ومجمل ما ذكروه: أنّ الواو في هذه الآية يمكن أن تكون:
1- التوّجيه الأوّل: أنّها زائدة، وأنّ تركها وذكرها سواء، ويمكن أن نقرّب ذلك بأن نقول: لا فرق بين أن تقول: محمّد فقيه كاتب شاعر، وأن تقول: فقيه وكاتب وشاعر.
[انظر:" معاني القرآن وإعرابه " للزجّاج (3 / 277)، و" إعراب القرآن " للنحاس (2/452-453)، و" تفسير البغويّ " (5/161)].
وعليه فإنّ قوله تعالى:{ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } يكون من كلام أهل الكتاب الّذين تساءلوا عن عدّتهم.
2- التّوجيه الثّاني: أنّ الواو للاستئناف، أو عطف الجمل.
ففي الكلام تقريرٌ لكونهم سبعة، وكأنّه لما قيل: سبعة، قيل: نعم، وثامنهم كلبهم، واتصلت الجملتان.
[انظر المراجع السّابق ذكرها، و" شرح سيرة ابن هشام " للسّهيلي (3/17)، و" البحر المحيط " لأبي حيّان (2/112)، و" مغني اللّبيب " لابن هشام (474)].
وعليه فإنّ قوله تعالى:{ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } هو من كلامه سبحانه.
والرّاجح من هذين التّوجيهين هو الثّاني، لأمور:
1- لأنّ دعوى الزّيادة خلاف الأصل، وقد سبق تقريره في توجيه آية الزّمر.
2- أنّ هذا الأسلوب له نظائر كثيرة في القرآن والسنّة وكلام العرب، وهو أن يُؤتَى بالواو الاستئنافيّة لتصديق الكلام وتحقيقه.
وقد نظّر السّهيليّ وابن هشام وغيرهما لذلك بقوله تعالى:{ إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [النّمل: 34]، فإنّ قوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ليس من كلام بلقيس، وإنّما هو من تصديق الله تعالى لها.
ونظيره أيضا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السّلام:{ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [البقرة: من الآية 126]، فإنّ قوله:{ وَمَنْ كَفَرَ } من كلامه تعالى وليس من كلام إبراهيم عليه السّلام.
3- أنّ ابن جرير الطّبريّ روى من طرق كثيرة في تفسير قوله تعالى:{ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه كان يقول: أنا من أولئك القليل الّذين استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
ولا شكّ أنّ تفسير الصّحابيّ مقدّم على قول غيره ممّن هو دونه.
الحاصل:
أنّ المتقدّمين ذكروا قولين في هذه الواو:
الأوّل: أنّها زائدة أي: زائدة في الإعراب.
الثّاني: أنّها عاطفة لتحقيق عدّة أهل الكهف.
ولم يذكروا ما يشير إلى أنّها واو الثمانية.
والقول بمجيئها لتقرير عدّة أصحاب الكهف أقرب، وأنّها أفادت أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم، ويؤيّد ذلك أنّ الله تعالى قال في المقالتين الأوليين:{ رَجْماً بِالغَيْبِ } ولم يجئ مثله في هذه المقالة، فدل على مخالفتها لهما فتكون صدقاً.
حتّى وإن ذهبنا إلى زيادة الواو، وأنّ الكلام متّصل بقول أهل الكتاب وليس من تقرير الله لهم، فإنّ ذلك يقضِي بصحّة المقولة، وأنّ عددهم سبعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فإنّه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعّف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدلّ على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا : { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ }، فإنّه ما يعلم بذلك إلاّ قليل من النّاس ممّن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال:{ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً }، أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنّهم لا يعلمون من ذلك إلاّ رجم الغيب " اهـ.
( يُتبع إن شاء الله )