإذا لم نُعاضِدْه فلماذا نُعارضه ؟

وإذا عارضناه فلماذا نعارضه بالبهتان ؟

وإذا عارضناه بالبهتان لحاجة، فلماذا يُعارضه من لا ناقة له ولا جمل في المعارضة والبهتان ؟"اهـ

- لماذا الحديث عن الثّبات ؟

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أعظم نعمة يمنّ بها المولى عزّ وجلّ على عباده هي نعمة الهداية إلى الإسلام، ثمّ الاستقامة عليه مدى الأيّام؛ لذلك كان الحديث عن الثّبات حديثاً عن عنوان السّعادة الأبديّة، والفوز برضا ربّ البريّة سبحانه.

وجوابا عن هذا السّؤال الكبير: لماذا الحديث عن الثّبات ؟ فإنّي أقول: إنّ ذلك لأسباب ثلاثة:

السّبب الأوّل: كثرة الانتكاسة ..

- توقـيـر العـلـمـــاء من توقـيـر الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى كلّ من اقتفى أثره واتّبع هداه، أمّا بعد:

فإنّ الله تعالى قد أولى العلم منزلة تفوق كلّ المنازل، ومرتبة تعلو على كلّ المراتب، وخصّ أهله بالانتقاء والاصطفاء، ورفع ذكرَهم في الأرض والسّماء، وإنّي على يقين تامّ أنّه ما من مسلم ولا مسلمة إلاّ وهو يقرّ بكلّ ذلك، لا ينكره ولا يجحده إلاّ زائغ هالك ..

ولكنّ هذه الكلمات إنّما هي من أجل الغفلة الّتي سكنت كثيرا من القلوب، ولا عاصم منها إلاّ علاّم الغيوب ..

هذه الكلمات ما هي إلاّ تذكرة للغافل، وتثبيتا للمجدّ العاقل، وقطعا لحجّة كلّ متكاسل ..

فالمفرّط في العلم وأهله صنفان:

Previous
التالي

الاثنين 28 محرم 1432 هـ الموافق لـ: 03 جانفي 2011 19:15

- فضل صلاة التطوّع وأثرها.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله الّذي فرض على عباده الصّلاة، وجعلها لهم من أجلّ وأعظم الطّاعات، وشرع لهم منها النّوافل والقربات، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له قيّوم الأرضين والسّماوات، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله إمام الأنبياء وسيّد السّادات، عليه من الله أزكى السّلام وأفضل الصّلوات، أمّا بعد:

فقد روى الإمام أحمد والتّرمذي بسند حسن عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: قَال النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ )). قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (( ذِكْرُ اللَّهِ تعالى )).

وكان معاذُ بنُ جبلٍ رضي الله عنه إذا سمِع هذا الحديث قال:" مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ".

وروى البيهقيّ وابن أبي الدّنيا عن عبدِ اللهِ بنِ عمْرٍو رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول: (( مَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ )). قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ: (( وَلَوْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ )).

فذِكْر الله تعالى هو العبادة الوحيدة الّتي أمر الله بالإكثار منها، فالله لا يأمر المؤمنَ بذكره فحسب، ولكنّه يأمره بالإكثار من ذكره، لذلك جاءت أكثر النّصوص الآمرة بالذّكر واصفة له بالكثرة، ومن ذلك في القرآن الكريم:

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، وقوله عزّ وجلّ:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحجّ: من الآية40]، وقوله جلّ ذكره:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الشّعراء: من الآية227]،{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]،{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]،{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]، وقوله:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: من الآية200].

وإنّ أعظم ما يحقّق للمسلم هذه العبادة: الصّـلاة؛ فقد قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: من الآية45]، بل هي الدّليل على ذكر الله، حيث قال عزّ وجلّ:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}.

وليس هناك من سبيل للإكثار من الصّلاة إلاّ باب واحد، ألا وهو: صـلاة التّطـوّع.. أو صـلاة النّـوافل.

هذه الصّلوات لو فتحت أيّ كتاب من كتب الحديث المصنّفة، أو كتب الفقه المؤلّفة، لتملّكك أشدّ العجب من كثرتها ! ثمّ من كثرة ثوابها وفضلها !

تدلّك تلك النّصوص على أنّ الصّلاة من أعظم وسائل التّجارة مع الله عزّ وجلّ الذي ليس في معاملته غبن ولا غرر، لا غشّ ولا ضرر.

