قَالَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَتَا: وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ )).
[رواه أحمد، وأبو يعلى، وإسناده حسن، رواه عن صالح مولى التّوأمة ابنُ أبي ذئب، وقد سمع منه قبل اختلاطه].
1168-وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ:
(( هِيَ هَذِهِ الحَجَّةُ، ثُمَّ الجُلُوسُ عَلَى ظُهُورِ الحَصْرِ فِي البُيُوتِ )).
[رواه الطّبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، ورواته ثقات].
1169-ورواه الطّبراني في "الأوسط" عن ابن عمر رضي الله عنه:
" أنّ النّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَاَّ حَجَّ بِنِسَائِهِ، قَالَ:
(( إنَّمَا هِيَ هَذِهِ، ثُمَّ عَلَيْكُمْ بِظُهُورِ الحُصْرِ )).
1170-عَنْ ابْنٍ لِأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
(( هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ )).
[رواه أبو داود، ولم يُسمِّ ابنَ أبي واقد].
· شـرح الأحـاديـث:
- قوله: ( هذه ): أي: هذه الحجّة هي حجّتكنّ الواجبة عليكنّ، فاكتَفِينَ بها. بدليل الرّواية الأخرى: ( إنّما هي هذه الحجّة ).
- قوله: ( ثمّ ظُهُورَ الحُصْر ): الحُصر: جمع حصير. و( ظهور الحُصر ): هو وجه الحصير الّذي يُجلَس عليه. وفي رواية أمّ سلمة رضي الله عنها: (( ثُمَّ الجُلُوسُ عَلَى ظُهُورِ الحَصْرِ فِي البُيُوتِ )).
وهذا كناية عن القرار في البيوت، كما يقال: عليك بحِلْسِ بيتك، أي: عرصته.
قال ابن الأثير رحمه الله:" أي إنّكنّ لا تعُدن تخرجن، وتلزمن الحُصُرَ، هي جمع الحصير، الّتي تبسط البيوت بضمّ الصّاد وتسكّن تخفيفا ".
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في " تفسيره ":" يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت ".
· فقه هذه الأحـاديث:
1-هذا الحديث فيه ترغيب شديد للمرأة أن تلزم بيتها، وأنّ النّصوص المرغّبة في الحجّ كلَّ عامٍ، يُستثنى منها النّساء.
قال الشّيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى معلّقاً على هذا الحديث في " عمدة التّفسير " (3/11):
" فإذا كان هذا في النّهي عن الحجّ بعد حجّة الفريضة - على أنّ الحجّ من أعلى القربات عند الله -، فما بالك بما يصنع النّساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقّل في البلاد ؟! حتّى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر ! وحدهنّ دون محرم! أو مع زوج أو محرم كأنّه لا وجود له ! فأين الرّجال ؟! أين الرّجال ؟! " اهـ
2-أمرُه صلّى الله عليه وسلّم بالاكتفاء بحجّة الفريضة ليس للوجوب، وإنّما هو للاستحباب، بدليل أنّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حججن بعد ذلك، وما كان أمّهات المؤمنين يعصِِين أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
ثمّ إنّ بعض العلماء – كالحافظ ابن كثير رحمه الله – يرى أنّ هذا الأمر يصرفه عن الوجوب الحديثُ الثّاني الّذي مرّ معنا، وهو قوله تعالى في الحديث القدسيّ: (( إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ )). فالمرأة تدخل في الخطاب.
وقد كان عمر رضي الله عنه يمنعهنّ من الحجّ والعمرة، عملا بالحديث، حتّى استأذنّه في الحجّ، فأذن لهنّ.
روى البخاري عَنْ إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: أَذِنَ عُمَرُ رضي الله عنه لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنهما.
وقد خرج نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّهنّ حاجّاتٍ، إلاّ زينبَ بنتَ جحش وسودةَ بنت زمعة.
أمّا زينب رضي الله عنها فكانت قد ماتت، وهي أوّل نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم موتا بعده، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا )) قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ.
وأمّا سودة بنت زمعة رضي الله عنها، فكانت تقول:" وَاللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ".
والله أعلم.