أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 13 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 15 جوان 2011 09:07

- السّيرة النبويّة (47) مشاهد من هجرة المسلمين إلى المدينة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فهاهو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصْدع للمسلمين بإذن االله في الهجرة، فأمرهم صلّى الله عليه وسلّم بالتوجّه إلى المدينة سرّا وأرسالا.

ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم ظلّ ماكثا بمكّة .. يجهّز نفسه للرّحلة المباركة .. ويطمئنّ على أحوال المستضعفين الّذين لم يستطيعوا حيلة ولم يهتدوا سبيلا.

وبقِي هناك لأمر آخر، وهو أن يردّ ودائع النّاس الّتي كانت تحته ..

لذلك سنرجئ الحديث عن هجرته صلّى الله عليه وسلّم، وننتقل بكم - معاشر القُرّاء - إلى بعض المشاهد والصّور من هجرة المسلمين.

- هجرة أبي سلمة رضي الله عنه، ومأساة هند أمّ سلمة رضي الله عنها.

أمّ المؤمنين أمّ سلمة .. مشهورة بكنيتها، واسمها: هند بنت أبي أميّة بنت زاد الرّكب، أبوها هو: حذيفة، وقيل: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان أبوها يلقّب " زاد الرّكب " لأنّه كان أحد الأجواد، فكان إذا سافر لم يحمل أحد معه من رفقته زادا بل هو كان يكفيهم.

روى ابن إسحاق بسند حسن عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت:

" لمّا أجمع أبو سلمة رضي الله عنه الخروجَ إلى المدينة رحَّل لي بعيرَه، ثمّ حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة في حجري، ثمّ خرج بي يقود بعيره.

فلمّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قاموا إليه، فقالوا:" هذه نفسُك غلبْتَنَا عليها، أرأيت صاحبتَك هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد ؟!".

قالت: فنزعوا خُطام البعير من يده، فأخذوني منه.

قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهطُ أبي سلمة، فقالوا: لا والله ! لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ! قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتّى خلعوا يده.

وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.

قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني، فكنت أخرج كلّ غداةٍ فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتّى أمسي سنةً أو قريبا منها.

حتّى مرّ بي رجل من بني عمّي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة:" ألا تُخرِجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ؟!". قالت: فقالوا لي: اِلحقي بزوجك إن شئت.

قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني، فارتحلت بعيري، ثمّ أخذت ابني فوضعته في حجري، ثمّ خرجت أريد زوجي بالمدينة.

قالت: وما معي أحد من خلق الله، حتّى إذا كنت بالتّنعيم، لقيت عثمان بنَ طلحة بن أبي طلحة[1] أخا بني عبد الدّار، فقال لي: إلي أين يا بنت أبي أميّة ؟

فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد ؟ قالت: فقلت: لا والله إلاّ الله وبنيّ هذا. قال: والله ما لك من مترك.

فأخذ بخُطام البعير، فانطلق معي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قطّ كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثمّ استأخر عنّي، حتّى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحطّ عنه، ثمّ قيّده في الشّجرة، ثمّ تنحّى عنّي إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرّواح قام إلى بعيري، فقدّمه فرحله، ثمّ استأخر عنّي، وقال: اركبي ! فإذا ركبت واستويت علي بعيري أتى فأخذه بخطامه فقاده، حتّى ينزل بي.

حتّى أقدمني المدينة، فلمّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية،- وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله.

ثمّ انصرف راجعا إلى مكّة.

فكانت رضي الله عنها تقول:" والله ما أعلم أهل بيتٍ في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قطْ كان أكرم من عثمان بن طلحة رضي الله عنه !".

- هجرة عمر بن الخطّاب، وهشام بن العاص، وعيّاش بن أبي ربيعة رضي الله عنهم..

شاع في كتب السّيرة أنّه لم يهاجر أحد من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ متخفّيا غير عمر بن الخطّاب رضي الله عنه !

ويروُون عنه رضي الله عنه أنّه قال يوم خرج من مكّة:" من أراد أن يُثكل أمّه، أو يوتم ولده، أو يرمّل زوجته، فلْيلْقَني وراء هذا الوادي".

ولكنّها ضعيفة لا تصحّ.[2]

وما صحّ في هجرته هو ما رواه ابن إسحاق بسند صحيح قال:

حدّثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن أبيه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال:

" اتّعدت لمّا أردنا الهجرة إلى المدينة أنا، وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السّهمي الميضأة - ميضأة بني غفار فوق سرِف-، وقلنا: أيّنا لم يُصبِح عندها فقد حُبِس، فليمض صاحباه.

قال: فأصبحت أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند الميضأة، وحُبِس عنّا هشام، وفُتِنَ ! [أي: عُذِّب].