ففي الحديث الذي رواه أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرْ )).

وكأنّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: حاول ألاّ تُضِع أيّ وقت يمكن أن تستغلّه في الصّلاة، فهي خير موضوع، وهي العبادة التي لم تتقيّد بعدد، والجالبة من الله أعظم المدد.

وروى ابن ماجه أَنَّ أَبَا فَاطِمَةَ اللّيثي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ. قَالَ: (( عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً )).

وفي رواية للإمام أحمد قال: (( يَا أَبَا فَاطِمَةَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَلْقَانِي فَأَكْثِرْ السُّجُودَ )).

فكذلك هو نداء لنا، إن أردنا ملاقاة النبيّ الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، فعلينا بكثرة السّجود.

وإلاّ فسيأتي اليوم الذي نتمنّى فيه القدرة على أداء ركعة واحدة، ولا سبيل إليها، فقد روى الطّبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقبر فقال: (( مَنْ صَاحِبُ هَذَا القَبْرِ ؟ ))، فقيل له: فلان، فقال: (( رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْياَكُمْ )).

وتخرّج من هذه المدرسة التيّ تعظّم الصّلاة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا لا يوصون بشيء مثل وصيّتهم بالإكثار من الصّلاة:

روى الترمذي والنّسائي عن مَعْدَان بْنِ طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيُّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي أَوْ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَسَكَتَ عَنِّي مَلِيًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول:

(( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً )).

قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ ثَوْبَانَ، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً )).

تشابهت قلوبهم وطواياهم، فتشابهت نصائحهم ووصاياهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.

لذلك ثبت من حرصهم الشّديد على هذه العبادة ما يعجز اللسان عن التعليق عليه:

- ففي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن مطرّف بن عبد اله بن الشّخير قال: قَعَدْتُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَعَلَ يُصَلِّي، يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ لَا يَقْعُدُ ! فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى هَذَا يَدْرِي يَنْصَرِفُ عَلَى شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ !

فَقَالُوا: أَلَا تَقُومُ إِلَيْهِ فَتَقُولَ لَهُ ؟ قالَ: فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا أَرَاكَ تَدْرِي تَنْصَرِفُ عَلَى شَفْعٍ أَوْ عَلَى وَتْرٍ ؟ قَالَ: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَنْ سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْهُ خَطِيئَةً وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً ))، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ.

فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: جَزَاكُمْ اللَّهُ مِنْ جُلَسَاءَ شَرًّا، أَمَرْتُمُونِي أَنْ أُعَلِّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم

- وروى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا.

حتّى نزل من أجل ذلك قرآنٌ يُتلى، فقد روى أبو داود عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:{كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَباِلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، قَالَ: (كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ).

ومشى على منهجهم هذا خير القرون من التّابعين وأتباعهم، فحقّقوا بذلك ولاية الله تعالى لهم.

( أولياء الله ) ..هذه الكلمة التي ظلمها المسلمون، فبعدما كان الأوّلون يطلقونها ليحقّقوا توحيد الله، صارت اليوم عنوانا على الشّرك بالله ! حتّى إنّ المسلم إذا تكلّم بها، كان لزاما عليه أن يبيّن مفهومها الصّحيح ومعناها الصّريح..

فأولياء الله ليسوا أصحاب القِباب، ولا أصحاب البيض من الثّياب ..

يقول تعالى في التّعريف بهم:{أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

أولياء الله هم: كلّ مؤمن تقيّ، مسلم نقيّ ..

أولياء الله هم: كلّ من حافظ على الفرائض واقترب إلى الله بالنّوافل ..

جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

فمن أراد أن ينال ولاية الله له، فليحرص على أداء الفرائض، وليزدد حِرصا على أداء النّوافل، لأنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. وإلاّ فلا تتعجّبوا من الخوف والحزن الَّذَيْن امتلأت بهما قلوب المسلمين في أيّامنا هذه.

النّوافل سِياجٌ للفرائض.

أخي القارئ .. إذا تبيّن لنا أنّ الإكثار من النّوافل من أعظم ما يكفّر الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات، ويعظم به الأجور والحسنات، فاعلم أنّ من أجلّ فضائلها: أنّها تجبُرُ النّقص وتسدّ الخلل الذي يحصل في الفرائض.

