- ورواه النّسائي أيضا، وابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
- وعن رجلٍ مِن أصْحَابِ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( أَفْضَلُ الْكَلَامِ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ )).
[رواه أحمد ورواته محتجّ بهم في "الصّحيح"].
شرح الأحاديث:
- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَحَبُّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ )): أي: بعد القرآن الكريم كما قال ابن القيّم رحمه الله في "الوابل الصيّب".
وقال النّوويّ رحمه الله:" وكذا قراءة القرآن أفضل من التّسبيح والتهليل المطلق، فأمّا المأثور في وقت، أو حال، ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل، والله أعلم ".
- قوله: ( وَهُنَّ من القُرآنِ ): أي: إنْ لم تكُن هذه الأذكار قرآناً، فهي مقتبسَةٌ منه؛ فإنّ القرآن كلَّه تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير.
- فإذا كان القرآن أفضل من هذه الأذكار؛ فلأنّه كلام الله تعالى، ولكنّ العبدَ لن يذكُر الله سبحانه بمثل ما أثنَى هو به على نفسِه في كتابه.
- قوله: ( لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ ): أي: لا يُشترط التّرتيب بين هذه الأذكار.
( مسألة )
هذا الحديث علّقه البخاري رحمه الله في باب "الأيمان والنّذور" فقال:" باب إذا قال: والله لا أتكلّم اليومَ، فصلّى، أو قرأ، أو سبّح ... فهو على نيّته ".
أي: إن نوَى الحالف دخول القراءة والذّكر، ثمّ قرأ القرآن أو ذكر الله الله حنث، وإذا نوى عدم دخول القراءة والذّكر لم يحنث.
ولم يتعرّض رحمه الله إلى حالة ما إذا أطلق ؟
والصّواب مذهب الجمهور: أنّ الكلام في العرف ينصرف إلى كلام الآدميّين، وأنّه لا يحنث بالقراءة والذّكر داخل الصّلاة، فليكن كذلك خارجها.
ومن الحجّة في ذلك الحديث في صحيح مسلم: (( إِنَّ صَلاَتَنَا هَذِهِ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ )) فحكم للذّكر والقراءة بغير حكم كلام النّاس.
الحديث الثّالث عشر:
عن أبِي هريْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فقالَ:
(( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ ؟ ))
قُلْتُ: غِرَاسًا، قَالَ:
(( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، تُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ )).
[رواه ابن ماجه بإسناد حسن، واللّفظ له، والحاكم ،وقال: " صحيح الإسناد "].
شرح الحديث:
في هذا الحديث فوائد:
1- فيه توكيد لما سبق، أنّ التّسبيح أشرف مِنَ الدّنيا وما فيها.
ولولا ذكر الله لما ظهرت عليها بركة، لحديث التّرمذي عن أبي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا )).
وهذا الحديث وأمثاله خير ما يُفسّر به قول الله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46].
2- وفيه حرص النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قلوب أصحابه، وحسن تربيته لهم، فهو يدلّهم ويحضّهم على الذّكر وهم مشتغلون بالحلال، وكأنّه يقول له: لا يمنعنّك هذا الغراس عن غراس الجنّة.
فكيف بمن ترك الذّكر لأجل الانشغال بالحرام ؟
3- ليس في الحديث ذمّ للزّرع كما أراد بعضهم أن يحمل الحديث عليه.
فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُرشد العباد إلى الجمع بين الزّرعين، وكيف لا والأنصار كانوا مزارعين ؟!
وفي مسند الإمام أحمد عنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ )).
وفي الصّحيحين عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ )).
والله الموفّق لا ربّ سواه.