أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- موقف الشّيخ ابن بايس من دعوة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمهما الله

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5].

والمريج هو المختلط، ومنه قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرّحمن: 19].

وسبب الخلط والتخبّط هو ردُّ الحقّ ودفعُه: اتّباعا للشّبهات، أو الرّكض خلف الشّهوات، أو تعصّبا لشيخ أو جماعة أو مشرب، أو بغضا لشخص أو طائفة أو مذهب.

قال ابن القيّم رحمه الله:

" ... فإنّ من ردّ الحقّ مرج عليه أمرُه، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصّواب، فلم يدرِ أين يذهب " ["أعلام الموقّعين" (2/173)].

- قبساتٌ من حياة الشّيخين ابن باديس والإبراهيمي رحمهما الله-

محاضرة أُلقِيت يوم الثّلاثاء 12 جمادى الآخرة 1434 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2013 م

بمسجد " الإصلاح " ببلديّة الأربعاء.

الحمد لله القائل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:

23]، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك كلّه وله الحمد وحده، جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالِّ تائهِ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على النّاس ! وما أقبح أثر النّاس عليهم !

وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، القائل: (( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ))، صلّى الله عليه وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّيبين، وعلى كلّ من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فحديثنا اليوم إنّما هو قبسات - كما هو في عنوان المحاضرة - من حياة رجلين عظيمين من رجال هذه الأمّة. والقبس هو ما يُؤخذ من النّار، كما قال تعالى عن نبيّه موسى عليه السّلام:{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه من: 10]، فإنّنا لا يمكننا أن نُحيطَ بأنوار حياة هذين الشّيخين، فلْنقتَصِر على أخذ قبسات تكون لنا نبراسا يُضيء لنا السّبيل.

-" الفـاضي يعمل قاضـي "

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فأستفتح هذه المقالة، بكلمة الشّيخ مبارك الميلي رحمه الله وهو يُعاني في زمانه من المثبّطين، ويتألّم من مواقف بعض المرجفين، الّذين لا يحملون شيئا إلاّ لواء تتبّع العثرات، وإذاعة الزلاّت والسّقطات.

قال رحمه الله:

" وقد تعدّدت وسائل الإرشاد في هذا العصر، وسهُلت طرقه، فلماذا لا ننهض مع تعدّد الحوافز وتكرّر المخازي ؟

وإذا نهض أحدنا فلماذا لا نعاضِدُه ؟

وإذا لم نُعاضِدْه فلماذا نُعارضه ؟

وإذا عارضناه فلماذا نعارضه بالبهتان ؟

وإذا عارضناه بالبهتان لحاجة، فلماذا يُعارضه من لا ناقة له ولا جمل في المعارضة والبهتان ؟"اهـ

- لماذا الحديث عن الثّبات ؟

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أعظم نعمة يمنّ بها المولى عزّ وجلّ على عباده هي نعمة الهداية إلى الإسلام، ثمّ الاستقامة عليه مدى الأيّام؛ لذلك كان الحديث عن الثّبات حديثاً عن عنوان السّعادة الأبديّة، والفوز برضا ربّ البريّة سبحانه.

وجوابا عن هذا السّؤال الكبير: لماذا الحديث عن الثّبات ؟ فإنّي أقول: إنّ ذلك لأسباب ثلاثة:

السّبب الأوّل: كثرة الانتكاسة ..

- توقـيـر العـلـمـــاء من توقـيـر الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى كلّ من اقتفى أثره واتّبع هداه، أمّا بعد:

فإنّ الله تعالى قد أولى العلم منزلة تفوق كلّ المنازل، ومرتبة تعلو على كلّ المراتب، وخصّ أهله بالانتقاء والاصطفاء، ورفع ذكرَهم في الأرض والسّماء، وإنّي على يقين تامّ أنّه ما من مسلم ولا مسلمة إلاّ وهو يقرّ بكلّ ذلك، لا ينكره ولا يجحده إلاّ زائغ هالك ..

ولكنّ هذه الكلمات إنّما هي من أجل الغفلة الّتي سكنت كثيرا من القلوب، ولا عاصم منها إلاّ علاّم الغيوب ..

هذه الكلمات ما هي إلاّ تذكرة للغافل، وتثبيتا للمجدّ العاقل، وقطعا لحجّة كلّ متكاسل ..

