الحمد لله، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبِه ومن والاهُ، أمّا بعدُ، وعليكم السّلامُ ورحمةُ الله وبركاته.
أوّلا: أمّا الحديثُ فقد أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/454)، والبيهقيُّ في «شُعبِ الإيمان» (6/42)، والطّبرانيّ في «المعجم الأوسط» (7/103) و(8/148)، وصحّحه الحاكم، والذّهبيّ، وقال الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (4/7): «رجاله رجال الصّحيح»، وصحّحه الشّيخ الألبانيّ في «صحيح التّرغيب والتّرهيب» (2/1179).
ثانياً: بعضُ الأحاديثِ فيها أنّ الصّلاةَ تضاعفُ بالمسجد الأقصى بخمسِين، وأخرى بألفٍ، ولا يصحُّ منها شيءٌ.
وفي هذا الحديثِ أنّ الصّلاةَ بِه تضاعفُ بمائتين وخمسين صلاةً.
وعامّةُ العلماءِ على أنّها تضاعَفُ بخمسِمئةِ صلاةٍ، اعتماداً على ما رواه الطّبرانيّ والبزّارُ بإسنادٍ جيّدٍ عن أبي الدّرداء ﭬ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( ... وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ )، ومثله جاءَ عن جابرٍ ﭬ.
فكان للعلماء موقفان:
- منهم من ضعّف حديث أبي ذرٍّ، ولعلّه من أجل ذلك قال المنذريّ $: «رواه البيهقي بإسناد لا بأس به وفي متنِه غرابةٌ».
وقال ابن تيمية $ - كما في «مجموع الفتاوى» (27/6) -: «وأمّا في المسجد الأقصى: فقد رُوِي أنّها بخمسين صلاة، وقيل بخمسمائة صلاة، وهو أشبه».
والصّواب – إن شاء الله – أنّه لا تعارضَ في أحاديثِ الفضائلِ؛ لأنّ فضلَ اللهِ على عبادِه يزدادُ ولا ينقُصُ، فيؤخذُ بالزّائدِ في الفضائلِ.
ونظيرُه الأحاديثُ الّتي تثبتُ أجرَ صلاةِ الجماعة خمساً وعشرين، وأخرى سبعاً وعشرين.
ثالثا: هذا الحديثُ من أعلام نبوّته ﷺ، حيثُ أخبر عمّا سيقع جرّاءَ ضعفِ المسلمين، وذهابِ شوكتِهم، وزوالِ هيبتِهم.
ويبلُغ ضعفُهم هذا إلى حدِّ أن يُصبحَ مجرّدُ النّظرِ إلى بيتِ المقدس - وإن لم يدخله ويصلّي فيه - خيراً له من الدّنيا وما فيها ! وقد حصل.
فقال ﷺ: ( وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقِيدُ سَوْطِ - أَوْ قَالَ: قَوْسِ- الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ المَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا ).
وفي روايةٍ: ( وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً ).
والشّطَنُ: هو الحبل.
والمقصود: أنّ الرّجلَ يتمنّى يومئذٍ أن يكونَ له بيتٌ بمقدار سوطٍ أوْ قوسٍ أوْ شطنِ الفرسِ، يُطِلّ منه على بيت المقدس، فيكونَ لهُ خيراً من الدّنيا وما فيها.
ومثلُه ما يروَى عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ ﭬ أنّه قالَ لصعْصَعَةَ بنِ صُوحانَ:
«نِعْمَ الْمَسْكَنُ يَوْمَئِذٍ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: يَا لَيْتَنِي تِبْنَةٌ فِي لَبِنَةٍ فِي سُورِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» [1].
فهذا الحُلم والتمنِّي، علامةٌ على ضعفِ المسلمين، وتفريطِهم في جنب الله.
فسُلِبوا: الصّلاة فيه، والاعتكاف فيه.
بلْ سُلِبوا مع ذلك كلِّه: هذا الشّعورَ الّذي يشير إليه النّبِيُّ ﷺ في حديثِه! فالله المستعان.
والله تعالى أعلم.