ب) وهناك من يجب عليهم القضاء مع الفدية.
ت) وهناك من تجب عليهم الفدية فقط.
ث) وهناك من يجب عليهم القضاء مع الكفّارة.
وتفصيل هذه الأحوال فيما يلي:
- الأصناف الّذين يجب عليهم القضاء فقط.
أمّا القضاء فقط، فإنّه يجب على:
1- المريض إذا أفطر:
قال الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة من: 185].
ولا يمكن ضبط المرض المبيح للإفطار، وإنّما العبرة:
أ) بعجز المريض عن الصّوم، ب) أو بخبر الطّبيب المسلم الثّقة، ج) أو بحاجته إلى تناول الدّواء.
قيل للإمام أحمد رحمه الله: متى يُفطر المريض ؟ قال: إذا لم يستطِع.
بخلاف من ذهب - كعطاء والإمام البخاري وابن حزم رحمهم الله - إلى أنّه يُفطر بكلّ مرض حتّى وجع الضّرس والأصبع أخذا بعموم الآية ["المغني" (3/88)].
قال الخِرقِي رحمه الله في "المختصر" (1/50):" وللمريض أن يُفطر إذا كان الصّوم يزيد في مرضه، فإن تحمّل وصام كًرِه له ذلك، وأجزأه"اهـ.
2- المسافر إذا أفطر: للآية السّابق ذكرها.
وحكم الإفطار في السّفر رُخصة؛ فقد روى البخاري ومسلم أنّ حمزَةَ بنَ عمْرو الأَسْلميَّ قال للنّبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: (( إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ )).
وذهب ابن حزم رحمه الله إلى وجوب الإفطار على الصّائم - كما في "المحلّى" (6/253)-، واستدلّ رحمه الله:
أ) بالأمر الوارد في الآية، وهو قوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ب) وبما رواه البخاري عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ ! فقال: (( أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ )).
والصّواب هو مذهب الجمهور، وذلك:
أ- لأنّ التّقدير في الآية: ومن كان مريضا أو على سفرٍ فأفطر فعدّة من أيّام أخر. وإنّما حذف ذلك للعلم به، كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، أي: إذا قمتم محدِثين. ونظائر ذلك كثيرة.
ب- جاء في السنّة ما يدلّ على الجواز لا الوجوب، ففي الصّحيحين عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال:" كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ ".
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:" غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ ".
أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ )) فيُحمل على من صام وشقّ عليه الصّوم حتّى آذى نفسه بذلك.
بدليل ما جاء في الصّحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ! فَقَالَ: (( مَا هَذَا ؟ )) فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: (( لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ )).
فالصّائم أمير نفسِه، ومن أحسنِ ما حُفظ عن الصّحابة رضي الله عنهم ما رواه التّرمذي عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال:" كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ ".
3،4- الحائض والنُّفساء:
ففي الصّحيحين - واللّفظ لمسلم - عن مُعَاذَةَ قالت: سألتُ عائشةَ فقلت: ما بالُ الحائضِ تقضِي الصّومَ ولا تقضِي الصّلاةَ ؟! فقالتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟! قلتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ ! قَالَتْ: ( كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ )).
وللنّفاس جميع أحكام الحيض كما هو معلوم.
5- من تعمّد القيء:
فقد روى التّرمذي وغيره عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ )).
أمّا من أنزل المنيّ عمدا، إمّا بمداعبة أهله، أو بالاستمناء - وهو محرّم -، فإنّ العلماء اختلفوا فيه اختلافا شديدا، فمنهم من أوجب عليه الكفّارة ! والصّواب إن شاء الله أنّ عليه القضاء؛ لانعدام الدّليل على وجوب الكفّارة.
( مسألة )
يجوز القضاء متتابعا أو مفرّقا، لإطلاق الآية:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وقد قال ابن عبّاس رضي الله عنهما:" لاَ بأسَ به أن يُفرَّق " [رواه البخاري تعليقا ووصله عبد الرزّاق في "المصنّف"].
وروى الدّراقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" يواتره إن شاء ".
والأفضل هو المسارعة إلى القضاء، لعموم الأدلّة الآمرة بالمسارعة إلى الخير، قال الله تبارك وتعالى:{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، وقال سبحانه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
ولكن، ليس له أن يؤخّر القضاء إلى أن يُهلّ عليه رمضان التّالي، وهذا ما سوف نسلّط عليه الضّوء لاحقا إن شاء الله تعالى.