شـرح الحـديـث:
- ( مَسْجِدُ الخيف ): هو مسجد منى، سُمِّي بذلك لأنّه في سفح جبلها، والخيف هو ما ارتفع عن مجرى السّيل وانحدر.
- ( قَطَوَانِيَّتَانِ ): نسبةً إلى قطوان - بفتح القاف والطاء المهملة جميعا -، وهو موضع بالكوفة تنسب إليه العُبِيّ والأكسية، كما قال الإمام المنذريّ رحمه الله.
- ( شَنُوءَةٍ ): قبيلة مِن اليَمن، وهم بنو كعب بن الحارث ينتهون إلى الأزد.
قال المناوي في " فيض القدير ":" والشنوءة -بفتح الشين-: التّباعد من الأدناس، لُقِّب به حيّ من اليمن لطهارة نسبهم وحسن سيرتهم ".
وقال ابن حجر في " فتح الباري ":" ولُقِّب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله "، أي: بغض وتباعد.
وقال الدّاودي:" رجال الأزد معروفون بالطّول "، أي: سمُّوا بذلك لتباعدهم عن الأرض، وربّما كان هذا هو الأقرب.
وخصّ ( إبل شنوءة ) بالذّكر في هذا الحديث ربمّا من أجل طولٍ فيها، وذلك ما يناسب رجال أزد شنوءة، ونبيّ الله موسى عليه السّلام كان طويلا يشبههم.
ففي الصّحيحين عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ )).
والشّاهد من هذا الحديث بيان تواضع الأنبياء في الحجّ، وذلك من وجوه:
- أنّ موسى عليه السّلام ما حجّ على فرس، ولا على محمل أو هودج.
- أنّه حجّ وعليه عباءتان ممّا يلبسه سائر النّاس.
- وكان بعيره مخطوما بخطام من ليف، وليس من جلد كما هو حال أهل التّرف.
والخِطام يوضع في ( أنف البعير )، لينقاد إلى صاحبه، لذلك يسمّى ( أنِفاً )، كما في الحديث الّذي رواه ابن ماجه عن العرباضِ بن سارية رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ )).
*** *** ***
الحديث السّادس والسّابع والثّامن:
1128-وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَقَدْ مَرَّ بِـ(الرَّوْحَاءِ) سَبْعُونَ نَبِيًّا فِيهِمْ نَبِيُّ اللهِ مُوسَى عليه السّلام حُفَاةً عَلَيْهِمُ العِبَاءُ، يَؤُمُّونَ بَيْتَ اللهِ العَتِيقَ )).
[رواه أبو يعلى، والطّبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات].
1129-ورواه أبو يعلى أيضا من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
شـرح الحـديـث:
- ( الرّوحاء ): مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة.
- ( سَبْعُونَ نَبِيًّا ): ذكر في هذا الحديث نبيّ الله موسى عليه السّلام، وفي حديث آخر ذكر عيسى عليه السّلام بعد نزوله إلى الأرض، فقد روى مسلم عَنْ أَبي هُيرة رضي اللّه عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا )).
كذلك يفهم من هذا الحديث تواضع الأنبياء عليهم السّلام، إذ حجّوا حُفاةً عليهم العباء، ممّا يدلّ على أنّ من مستحبّات الحجّ والعمرة، ترك التّرف وترك التوسّع في المباح.
ويفهم هذا المقصدُ أيضا ممّا شرعه الله من ترك الحلق والطّيب وغير ذلك.
وأكّد المصنّف ذلك بالحديث الثّامن، فقال:
1130-وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السّلام فِي هَذَا الوَادِي مُحْرِمًا بَيْنَ قَطَوَانِيَّتَيْنِ )).
[رواه أبو يعلى والطّبراني في "الأوسط" بإسناد حسن].