قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
(( فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ )).
[رواه أبو داود].
شرح الحديث:
- قوله: ( أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ): هذا الذّكر فيه الاستعاذة بالله بذاته سبحانه وتعالى، وبصفة من صفات ذاته الخبريّة - وهي وجهه الكريم -، وبصفة من صفات ذاته العقليّة - وهي سلطانه -.
وكثيرا ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستعيذ بصفات الله، كما يسأله بها؛ فإنّ الاستعاذة سؤال.
ففي الصّحيحين عنْ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه أنَّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كانَ يقُولُ: (( أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ )).
وفي سنن ابن ماجه - وأصل الحديث في صحيح مسلم - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( اجْعَلْ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَيْهِ - أي الموضع الّذي آلمه - وَقُلْ:" بِسْمِ اللَّهِ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ " سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ ذَلِكَ فَشَفَانِيَ اللَّهُ.
وغير ذلك من الأحاديث.
- قوله: ( وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ ): فيه تخصيص للنّهي عن السّؤال بوجه الله، وأنّ ذلك خاصّ بسؤال الخلق، وهو محرّم؛ فقد روى الطّبرانيّ عنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أنّهُ سَمِعَ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ، مَا لَمْ يُسْأَلْ هُجْرًا )).
وروى أيضا عن أبي عبيدة مولى رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ )).
لأنّ وجه الله أعظم من أن يُسأل به متاع الدّنيا، أمّا أن يسأل العبد ربّه بوجهه فجائز لهذا الحديث.
قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (6/4):
" قال الحافظ العراقي: لعنةُ فاعلِ ذلك لا يناقضُها ما مرّ من استعاذة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بوجه الله ... فالنّهي إنّما هو عن سؤال المخلوقين به ...".
- ( وَسُلْطَانِهِ ): أي: ملكه التّابع لغلبته، وقدرته، وقهره على ما أراد من خلقه.
- ( القَدِيمِ ): أي: الأَزَلِيّ الأبديّ.
- قوله: ( أَقَطْ ): قال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله:" الألف[1] في هذه اللّفظة ألف الاستفهام، و( قَطْ ) بفتح القاف وكسر الطّاء المخفّفة في الوصل بمعنى حسب، والمعنى أنّ الرّاوي - وهو حَيْوَة - قال له شيخُه عقبة: هذا الّذي بلغك عنّي أنّي حدّثت عن عبد الله بن عمرو فقط ؟ فقال له حيوة: نعم. كذا في "العجالة " (ق 155/2)".
- وراوي الحديث حيوة بن شريح لم يحدّثوه عن فضل وأجر هذا الذّكر، فلذلك سأله عقبة بن مسلم، وأخبره أنّ الشّيطان عندئذ يقول:
- ( حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ ) قال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله:" الأصل " سائرَ ذلكَ اليوْمِ "، بزيادة " ذلك "، والتّصحيح من " أبي داود "، ويظهر أنّه خطأ قديم، فقد قال النّاجي:" إنّ هذه اللّفظة مقحمة فيتعيّن حذفها ..." ".
فصار لهذه الذّكر حكمُ الشّهب من السّماء يُقذف بها الشّيطان، كما قال تعالى:{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافّات: 7].
تنبيه: لم يذكر المصنّف رحمه الله الذّكر المشهور عند دخول المسجد وفيه سؤال الله من فضله؛ لأنّه ليس من شرط الكتاب، وليس فيه ذكرٌ للثّواب.