أُوصِيكَ بِـ"لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ"، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً قَصَمَتْهُمَا، وَلَوْ كَانَتَا فِي كِفَّةٍ وَزَنَتْهُمَا.
وَأُوصِيكَ بِـ"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ"، فَإِنَّهُمَا صَلاَةُ الخَلْقِ، وَبِهِمَا يُرْزَقُ الخَلْقُ،{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا، فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ )).
[رواه النّسائي-واللّفظ له-، والبزّار، والحاكم، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد"].
شرح الحديث:
- ( قال نوحٌ ): أي: عند الوفاة، ففي رواية أحمد عن عبدِ الله بنِ عمْرٍو رضي الله عنهما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا عليه السّلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ لابْنِهِ ...)).
- ( لابْنِه ): وفي رواية لأحمد: ( (دَعَا ابْنَيْهِ ...)) بصيغة التّثنية، ولا سبيل ولا حاجة في تعيينهما.
أمّا ما رواه التّرمذي عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ )) فهو حديث ضعيف لا يصحّ.
- ( قَاصِرُها ): أي: لا أطيلُها حتّى يكون ذلك أدعَى لتذكّرها.
- ( الوُلُوج ): هو الدّخول، فليس شيءٌ يقرّب من الله تعالى مثل ذلك.
- ( أُوصِيكَ بِـ"لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" ): وكان ذلك دأب الرّسل جميعاً، فإمام الحنفاء إبراهيم عليه السّلام يتعاهد أبناءه - وهم من الأنبياء - بكلمة التّوحيد، وتبعه يعقوب عليه السّلام على ذلك.
وكذلك كان من آخر وصايا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ !- يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا )).
ولا بدّ من أن نلحظ أنّ نُوحاً عليه السّلام يحذّر ابنَه من الشّرك مع أنّه قد عاين الطّوفان الّذي ما جعله الله عذابا إلاّ لأجل الشّرك !
- ( فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ): على عِظَم حجمهما ( لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً ) أي: حديدة، وفي رواية قال: (( حَلْقَةً مُبْهَمَةً )) أي: مغلقة شديدة.
- ( قَصَمَتْهُمَا ): أي: كسرتهما ! فماذا فعل المشرك حتّى قصم حلقة بشدّة السّموات والأرض ؟!
- ( وَلَوْ كَانَتَا فِي كِفَّةٍ ): على ثِقلِهما ( وَزَنَتْهُمَا ) فماذا فعل المشرك حتّى طاش أمام شركه ما يزن السّماوات والأرض ؟!
- ( وَأُوصِيكَ بِـ"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ" ): وقد مرّ معنا أنّهما من أثقل الأقوال في الميزان، لذلك حرص عليها جميع الخلق، فقال:
- ( فَإِنَّهُمَا صَلاَةُ الخَلْقِ ): أي: جميع الخلق يُثنِي على الله تعالى بهذه الكلمة. ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء: من الآية44].
- ( وَبِهِمَا يُرْزَقُ الخَلْقُ ): أي: إنّ التّسبيح من مفاتيح الرّزق على العباد. والرّزق يشمل المال والأولاد وغير ذلك.
- ( وَأَمَّا ) الخصلتان ( اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا، فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا ): أي هما من أعظم أسباب البعد عن الله تعالى وعن ( صَالِحُ خَلْقِهِ ).
- ( أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ ): وهو أن يُصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عزّ وجلّ، وهو أعظم الظّلم لله تبارك وتعالى.
-( وَالكِبْرِ ): وهو نوعان:
الأوّل: التكبّر على الخلق باحتقارهم، واستصغارهم. والثّاني: ردّ الحقّ بعد تبيّنه؛ لذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ )).
ومن ردّ الحقّ استصغارا لقائله فقد جمع الشرّ كلّه.
الحديث الثّامن:
عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقالَ:
(( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟)).
فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟! قَالَ:
(( يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ )).
[رواه مسلم، والتّرمذي وصحّحه، والنّسائي].
في هذا الحديث فوائد:
- فيه فضل التّسبيح.
ويكفيه شرفاً أنّه يُطلق على الصّلاة الّتي هي أعظم العبادات، مع أنّ فيها التّهليل والتّكبير، والتّحميد، ولكنّ الله خصّ التّسبيح فسمّى به الصّلاة، قال تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الرّوم].
وسمّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّوافلَ سُبحةً؛ ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي الدّرْدَاء رضي الله عنه قالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلّى الله عليه وسلّم بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ: (( أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا أَنَامُ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَبِسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ )).
وجرى الصّحابة على تسمية النّافلة سبحة في كثيرٍ من الآثار.
- وفي الحديث أنّ التّسبيح من مكفّرات الذّنوب، فمن سبّح الله مائة مرّة كتب له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيّئة.
- قوله: ( أو تحطّ ): ليست (أو) هنا للشكّ، وإنّما هي بمعنى الواو، بدليل رواية التّرمذي والنّسائي، فإنّهما قالا: (( وَتَحُطُّ )).
ونظير ذلك قوله تعالى:{وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان: من الآية24].
قال الشّيخ ملا عليّ القاري رحمه الله في "المرقاة" (3/49):
" قد تأتي الواو بمعنى (أو) فلا منافاة بين الرّوايتين، وكأنّ المعنى أنّ من قالها يُكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه خطيئة، وإن كانت عليه خطيئة فيحطّ بعض، ويكتب بعض، ويمكن أن تكون (أو) بمعنى (بل)، فحينئذ يُجمع له بينهما، وفضل الله أوسع من ذلك ".اهـ
الحديث التّاسع:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( لَأَنْ أَقُولَ: " سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ " أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )).
[رواه مسلم والترمذي].
شرح الحديث:
- قوله: ( أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس ) أي: من الدّنيا وما فيها من الأموال وغيرها.
والمراد أنّ هذه الكلمات أحبّ إليّ من أن يكون لي الدّنيا فأتصدّق بها، والحاصل: أنّ الثّواب المترتّب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدّق بجميع الدّنيا.
والله الموفّق.
- شرح كتاب الذّكر (29) من مفاتيح الرّزق تسبيح الله تعالى
تابع الباب السّابع:" التّرغيب في التّسبيح، والتّكبير، والتّهليل، والتّحميد على اختلاف أنواعه ".
الحديث السّابع:
عنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّ النَبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( قَالَ نُوحٌ لِابْنِهِ: إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ، وَقَاصِرُهَا لِكَيْ لاَ تَنْسَاهَا، أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ:
أَمَّا اللَّتَانِ أُوصِيكَ بِهِمَا فَيَسْتَبْشِرُ اللهُ بِهِمَا وَصَالِحُ خَلْقِهِ، وَهُمَا يُكْثِرَانِ الوُلُوجَ عَلَى اللهِ:
أُوصِيكَ بِـ"لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ"، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً قَصَمَتْهُمَا، وَلَوْ كَانَتَا فِي كِفَّةٍ وَزَنَتْهُمَا.
وَأُوصِيكَ بِـ"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ"، فَإِنَّهُمَا صَلاَةُ الخَلْقِ، وَبِهِمَا يُرْزَقُ الخَلْقُ،{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا، فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ )).
[رواه النّسائي-واللّفظ له-، والبزّار، والحاكم، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد"].
شرح الحديث:
- ( قال نوحٌ ): أي: عند الوفاة، ففي رواية أحمد عن عبدِ الله بنِ عمْرٍو رضي الله عنهما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا عليه السّلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ لابْنِهِ ...)).
- ( لابْنِه ): وفي رواية لأحمد: ( (دَعَا ابْنَيْهِ ...)) بصيغة التّثنية، ولا سبيل ولا حاجة في تعيينهما.
أمّا ما رواه التّرمذي عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ )) فهو حديث ضعيف لا يصحّ.
- ( قَاصِرُها ): أي: لا أطيلُها حتّى يكون ذلك أدعَى لتذكّرها.
- ( الوُلُوج ): هو الدّخول، فليس شيءٌ يقرّب من الله تعالى مثل ذلك.
- ( أُوصِيكَ بِـ"لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" ): وكان ذلك دأب الرّسل جميعاً، فإمام الحنفاء إبراهيم عليه السّلام يتعاهد أبناءه - وهم من الأنبياء - بكلمة التّوحيد، وتبعه يعقوب عليه السّلام على ذلك.
وكذلك كان من آخر وصايا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ !- يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا )).
