الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فالجواب عن هذا السّؤال يكون إن شاء الله في نقطتين وتنبيه:
النّقطة الأولى: حكم السّباحة في نهار رمضان.
فلا يخلو السّابح من حالين:
أ) أن يكون محسنا للسّباحة، حيث يغلب على ظنّه أنّ الماء لن يصِل إلى معدته عن طريق الفم أو الأنف.
فالسّباحة حينئذ جائزة؛ لأنّه بالإجماع يجوز للمسلم الصّائم الاغتسالُ وغمسُ بدنه في الماء إذا كان محتاطا لصيامه.
قال البخاري رحمه الله:" بابُ اغتِسال الصّائمِ ... وقال أنسٌ رضي الله عنه: إنّ لي أَبْزَنَ، أتقحّمُ فيه وأنا صائمٌ ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (4/197):
" الأبْزَنُ: حجرٌ منقور شبه الحوض، وكأنّ الأبزَنَ كان ملآنَ ماءً، فكان أنسٌ إذا وجد الحرّ دخل فيه يتبرّد بذلك " اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/281) :
" تجوز السباحة في نهار رمضان ، ولكن ينبغي للسّابح أن يتحفّظ من دخول الماء إلى جوفه " اهـ.
وانظر أيضا لذلك " مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله " (19/284، 285).
ب) أن يكون ممّن لا يُحسنون السّباحة، ويغلِب على ظنّه وصول الماء إلى جوفه، فهذا يحرُم عليه أن يمارس السّباحة في نهار رمضان.
ودليل ذلك القياس على المبالغة في الاستنشاق، فقد روى أبو داود وغيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للقِيطِ بنِ صبِرَة رضي الله عنه:
(( ... وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ, إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ).
وجاء في "المغني" (3/18):
" فأمّا الغوصُ في الماء، فقال أحمد في الصّائم ينغمس في الماء: إذا لمْ يخف أن يدخلَ في مسامعه. وكره الحسن والشّعبي أن ينغمِسَ في الماء، خوفاً أن يدخل في مسامعه "اهـ.
وجاء في " حاشية البجيرمي " (2/74):
" لو عرَف من عادتِه أنّه يصل الماءُ إلى جوفه من ذلك لو انغمس، ولا يمكنه التحرّز عن ذلك، حرم عليه الانغماس " اهـ.
النّقطة الثّانية: حكم السّابح يصل الماء إلى جوفه.
فاعلم أنّ جمهور العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعية قالوا: يفسُد صومُه بذلك، ويجب عليه القضاء؛ لأنّه مقصّر.
بل إنّ العلماء كرّهوا للصّائم استعمال السّعُوط - وهو دواء يقطَّرُ منه في الأنف -، ورأوْا أنّه يفطّر، واستدلّوا بحديث لقيط بن صبِرة رضي الله عنه السّابق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - كما في "المجموع" (25/220)- بعدما ذكر حديث لقيط:
" فدلّ على أنّ إنزال الماء من الأنف يفطّر الصّائم، وهو قول جمهور العلماء "اهـ.
وانظر : "المجموع" للنّوويّ (6/338) ، و"المغني" (3/18) لابن قدامة.
تنبيه:
على المسلم أن يجتنب الشّواطئ ومرافق السّباحة الّتي يُعْصى فيها المولى تبارك وتعالى، فتُكشف فيها العورات، وتُضاع فيها الأوقات، ويُجهر فيها بالمحرّمات، فإذا كان قصد هذه الأماكن محرّما في كلّ وقت وأوان، فكيف في شهر الإيمان والإحسان ؟!
والله الموفّق لا ربّ سواه.