أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

الأحد 28 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق لـ: 10 مارس 2013 11:46

- السّيرة النّبويّة (74) موقف المؤمنين من خروج المشركين إلى بدر.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في الحلقة السّابقة خروج المشركين إلى بدر، وانطلاقَهم خلف أبي جهل. وقد كان أكثرُهم عازماً على أن يجعلوا من أرض بدر ساحة احتفالٍ يسودها الخمر والنّساء .. وتتحوّل فيها آبارُ بدر إلى مقابر لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

أكثرهم يحدّث نفسه بأنّه حان وقت الانتقام من الصّابئين الّذين أهانوا آلهتهم، وسفّهوا أحلامهم .. وراحوا يسترسلون وراء تلكم الأحلام، وكيف ستتحدّث العرب عنهم وعن بأسهم وقوّتهم !

ومنهم من خرج وهو لا يريد قتالاً، وإنّما خرج ليحمِيَ تجارتَه ومتاعَه ولو اقتضى الأمر أن يقتُلَ عشيرتَه !

ومنهم من كان يلتفت حوله كلّ لحظة شاردا ذهنُه .. لا لأنّه يحدّث نفسه بالنّصر، ولكنّه شرد في سؤالٍ حيّره: أين محمّد وأصحابه ؟

وها هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. يتوقّف مرّة أخرى عن السّير .. فما الخطب ؟

قال ابن إسحاق رحمه الله:" بلغ صلّى الله عليه وسلّم واديا يقال له " ذِفْران "، حتّى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرَهم، فاستشار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس وأخبرهم عن قريش ".

فكيف علم بخروج قريش ؟ وكيف علم عددهم ؟ ولماذا نراه يستشير النّاس مرّة أخرى وهم قد أعلنوا له الولاء التّام ولو خاض بهم البحر ؟

إنّها أسئلة لا بدّ من الإجابة عنها.

أمّا السّؤال الأوّل: فكيف علم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بخروج قريش ؟

فهذا يجيبنا عنه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فقد روى مسلم وأبو داود - واللّفظ له - عن أنسٍ رضي الله عنه أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم نَدَبَ أَصْحَابَهُ، فَانْطَلَقُوا إِلَى بَدْرٍ، فَإِذَا هُمْ بِرَوَايَا[1] قُرَيْشٍ، فِيهَا عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ:

أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ ؟ فيَقولُ: وَاللهِ مَالِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ! فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَيَقُولُ: دَعُونِي ! دَعُونِي أُخْبِرْكُمْ ! فَإِذَا تَرَكُوهُ، قَالَ: وَاللهِ مَالِي بِأَبِي سُفْيَانَ مِنْ عِلْمٍ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَدْ أَقْبَلُوا.

وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي، وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَدَعُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أَبَا سُفْيَانَ )).

ولنا أن نتصوّر وقعَ هذا الخبر على قلوب الصّحابة .. فالأمر لم يكن بالحسبان، ولم يخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا أحدٌ من أصحابه لقتال جيش المشركين، إنّما خرجوا لترصّد عير قريش الّتي بها أموالهم، فلم يحتَجْ ذلك إلى جيش، ولم يأمر صلّى الله عليه وسلّم بالخروج: (( إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا )). 

فلا بدّ إذن من إعادة الحسابات.. ولا بدّ من معرفة حجم الأخطار القادمة .. فهل يمكن أن تكون هذه المواجهة تهوّرا ؟ أو لا بدّ من الانسحاب للحفاظ على صفوة الأمّة ونواتها الأولى.

فبدأ صلّى الله عليه وسلّم في تقدير الأمور، فقصد ذلك المشركَ يسأله دون ضرب ولا تعنيف .. ولا سياط ولا حبال .. يريد منه معرفة الجواب عن السّؤال الثّاني:

كم عددهم ؟

روى الإمام أحمد بسند صحيح عن علِيٍّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للرّجل: (( كَمْ الْقَوْمُ ؟))، قال: هُمْ - وَاللهِ - كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ ! فَجَهَدَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ ؟ فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سَأَلَهُ: (( كَمْ يَنْحَرُونَ مِنْ الْجَزُورِ ؟ )) فَقَالَ: عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْقَوْمُ أَلْفٌ، كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ )).

بذكائه صلّى الله عليه وسلّم توصّل إلى عددهم.. إذن فعددهم ألف.. ولو التفت إلى أصحابه لرآهم بضعة عشر وثلاثمائة.