فالمفرّط في العلم وأهله صنفان:

Previous
التالي

الخميس 23 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 27 جانفي 2011 19:00

- تعظيم قدر الصّلاة (3) الصّلاة سبب لتأييد الملائكة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء].

فلا نزال نتحدّث سويّا عن تعظيم قدر الصّلاة في الإسلام، وعِظمِ منزلتها لدى ربّ الأنام عزّ وجلّ.

ولقد تحدّثنا فيما مضى عن حكمها وتعظيم قدرها، ثمّ تحدّثنا عن ثمراتها ونفحاتها، فرأينا أنّ أعظم ثمرات الصّلاة: تحقيق العبوديّة لربّ الأرض والسّماوات.

وأنّها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وأنّها نور ي جعله الله تعالى للعبد يفرّق به بين الحقّ والباطل، وبين الحابل والنّابل.

واليوم إن شاء الله، نواصل في ذكر تلك الثّمرات اليانعة، وفوائد الصّلاة النّافعة، ليكون موضوع خطبتنا:

الصّلاة سبب لتأييد الملائكة، وتحقيق نصر الله عزّ وجلّ.

تأييد الملائكة .. وما أدراك ما الملائكة ؟

إنّها تلكم الخليقة الخيِّرة النّيّرة الّتي خلقها الله تبارك وتعالى، وطبعَها على الخير ..

تلك الخليقة الّتي أثنى عليها ربّ العزّة ومدحها، وأكرمها وعظّمها، فسمّاهم بالسّفرة، والكرام البررة، وأنّهم {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء].

تلك الخليقة الّتي من حظي بصُحبتهم فقد حَظي بشيء عظيم، وخير جسيم ..

تلك الخليقة الّتي إذا صحِبت المؤمنين ثبّتوهم ونصروهم، قال الله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال].

تلك الملائكة الّتي تحرص على الدّعاء للمؤمنين بالخير، ويستغفرون لهم عند ربّهم عزّ وجلّ، قال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر].

تلك الملائكة الّذين إذا نزلوا بأرضٍ نزل معهم الأمنُ والسّلام، قال الله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [الفجر].

تلك الملائكة الّذين إذا صحِبوا المؤمنين في الدُّنيا صحِبوهم في الآخرة، قال الله تعالى:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرّعد].

هؤلاء الملائكة، مِن أحْظَى النّاس بصُحبتهم، ومجالستهم ورفقتهم: هم " المصلُّون " .. فالّذي يسجد لله ويركع قد آثره الله على غيره من أصحاب الأعمال الصّالحات، حتّى جعل الملائكة مصاحبةً له.

ويظهر لنا ذلك من وجوه، منها:

· أوّلا: تأمّل قوله تعالى في شأن زكريّا عليه السّلام:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} [آل عمران]. أوليس لنبيّ الله زكريّا عليه السّلام عمل آخر سوى الصّلاة ؟ لماذا لم تأته الملائكة وهو يدعو إلى الله، وهو يتصدّق، وهو يعمل سائر أعمال البرّ ؟

الجواب: أنّ أشرف الأعمال عند الله الصّـلاة.

· ثانيا: اعلم أنّ نوعا من الملائكة جعلهم الله شهداء على عباده .. فإنّ ثمّة طائفة منهم تنزل على المصلّين في صلاة الفجر، فتكون معهم وتشهد قراءتهم، قال عزّ وجلّ:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء].

بل زيادةً على ذلك فإنّ الملائكة لتحضُر صلاة الفجر والعصر فتشهدُ لأهلها بالخير، حتّى قال صلّى الله عليه وسلّم- كما في الصّحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ -: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )).

إنّ هذه الحديث لمنقبة عظيمة لأهل الصّلاة، ذلك لأنّ السّؤال من الله لم يقعْ إلاّ على الصّلاة، وجواب الملائكة لم يكن إلاّ عن الصّلاة، كانوا يحضُرون صلاة الفجر والعصر ليُبلِّغوا أعمال العباد إلى الله، وما هي أعمال العباد ؟

أليس للعباد أعمال سوى الصّلاة ؟ أليس لهم من الصّالحات سوى الصّلاة ؟

لكنّ الصّلاة هي رأس الأعمال، وحضور المؤمنين لصلاة الفجر والعصر يشفع لهم سائر أعمالهم، فكأنّ أعمالهم الأخرى تابعة للصّلاة .. بل إنّه ليس هناك ذكر للأعمال السيّئة، لأنّ الصّلاة تشفع لأهلها.

