الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
أمّا صلاة الحاجة فهناك نوعان منها:
- النّوع الأوّل: ما ليس مشروعا، بل هو من البدع المحدثات كما قال الشّقيري رحمه الله في " السّنن والمبتدعات " (ص 124).
ويستدلّون عليها بما رواه التّرمذي وابن ماجه والطّبراني عن عبد الله ابن أبي أوفى الأسلميّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضّأ، فليُحسن الوضوء، ثمّ ليصلِّ ركعتين، ثمّ ليُثْنِ على الله، وليصلّ على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ليقل: لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ، والسّلامة من كلّ إثم، لا تدع لي ذنبا إلاّ غفرته، ولا همّا إلاّ فرّجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلاّ قضيتها يا أرحم الرّاحمين )).
وقد ضعّفه التّرمذي رحمه الله من أجل أحد رواته، بل ذكره ابن الجوزي رحمه الله في " الموضوعات "، والسّيوطي رحمه الله في " اللّآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة "، وقال الشّيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف جدّا "، وحكم عيه في " المشكاة " بالوضع.
- النّوع الثّاني: صلاة مشروعة بشرط سيأتي بيانه بعد سرد دليلها.
فدليلها ما رواه التّرمذي وغيره[1] عن عثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه:
أَنَّ أَعْمَى أَتَى إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسُولَ اللهِ، اُدْعُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي.
قال: (( أَوْ أَدَعَكَ ؟)).
قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ ذَهَابُ بَصَرِي.
قال: (( فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَى رَبِّي بِكَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَشَفِّعْنِي فِيه )).
فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ اللهُ عَنْ بَصَرِهِ.
فغاية ما في هذا الحديث أنّ من كانت له حاجة، فإنّه يسنّ له أن يصلّي ركعتين يسأل الله تعالى فيها حاجته، وذلك من باب تقديم العمل الصّالح قبل الدّعاء، وهو أمر لا غبار عليه، بل هو من أجلّ القربات.
تنبيه مهمّ:
معنى قوله: ( أتوجّه إليك بنبيّي ) أي: بدعاء نبيّي، ويدلّ على هذا التّقدير: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يدعُو له. فهو شفع دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى دعائه، لذلك أمره أن يقول: ( اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي ).
وعليه، فإنّ هذا الدّعاء لا يشرع بعد موته صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد انتقل إلى الرّفيق الأعلى، ولا يمكنه الدّعاء لأحد.
وللدّاعي أن يقول: اللهمّ إنّي أسألك بحبّي لنبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ويقف عند هذا، ولا يزيد عليه.
وانظر كلام الشّيخ الألباني حول هذا الدّعاء في كتابه الجامع:" التوسّل أنواعه وأحكامه ".
هذا والله الموفّق لكلّ خير، إنّه سميع قريب مجيب.
[1] وقال: " حديث حسن صحيح غريب "، ورواه النّسائي وابن ماجه وابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم وقال: " صحيح على شرط البخاري ومسلم ". [انظر " صحيح التّرغيب والتّرهيب "، و" التوسّل: أنواعه وأحكامه "].