ألف مشرك يكشّر عن أنيابه، ويسلّ سيوفه ويُخرج أحقاده .. فقد أوعبت قريش في الخروج، فلم يتخلّف من أشرافهم أحدٌ سوى أبي لهب، فإنّه عوّض عنه رجلاً كان له عَليه دين، ولم يتخلّف عنهم أحد من بطون قريش إلاّ بني عديّ، فلم يخرج معهم منهم أحد.

ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم ما رأى في وجوه إخوانه وأصحابه الخوف والفزع، فما بايعوه إلاّ لمثل هذا.. ولكنّ فريقا من المؤمنين كره القتال، لا خوفا من المشركين، ولكنّهم خافوا على نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، وعلى دولتهم الفتيّة .. فما للقتال خرجوا، وما لهذه الجموع احتسبوا.

لقد رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجوه بعض أصحابه العزم والشّجاعة.. ورأى في وجوه بعضهم الآخر الشّجاعة والكراهية..

ووصف الله تبارك وتعالى تلك المشاعر فقال:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} [الأنفال].

روى البخاري عن كعْبِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه يقولُ:" لَمْ أَتَخَلَّفْ عنْ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ".

عندئذ جاءت: المشاورة الثّانية.

والمحقّقون من أهل العلم كالحافظ ابن حجر رحمه الله أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم استشارهم في غزوة بدر مرّتين:

الأولى: وهو بالمدينة أوّل ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، ففي رواية مسلم:" أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان".

والثّانية: كانت بعد أن خرج كما في الحديث الآتي:

فإنّ ذلك الوادي "ذفران" سيظلّ شاهدا على مشهد لم ولن يرى مثله .. فقد روى ابن إسحاق عن عروة بن الزّبير عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:

" وأتاه صلّى الله عليه وسلّم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النّاسَ وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثمّ قام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال:

" يا رسول الله ! اِمْض لما أراك الله، فنحن معك، واللهِ لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَولكنْ اذهبْ أنت وربّك فقاتلا، إنّا معكما مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحقّ ! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه ".

وتأثّر الصّحابة بمقام هذا الرّجل، فصاروا يغبطونه عليه كلّما تذكّروه، روى البخاري وأحمد عن ابنِ مسعُودٍ رضي الله عنه قال:" شَهِدْتُ مِنْ المِقْدَادِ بنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ[2]، أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى:{اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ - يَعْنِي قَوْلَهُ -".

وعندئذ نطق سيّد الأنصار: سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكلامه وموقفه له وزن في قلوب المؤمنين، فقال:

" يا رسول الله ! قد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السّمع والطّاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالّذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحرَ فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا.. إنّا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللّقاء..ولعلّ اللهَ يريك منّا ما تَقِرُّ به عينك.. فسر بنا على بركة الله !

فسُرَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقول سعد رضي الله عنه،ونشّطه ذلك.[3] 

وجاءت البشرى من الله تعالى عندئذ:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: من الآية7].. وعد صادق، وأمن يملأ الأجواء..فأزال الله به الخوف، وغرس في قلوبهم الطّمأنينة.. فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ ! وَأَبْشِرُوا ! فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.. وَاللهِ لَكَأَنِّي الآنَ أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ القَوْمِ )).

فقد اختار الله لنبيّه إحدى الطّائفتين.. فالطّائفة الأولى ذات الشّوكة وهي القتال.. والأخرى غير ذات الشّوكة وهي العِير..

روى الطّبراني (4/209) والإمام الطبريّ عن أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه قال:" فلمّا وعدنا إحدى الطّائفتين إمّا القومَ، وإمّا العير طابت أنفسنا ".

وطاب المسير، وانطلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه نحو بدر.



[1]/ جمع راوية، وهي: الإبل الّتي يستقى عليها. قال الخطّابي رحمه الله:" وأصل الرّاوية: المزادة، فقيل للبعير راوية لحمله المزادة ".

[2]/ أي: أحبّ إليّ من كلّ شيء يضرب به المثل في الوزن به.

[3]/ هو جزء من حديث ابن إسحاق السّابق، وله شاهد عن ابن مردويه بسند حسن [سيرة ابن كثير 2/395].

أخر تعديل في الأحد 28 ربيع الثاني 1434 هـ الموافق لـ: 10 مارس 2013 11:51

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.