الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أمّا الجواب عن السّؤال الأوّل:
فالأصل في موادّ التّّجميل الإباحة، وما زال النّساء من لدن عصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستعمِلْن أمورا للتّجميل، كالكُحل، والنّبات الّذي يحمّر الشّفاه، والحمرة الّتي توضع على الخدّين، ونحو ذلك.
واليوم تطوّرت هذه الأدوات، ولا يضرّ تطوّر الوسائل.
هذا هو الأصل، ولكن إذا اشتملت هذه الوسائل على معصيةٍ لله تبارك وتعالى، فحينها تكون محرّمة. من ذلك:
1- أن تكون هذه الموادّ مستَحْضرة من مادّة نجسة أو محرّمة:
كتلك الّتي تُصنع من شحم الخنزير، أو من بقايا أشلاء الحيوان، وهذا النّوع مشتهِر في دول الكفر، بل إنّهم يعدّونه أحسن موادّ الزّينة.
لذلك ينبغي للمرأة المسلمة أن تجتنب شراءَ كلّ ما وقعت عليه عينها، وأن تتثبّت من مصدر الشّراء.
2- ألاّ تبالغ في استعمال هذه الموادّ فتتشبّه بالكافرات، والفاجرات:
كبعض النّسوة اللاّء يضعن الأخضر، أو البنفسجيّ على أعينهنّ ! فلا بليق بالمتديّنة أن تتشبّه بمن لا خلاق له. وإنّما يحسن بها أن تضع المعروف لدى المسلمين.
ويلحق بذلك: من تجعل شعر رأسِها ليلةَ زفافها ناطحا للسّحاب ! فحينها تكون قد تشبّهت بأسنمة البخت المائلة.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا - فذكر -: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )).
( الأسنِمة ): جمع سنام، وهو ما نتأ من ظهر البعير.
( البُخت ): جمالٌ طوالُ الأَعْناق.
3- ألاّ تبالغ في استعمال موادّ التّجميل.
لأنّه يضرّ بالبشرة، وإنّ الّتي تُكثِر منه تتجعّد بشرتها مع الأيّام، ويتشوّه منظرها، فتكون معاقبَةً بنقيض قصدها. وفي الحديث الحسن: ((لاَ ضَرَرَ، ولاَ ضِرَارَ )).
4- أن تجتنب ( المناكير ) Le vernis à ongles ونحوه:
لأنّه يمنع وصول الماء إلى الأظافر، إلاّ أن تنزعه قبل الوضوء.
[ثمّ إنّه من الجدير بالتّنبيه عليه: أنّ المرأة كالرّجل، لا يحلّ لها أن تترك أظافرها تطول إلى حدّ يثير الانتباه، فمن سنن الفطرة قلم الأظافر].
5- أن تجتنب صبغ الشّعر بالسّواد.
لما رواه مسلم، وأحمد، وابن ماجه عن جابرٍ رضي الله عنه قال: جِيءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَكَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَلْتُغَيِّرْهُ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ )).
وروى أبو داود عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (( يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ )).
6- أن تجتنب استعمال les mèches :
ذلك لما فيه من التشبّه بالكافرات والفاسقات، وعليه فتوى أهل العلم في زماننا، فما على المرأة إلاّ أن تصبغ شعرها كلّه، أو تتركه على حاله.
أمّا الجواب عن السؤال الثّاني:
فإنّ والوصل والنّمص من الكبائر؛ لورود اللّعنة على من فعلت ذلك، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها:
- ما رواه البخاري ومسلم عن أسماءَ رضي الله عنها أنّ امرأةً سألتْ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ ؟ فَقَالَ: (( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ ))
وفي رواية: قالت أسماء: ( لَعَنَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ )).
- ورويا أيضا عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ )).
- ورويا كذلك عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال: ( لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ ).
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ ؟! فَقَالَ: وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَفِي كِتَابِ اللهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
- وروى أبو داود عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: ( لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ ).
و( الواصلة ): الّتي تصل الشّعر بشعر النّساء.
و( المستوصلة ): المعمول بها ذلك.
و( النّامصة ): الّتي تنقش الحاجب حتى ترقّه.
( المتنمّصة ): المعمول بها ذلك.
( والواشمة ): الّتي تغرز اليد أو الوجه بالإبر، ثمّ تحشي ذلك المكان بكحل أو مداد.
( والمستوشمة ): المعمول بها ذلك.
( المتفلّجة ): هي الّتي تفلج أسنانها بالمبرد ونحوِه للتّحسين.
وهناك ما يُسمّى بـ( الوشر )، ويقال له أيضا: الأشر: وهو تحديد الأسنان وترقيقها.
يقال: وشَرَ الرّجل أسنانه وشرا أي: حدّدها ورقّقها، واستوشر أي: طلب الوشر. ويقال تأشير: أي ترقيق. وغالبا ما يفعله الكبار تشبّها بالشّباب.
والدّليل على تحريمه ما رواه النّسائيّ عن أبي رَيْحَانَةَ رضي الله عنه قال: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ( نَهَى عَنْ الْوَشْرِ وَالْوَشْمِ ).
والعلّة في تحريم هذه الأنواع من الزّينة أمران:
الأوّل: نصّ عليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: ( المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ ).
الثّاني: أنّه غشّ وزور، قال الخطّابي رحمه الله في "معالم السّنن":
" إنّما ورد الوعيد الشّديد في هذه الأشياء؛ لما فيها من الغشّ والخِداع، ولو رُخِّص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغشّ، ولما فيها من تغيير الخِلقة "اهـ.
ويؤيّد العلّة الثّانية رواية مسلم عن سعيدِ بنِ المسَيَّبِ رحمه الله أنّ معاويَةَ رضي الله عنه قال ذات يومٍ: " إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيَّ سَوْءٍ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم نَهَى عَنْ الزُّورِ.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم.