الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فيجوز التّسليم من الجنازة بتسليمتين كما يُسلَّم من سائر الصّلوات، وهو مذهب الشّافعيّ وأبي حنيفة، ورواية عن أحمد رحمهم الله.[1]
كما يجوز التّسليم منها بتسليمة واحدة، وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد رحمهما الله؛ لما رواه الدّارقطنيّ والحاكم والبيهقيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَكَبَّرَ أَرْبَعاً، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ).
قال الحاكم رحمه الله:" وقد صحّت الرّواية فيه عن عليّ، وابن عمر، وابن عبّاس، وجابر، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي هريرة، أنّهم كانوا يسلّمون على الجنازة تسليمة واحدة ".
ويظنّ الكثيرون أنّ السنّة إنّما هي الاقتصار على التّسليمة الواحدة، بل الظّاهر أنّ هذا الظنّ قد شاع في القرون المفضّلة، حتّى كان ابن المبارك رحمه الله يقول:" من سلّم على الجنازة بتسليمتين فهو جاهل جاهل "![2]
لكنّ هناك من الصّحابة من ردّ هذا القول، فقد أخرج البيهقيّ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:" ثَلاَثُ خِلاَلٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَفْعَلُهُنَّ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، إِحْدَاهُنَّ: التَّسْلِيمُ مِنَ الجِنَازَةِ مِثْلَ التَّسْلِيمِ مِنَ الصَّلاَةِ ".
قال النّوويّ رحمه الله في " المجموع":" إسناده جيّد "، وحسّنه الشّيخ الألبانيّ رحمه الله في " أحكام الجنائز " (ص 127).
فالصّواب جواز الأمرين، والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.