فمن ذا الّذي ينصرف من صلاته كاملةً ؟

فقد روى الإمام أحمد عن عَمَّار بْنِ يَاسِرٍ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا )) !

ثمّ إذا علمنا ذلك، فلنتأمّل ما رواه الترمذي وأبو داود والنّسائي عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول:

(( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ )).

إذا فالأمر ليس بالهيّن اليسير، بل هو جدّ صعب وخطير، ممّا يجعل صلاة التطوّع تبلغ الذّروة في الأهمّية.

وأستسمحك أخي الكريم لأنبّه على خطأ جسيم، جرى على اعتقاده أكثرُ المسلمين:

فكثير منّا يظنّ أنّ النّوافل إنّما هي من اختصاص أهل الصّلاح والقربات ! بل إنّ بعضهم لتسمعه يقول:يا أخي بما أنّني أصلّي ففيها خير وكفاية !

والحقّ أنّه بهذا الكلام قد عَكَس القضيّة، فأعظم في البليّة ! فلو كان لأحد عذرٌ في التّهاون لأداء هذه القربات لكان هم الصّحابة الّذين أخذوا بحظّ وافر من مهمّات الدّين، وحازوا قصب السّبق في عبادة ربّ العالمين، الّذين كانوا يجاهدون، ويعلّمون، وإلى الله يدعون، ومع ذلك كانوا بالإكثار من هذه النّوافل إلى ربّهم يتقرّبون.

فنحن الذين فرّطنا في كثير من الشّعائر والشّرائع علينا أن نسدّ هذا الخلل بالإكثار من النّوافل، إلاّ إذا كنّا على مذهب أبي نواس القائل عن الخمر:

دع عنك لومي إنّ اللوم إغراء *** وداوني بالتي كانت هي الدّاء

الرّواتب أجلّ النّوافل:

إذا ظهرت لنا أهمّية صلوات التّطوّع، فلنعلم كذلك أنّ أهمّ صلوات التّطوّع هو ما واظب عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو رغّب في المواظبة عليه، كصلوات الرّواتب، وصلاة اللّيل، وصلاة الضّحى.

وإن ذكّرنا أنفسنا بشيء منها فلنتحدّث عن صلوات الرّواتب.

سمّيت بالرّواتب لأنّ الرّتوب هو: الدّوام والثّبات، تقول العرب: نعيم راتب أي: دائم.

وهي: اثنتا عشْرة ركعة في اليوم واللّيلة، روى مسلم عن أمّ المؤمنين أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ))، قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.

وفصّلت ذلك في رواية التّرمذي وغيره فقالت: (( أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الغَدَاةِ )) [صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله].

بُنِي له بيت في الجنّة، أعظم نعمة وأفضل منّة، إذ الذي يُبْنَى له بيت: هو النّازل الكريم، في بيت مقيم، وتأمّل كلمة: ( لَهُ ) التي تفيد أنّه مختصّ به مكتوب باسمه.

وروى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ صَلاَةَ السَّحَرِ )).

وروى أحمد عن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قال: أَدْمَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الرَّكَعَاتُ الَّتِي أَرَاكَ قَدْ أَدْمَنْتَهَا ؟ قَالَ: (( إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَلَا تُرْتَجُ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا خَيْرٌ )).

وهذه الصّلوات تعتبر حصنا حصينا، وسدّا متينا للفرائض، فلا يمكن أن تجد المرء يحافظ عليها ثمّ يتهاون في أداء الفرائض، كما أنّ الذي يتهاون بها معرّض للتّهاون بالفرائض، لذلك لا يزال العلماء يؤكّدون على استحبابها.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّن واظب على ترك السّنن الرّواتب ؟ فقال:" إنّ ذلك يدلّ على قلّة دينه، وتردّ شهادته "[1].

وبمثل ذلك قال الإمام النّووي رحمه الله.[2]

فالله نسأل أن يرزقنا قلبا نابضا بذكره وعبادته، وجسدا هيّنا ليّنا لطاعته، إنّه وليّ ذلك ومولاه.



[1] " مجموع الفتاوى " (22/127).

[2] " نضح الكلام في نصح الإمام " (ص 36).

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:36

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.