- الأوّل: الكعبة ذاتها
كما في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية144].
- الثّاني: المسجد حول الكعبة مع الكعبة.
ومنه قوله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} [التوبة: من الآية19].
- الثّالث: الحرم كلّه.
ومنه قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: من الآية1]، وهو إنّما أسري به من بيت أمّ هانئ، وقيل: من بئر زمزم.
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: من الآية28].
- الرّابع: مكّة كلّها.
ومنه قوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية196]، أي: هذا الحكم خاصّ بغير أهل مكّة، أمّا المكّي فلا يتمتّع.
ولمّا كان للمسجد الحرام كلّ هذه المعاني، فقد اختلف العلماء في المراد بالمسجد الحرام الّذي يضاعف فيه أجر الصّلاة على أقوال ثلاثة:
1) الأوّل: أنّه الحرم بحدوده المعروفة.
ذكره ابن كثير، والجصّاص في "أحكام القرآن" (1/72) عن ابن عبّاس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وعطاء.
وهو قول أكثر الأحناف كما في "حاشية ابن عابدين" (2/525)، واختاره ابن العربيّ من المالكيّة في "أحكام القرآن" (1/72و128)، وبعض الشّافعيّة كما في "إعلام السّاجد" (ص59)، وبعض الحنابلة كما في "الفروع" لابن مفلح، و"زاد المعاد" (2/128).
2) الثّاني: أنّ المراد به الكعبة وما حولها من المصلّى.
قال به الإمام الشّافعيّ رحمه الله كما في " الأمّ " (1/54-49)، و" المجموع شرح المهذّب" (19/247)و(7/397)، وبعض المالكيّة كما في "شفاء الغرام" للفاسي (1/82)، و" تفسير القرطبي " (2/4/139).
3) الثّالث: مكّة المكرّمة.
وقد قال به بعض الأحناف كما في " شرح فتح القدير " (3/93)، وبعض الشّافعيّة كما في " شرح المهذّب" (7/397)، و" إعلام السّاجد " (ص119).
وكلٌّ استدلّ بالمعنى الثّابت للمسجد الحرام في القرآن الكريم.
والصّواب – والله تعالى أعلم – أنّه المصلّى الّذي حول الكعبة مهما اتّسع، وذلك لأمور ثلاثة:
- أوّلا: لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )) فقابل مسجده بالمسجد، ولم يقصد بمسجده الحرم حتّى يُقصد بالمسجد الحرام الحرم كلّه.
- ثانيا: يؤيّده أنّه أوّل ما يتبادر إلى الذّهن، ولا يُصرف إلى غيره إلاّ بقرينة، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ ؟ قَالَ:
(( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ )) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟
قَالَ: (( ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى )).
- ثالثا: أنّ فضل الصّلاة في المسجد هو من الأحكام المتعلّقة بمواضع الصّلاة.
ولا شكّ أنّ من دخل الحرم لا يقال له: قد دخلت المسجد الحرام ! ولا يُلزم بالدّعاء، والدّخول باليمنى، وعدم رفع الصّوت، وعدم التغوّط فيه، وتحريم مباشرة النّساء فيه، وصونه عن البصاق، وتحريم زخرفته، وكراهة التّشبيك بين أصابعه فيه، وغير ذلك من الأحكام الخاصّة بالمساجد.
وتبقى منزلة الحرم وحدوده معلومة، وله أحكامه الخاصّة به الّتي تدلّ على تعظيمه، وتشريفه وتفخيمه.
والله أعلم.