ولا بدّ من أن نلحظ أنّ نُوحاً عليه السّلام يحذّر ابنَه من الشّرك مع أنّه قد عاين الطّوفان الّذي ما جعله الله عذابا إلاّ لأجل الشّرك !
- ( فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ): على عِظَم حجمهما ( لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً ) أي: حديدة، وفي رواية قال: (( حَلْقَةً مُبْهَمَةً )) أي: مغلقة شديدة.
- ( قَصَمَتْهُمَا ): أي: كسرتهما ! فماذا فعل المشرك حتّى قصم حلقة بشدّة السّموات والأرض ؟!
- ( وَلَوْ كَانَتَا فِي كِفَّةٍ ): على ثِقلِهما ( وَزَنَتْهُمَا ) فماذا فعل المشرك حتّى طاش أمام شركه ما يزن السّماوات والأرض ؟!
- ( وَأُوصِيكَ بِـ"سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ" ): وقد مرّ معنا أنّهما من أثقل الأقوال في الميزان، لذلك حرص عليها جميع الخلق، فقال:
- ( فَإِنَّهُمَا صَلاَةُ الخَلْقِ ): أي: جميع الخلق يُثنِي على الله تعالى بهذه الكلمة. ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء: من الآية44].
- ( وَبِهِمَا يُرْزَقُ الخَلْقُ ): أي: إنّ التّسبيح من مفاتيح الرّزق على العباد. والرّزق يشمل المال والأولاد وغير ذلك.
- ( وَأَمَّا ) الخصلتان ( اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا، فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا ): أي هما من أعظم أسباب البعد عن الله تعالى وعن ( صَالِحُ خَلْقِهِ ).
- ( أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ ): وهو أن يُصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عزّ وجلّ، وهو أعظم الظّلم لله تبارك وتعالى.
-( وَالكِبْرِ ): وهو نوعان:
الأوّل: التكبّر على الخلق باحتقارهم، واستصغارهم. والثّاني: ردّ الحقّ بعد تبيّنه؛ لذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ )).
ومن ردّ الحقّ استصغارا لقائله فقد جمع الشرّ كلّه.
الحديث الثّامن:
عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقالَ:
(( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟)).
فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟! قَالَ:
(( يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ )).
[رواه مسلم، والتّرمذي وصحّحه، والنّسائي].
في هذا الحديث فوائد:
- فيه فضل التّسبيح.
ويكفيه شرفاً أنّه يُطلق على الصّلاة الّتي هي أعظم العبادات، مع أنّ فيها التّهليل والتّكبير، والتّحميد، ولكنّ الله خصّ التّسبيح فسمّى به الصّلاة، قال تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الرّوم].
وسمّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّوافلَ سُبحةً؛ ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي الدّرْدَاء رضي الله عنه قالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلّى الله عليه وسلّم بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ: (( أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا أَنَامُ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَبِسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ )).
وجرى الصّحابة على تسمية النّافلة سبحة في كثيرٍ من الآثار.
- وفي الحديث أنّ التّسبيح من مكفّرات الذّنوب، فمن سبّح الله مائة مرّة كتب له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيّئة.
- قوله: ( أو تحطّ ): ليست (أو) هنا للشكّ، وإنّما هي بمعنى الواو، بدليل رواية التّرمذي والنّسائي، فإنّهما قالا: (( وَتَحُطُّ )).
ونظير ذلك قوله تعالى:{وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان: من الآية24].
قال الشّيخ ملا عليّ القاري رحمه الله في "المرقاة" (3/49):
" قد تأتي الواو بمعنى (أو) فلا منافاة بين الرّوايتين، وكأنّ المعنى أنّ من قالها يُكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه خطيئة، وإن كانت عليه خطيئة فيحطّ بعض، ويكتب بعض، ويمكن أن تكون (أو) بمعنى (بل)، فحينئذ يُجمع له بينهما، وفضل الله أوسع من ذلك ".اهـ
الحديث التّاسع:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( لَأَنْ أَقُولَ: " سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ " أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )).
[رواه مسلم والترمذي].
شرح الحديث:
- قوله: ( أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس ) أي: من الدّنيا وما فيها من الأموال وغيرها.
والمراد أنّ هذه الكلمات أحبّ إليّ من أن يكون لي الدّنيا فأتصدّق بها، والحاصل: أنّ الثّواب المترتّب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدّق بجميع الدّنيا.
والله الموفّق.