· ثالثا: تأمّل هذين الحديثين:

روى النّسائيّ بسند صحيح عن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ )). فتأمّل أنّهم يبحثُون عن المؤمنين الّذين يسلّمون على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ..

وفي " معجم الطّبراني " بسند حسن عن عمّارِ بنِ ياسرٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ للهِ تَعَالَى مَلَكاً أَعْطَاهُ سَمْعَ العِبَادِ، فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلاَّ أَبْلَغَنِيهَا )).

فتأمّل هذين الحديثين تجد الملائكة يبحثُون عن الّذين يسلّمون ويُصلّون على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يبلّغونه سلامهم وصلاتهم، لأنّه لا يسمعُنا وهو في قبره صلّى الله عليه وسلّم.

فسبحان الله العظيم ! أليس المصلّي هو الّذي يقول في تشهّده: (( السّلامُ عليْكَ أيُّها النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ )) ؟!

أليس المصلّي هو الّذي يقول في تشهّده: (( اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ... )) ؟!

فبُشراكم إذن أيّها المصلّون .. فأنتم الّذين تسيح الملائكة تبحث عن صلاتكم وتسليمكم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لِيُبلّغُوه ..

بشراكم بصُحبة هؤلاء الملائكة..

· رابعا: اعلموا أنّه بقدر ما تصلّون على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتُسلِّمون، بقدر ما تصحبكم الملائكة الأبرار، فهذه منقبة عظيمة، وفضيلة جليلة، ليست إلاّ لأهل الصّلاة، ومن كان أمثالهم من الذّاكرين اللهَ كثيرا والذّاكرات.

روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَاداً، وَهُمْ أَوْتَادُهَا: المَلاَئِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ، إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُوهُمْ- سَأَلُوا عَنْهُمْوَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ )).

إنّها بشرى الله تعالى للمؤمنين، وأيّ المؤمنين ؟ إنّهم المصلُّون خاصّة.

يسخّر الله لهم ملائكةً يجالسونهم، لماذا ؟ لأنّهم يجلسون في بيوت الله يذكرونه ويسبّحونه.

واعلموا أنّ المقصود من المساجد يشمل أيضا المصلّى الّذي تُصلِّي فيه المؤمنة في بيتها، ذلك لأنّ المسجد هو المكان المخصّص للصّلاة فيه، فتعُمّ البشرى الرّجال والنّساء بفضل الله وكرمه.

الخطبة الثّانية:

الحمد لله حمدا كما أمر، الّذي وعد المزيد لمن شكر، وأوعد بالعذاب من تولّى وكفر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أفضل الخلق وسيد البشر صلّى الله عليه وسلّم، اللهمّ صلّ عليه وسلّم ما اتّصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدّين، أمّا بعد ..

فإذا تبيّن لنا أيّها المؤمنون صِلة الملائكة بأهل الصّلاة، فاعلموا أنّهم إن صحبوهم كانوا لهم مؤيّدين وناصرين، وجعلهم الله لهم مدافعين؛ قال الله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}.

هؤلاء المعقِّبات هم الملائكة الكرام الحفظة، يحفظونه من الأذى، ويحفظونه من الضّرر، حتّى يأتي أمر الله، وهو الموت، قال تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام].

هؤلاء الملائكة ينصرون المصلّين خاصّة، وإليك أدلّة وأمثلة لذلك.

- روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال أبو جهلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟

قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ.

قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ.

قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ !

فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا، وَأَجْنِحَةً !

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا )).

قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} قال: يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ. {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} قال: يَعْنِي: قَوْمَهُ. {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ}.

عباد الله .. ما هذا الهول والنّار والأجنحة ؟

إنّه دفاع الله تعالى عن عباده المصلّين .. الله الّذي قال وهو أصدق القائلين:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشّعراء].. وكأنّه لا يراك إلاّ إذا كنت قائما في صلاتك، متقلبا في سجودك لربّك ..

وهذه الرّؤية رؤية تأييد من الله تعالى لعبده القائم السّاجد .. يسخّر له هولا ونارا وملائكة تدفع عنه الأذى .. ( لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ) .. لأنّه أراد أن يمُدّ يده إلى مصلٍّ لله عزّ وجلّ.

عباد الله .. ما بال أيدي الكافرين تمتدّ إلينا ؟

ما بال أقدامهم ووطأتهم تشتدّ في كلّ يوم علينا ؟

لعلّنا لم نحقّق بعد:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} ..