فخرج أبو جهل يغرّر بعيّاش بن أبي ربيعة، فلمّا قدمنا المدينة نزلنا في بنى عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عيّاش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمّهما وأخاهما لأمّهما، حتّى قدما علينا المدينة، ورسول الله  بمكّة، فكلّماه، وقالا:

إنّ أمّك قد نذرت أن لا يمسّ رأسَها مشطٌ حتّى تراك، ولا تستظلّ من شمس حتّى تراك. فرقّ لها، فقلت له:

يا عيّاش، إنّه- والله - إن يريدُك القوم إلاّ ليفتنوك عن دينك، فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمّك القمّل لامتشطت، ولو قد اشتدّ عليها حرّ مكة لاستظلّت. قال فقال عيّاش رضي الله عنه:

أبرّ قسمَ أمّي، ولي هنالك مالٌ فآخذه.

قال عمر رضي الله عنه: فقلت: والله إنّك لتعلم أنّي لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما.

قال عمر: فأبى إلاّ أن يخرج معهما ! فلمّا أبى إلاّ ذلك، قلت له:

أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخُذْ ناقتي هذه، فإنّها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإنْ رابك من القوم ريب فانجُ عليها.

فخرج عليها معهما، حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال له أبو جهل:

يا ابن أخي ! والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال: بلى.

قال: فأناخ وأناخا ليتحوّل عليها، فلمّا استووا بالأرض، عَدَوْا عليه فأوثقاه وربطاه، ثمّ دخلا به مكّة وفتناه، فافتُتِن.

ثمّ قالا: يا أهل مكّة، هكذا فافعلوا بسفائكم كما فعلنا بسيفهنا هذا.

قال عمر رضي الله عنه في حديثه[3]:

فكنّا نقولُ: ما الله بقابلٍ ممّن افتُتِن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ! قومٌ عرفوا الله، ثمّ رجعوا إلى الكفر لبلاءٍ أصابهم !

وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ  لا تَشْعُرُونَ (55)}.

قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص رضي الله عنه، فقال هشام بن العاص رضي الله عنه: فلمّا أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوَى أصعّد بها فيه وأصوّب، ولا أفهمها حتّى قلت: اللّهمّ فهّمنيها !

قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنّها أنزلت فينا، وفيما كنّا نقول في أنفسنا ويقال فينا.

قال: فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة "اهـ.

العبر والفوائد:

- لقد أمِن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المجتمع المسلم بالمدينة، وأيقَن أنّ أهل المدينة قد تحوّلوا جميعهم إلى أنصار .. ولكنّه مع ذلك يتأخّر عن اللّحاق بهم، ومن أسباب ذلك: أن يردّ ودائع النّاس الّتي أودعوها إيّاه ! مع أنّ في القوم أعداء ألدّاء .. ولكنّه شعار الحبيب صلّى الله عليه وسلّم: الصّدق والأمانة.

- تأمّل كيف كان يُنظَر إلى من يعرِّض نفسه للفتنة ببقائه بين أظهر الكافرين: ما الله بقابلٍ ممّن افتُتِن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ! قومٌ عرفوا الله، ثمّ رجعوا إلى الكفر لبلاءٍ أصابهم !

ولكنّك تدرك الفارق بين أولئك وأبناء هذا الزّمان: فتلك فتنة عذاب، لا قِبَل له بردّها، ولا قدرة له على صدّها .. أمّا فتنة بني قومي هذا الزّمان: فهي فتنة أكل وشراب ..وعمارة مآلُها إلى خراب ..

لشتّان ما بين اليزيدين في النّدى *** يزيد بن سليم والأغـرّ بن حاتم

فهمّ الفتى الأزديّ إتلاف مـاله *** وهمّ الفتى القيسيّ جمع  الدّراهم

ولا يحسب التّمتـام أنّي هجوته *** ولكنّني فضّلت أهـل المكـارم

وبقِي علينا أن نتحدّث لاحقا إن شاء الله عن الخطوات الأولى لهجرة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم.



[1] أسلم هذا الشّهم فيما بعد.

[2] قال الشّيخ الألباني رحمه الله في "دفاع عن الحديث النّبويّ":" ذكر هذه الرّواية ابن الأثير في "أُسد الغابة" (4/58) عن عليّ رضي الله عنه، والسّند لا يصحّ، فمداره على الزّبير بن محمّد بن خالد العثماني: حدّثنا عبد الله بن القاسم الأملي-كذا الأصل ولعلّه الأيلي- عن أبيه بإسناده إلى عليّ، وهؤلاء الثّلاثة في عداد المجهولين، فإنّ أحدا من أهل الجرح والتّعديل لم يذكرهم مطلقا "اهـ.

[3] قول عمر رضي الله عنه من هنا إلى آخره أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/435) وقال:" صحيح على شرط مسلم " ولم يخرّجاه، وأقرّه الذّهبي، والشّيخ مقبل في "الصّحيح المسند من أسباب النّزول" (198-199).

أخر تعديل في الجمعة 05 رمضان 1432 هـ الموافق لـ: 05 أوت 2011 18:28

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.