الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فلا شكّ – أخي الكريم – أنّك تعلم أنّ الزّكاة إنّما تجب بشرطين:
- الأوّل: بلوغ النّصاب.
- الثّاني: حولان الحول.
وإنّما اشترط الحول؛ لأنّ المرء قد تكون في عنقِه واجباتٌ: كأن ينفق على نفسه وأهله، فإذا مرّ العام ولم يبقَ له نصاب لم تجب عليه الزّكاة، وإن بقِي لديه نصابٌ أو ازداد مالُه نموّا، دلّ ذلك على أنّه مكفِيّ ولله الحمد، فحينئذ يُخرج زكاة ماله.
إذا فقِهت ذلك: فإنّه يجب عليك إعانة والدك بالنّفقة على أهلك ومنهم أختُك، فتعطِيها ما تحتاجُه وجوباً لشراء حاجيّاتها؛ لأنّك ذكرت أنّ مال والدك المتقاعد لا يكفي ولا يسدّ الحاجة.
فإذا حال الحولُ، ولم يبق لديك نصابٌ فلا تجب عليك الزّكاة أصلاً.
وإن كان هناك نصاب أخرجْت زكاة مالك إلى المستحقّين من الفقراء والمساكين.
نعم، يجوز إعطاءُ زكاة مالك إلى أختك المتزوّجة - مثلا -؛ لأنّه لا تجب عليك النّفقة عليها.
وضابط إعطاء الزّكاة: كلّ من وجب عليك الإنفاق عليه لا يحلّ إعطاؤه الزّكاة، ومن لا يجب الإنفاق عليه يُعطَى من الزّكاة.
تذكير وتنبيه:
أذكّر نفسي وإخواني الكرام أنّه ما من درهمٍ ولا دينارٍ ينفقُه الرّجل على الأهل والولد، فيكسوهم ممّا يكتسي، ويطعمهم ممّا يطعم، فهي صدقة واجبةٌ يؤجر عليها المرء أكثر ممّا يؤجر على الصّدقة المستحبّة.
ويدلّ على ذلك:
- ما رواه الشّيخان عن أبي مسعُودٍ البدْرِيِّ رضي الله عنه عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ )).
- ورويا أيضا عن زينبَ امرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعُود رضي الله عنه سَأَلَتْ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي ؟ فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ )).
- وفي سنن النّسائي والتّرمذي عن سلمانَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عنْ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ )).
ومن الأحاديث المرهّبة من إهمال الأهل والأولاد:
- ما رواه أبو داود عن ابن عَمْروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلَاهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ، إِلَّا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ )).
والأقرعُ هو: ذكر الحيّة الّذي ذهب شعرُ رأسِه لكثرة السُّمِّ.
ولو تأمّلنا هذا الوعيد لوجدناه هو الوعيدَ نفسَه الّذي ثبت في مانع الزّكاة ! فلا أدري لماذا يغفُل الصّالحون عن نفقة الأهل والأقارب، ويجعلون اهتمامهم فقط بالزّكاة ؟!
الشّاهد: أنّه لا ينبغي للمسلم أن يتذمّر من النّفقة الّتي تجب عليه لأهله وولده وأخواته البنات والقُصّر من الذّكور، وعليه أن يتذكّر بأنّ له أجرا أكثر من أجر المتصدّق.
والله الموفّق لا ربّ سواه.