لو كانت الأمّة قد حقّقت هذا الشّرط لأذن الله في نزول الملائكة تدفع عنها البلاء، وترفع عنها الضرّاء.

ولكنّنا أُصِبْنَا بداء بني إسرائيل والعياذ بالله إذ قيل فيهم:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} أي: اعلموا أنّ الله ناصرُكُم بصلاتكم، وباستغفاركم {وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي: حُطّ عنّا خطايانا، كما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم دخل مكّة، فإنّ الله خاطبه قائلا:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}، فصلّى ذلك اليومَ صلاة الضّحى ثماني ركعات.

{نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)} .. ولكنّهم استبعدوا كما يستبعِد اليومَ أكثرنا أنّ الصّلاة من أسباب النّصر، فماذا فعلوا ؟ {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} .. دخلوا وهم يزحفون على أستاههم، يستهزئون بالصّلاة.

فلمّا شابهناهم في التّفكير والتّقصير، شبّهناهم في سوء المصير ..{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}..

- ومن عجيب ما يُحكَى، ما ذكره ابن عساكر رحمه الله في " تاريخه ":

أنّ رجلا كان يحمل النّاس على دوابّه على أجرة يتقاضاها منهم، فحمل رجلا ذات يوم، حتّى إذا بلغ به مكانا خاليا بواد من الوديان، قال: الآن أقتلك ! فلم يزل الرّجل الصّالح به يطلب منه أن يُخلّي سبيله، والرّجل يقول: لا.. لا بدّ من قتلك.

فقال الصّالح: أتأذن لي بأن أصلّي ركعتين ؟ فأذن له وقال: تعجّل..

قال: فكبّرت، ولمّا أردت أن أقرأ القرآن ذهب عنّي كلّ ما أحفظه، إلاّ آية من القرآن الكريم، قوله تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء} [النمل: من الآية62]، فعاجلني الرّجل، فلمّا سلّمت رأيت سهما قد اجتاز نحره، وخرّ ميتا، فالتفتّ لأنظر من فعل به ذلك، فرأيت رجلا شديد البياض، فقلت: من أنت يرحمك الله ؟! فقال: أنا رسول من يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء..

وما يزيدك يقينا على ما ذكرناه:

- قوله تعالى:{وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ}.

- وما رواه النّسائي وغيره عن سعدٍ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا: بِدَعْوتِهِمْ، وَصَلاَتِهِمْ، وَإِخْلاَصِهِمْ )).

- ما رواه الإمام أحمد عن صهيب رضي الله عنه قال: ( كَانُوا إِذَا فَزِعُوا فَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ ).

- وروى أحمد وأبو داود عن حذيفةَ رضي الله عنه قال: ( كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى ).

- قصّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر: فقد روى أحمد عن عليٍّ رضي الله عنه قال: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ.

كلّ ذلك عملا بقوله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]..

- ولذلك شرعت صلاة الخسوف والكسوف، وصلاة الاستخارة، وصلاة الاستسقاء.

- وفي قصّة سارة وإبراهيم عليه السّلام خير دليل على ذلك:

فقد روى البخاري عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السّلام بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ ! فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ: يَا إِبْرَاهِيمُ ! مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ ؟

قَالَ: أُخْتِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا: فَقَالَ: لَا تُكَذِّبِي حَدِيثِي، فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ.

فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْه،ِ فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتْ:

( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ !

فَغُطَّ[1] حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ، قَالَتْ:

( اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ ) فَأُرْسِلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي وَتَقُولُ:

( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ !

فَغُطَّ، حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ، فَقَالَتْ:

( اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ ) فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ:

( وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ! وَأَعْطُوهَا آجَرَ ) فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السّلام فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ[2] الْكَافِرَ ؟ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً ؟.)).

بل إنّها عندما رجعت إلى إبراهيم عليه السّلام قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما في الحديث نفسه: (( فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السّلام يُصَلِّي ))..

فالصّلاة عباد الله، من أسباب النّصر والتّمكين، ورفع البلاء عن المؤمنين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



[1] (غطّ): انقطع نفسه وضاق.

[2] (كبت) أي: أخزاه، وقيل: أحزنه، وقيل: صرعه، وقيل أذلّه، وقال: إنّها متقاربة، وقيل: أصل كبت كبد أي بلغ الهم كبده فأبدلت الدال مثناة.

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:27

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.