أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

الأربعاء 20 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2013 13:44

- السّيرة النّبويّة (76) غزوة بدر: ساعات قبل المعركة 2.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا كيف اصطفّ المسلمون أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد سلسلة من الأعمال الصّالحات، تبعتها قافلة من البُشْرَيات.

لقد وعدهم الله تعالى إحدى الحُسنيين، وأكرمهم بمطر طهّرهم به، وربط به على قلوبهم، وأذاب كثيرا من وساوسهم، وثبّت به أقدامهم.

ولن ينسَوْا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنِّي أَرَى مَصَارِعَ القَوْمِ ))..

وقفوا أمامه للقتال كما وقفوا منذ قليل بين يدي الله للصّلاة .. فنالوا بسجودهم قرب الله وقوله:{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} [المائدة: من الآية12)].. ونالوا بقيامهم للقتال حبّ الله لقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].

ويثير انتباهنا أمرٌ حدث في هذه الأوقات العصيبة .. فمع قلّة عدد المسلمين، يصل صحابيّ مع والده طمعاً في الجهاد والشّهادة .. ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يردّهما !

ذلك الصّحابيّ هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مع أبيه حُسَيْل ..

فلماذا يرفض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مشاركتهما ؟!

سؤال بحجم المعركة .. والإجابة بحجم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

ليس المسألة مسألة ثقة، فحذيفة بن اليمان رضي الله عنه فوق كلّ الشّبهات، كيف لا وقد سلّمه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفاتيح سرّه ؟!

إنّ المسألة مسألة مبادئ وقِيم .. تؤكّد ما ذكرناه قبل، أنّ شعار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان:" لا تنازل، ولا تحايل ".. إنّه لم يتنازل لأنّه صادق، ولم يتحايل لأنّه أمين.

واستمع إلى السّبب يذكره لنا حذيفة رضي الله عنه، فقد روى مسلم عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمَانِ رضي الله عنه قال:

" مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا. فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: (( انْصَرِفَا ! نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ )).[1] 

جواب بحجم النبوّة .. جواب أعيا كلّ زعيم وداعية بعده .. جواب يلقم حجرا من ينظرون إلى أرنبة أنوفهم مستعجلين الثّمرات..

(( نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ )) وهم المشركون الّذين يعبدون الأوثان، ويحاربون الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم .. الّذين خرجوا من ديارهم لطمس معالم التّوحيد وسفك دماء الموحّدين .. الّذين خرجوا لذبح نبيّ الإسلام وتدمير دولته .. ولم يكن شعاره أبدا ما قاله اليهود:{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: من الآية75].

ثمّ إذا كان هذا هو تعامله مع الكافرين والمشركين المعاندين .. فما هو حجم معاملته لأخيه المسلم ؟

وتصوّر كيف تغلغل هذا الدّرس في الوفاء بالعهد في صدور المؤمنين ؟

فودّع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذيفة وأباه رضي الله عنهما، والتفت إلى الجيش، وعاد إلى العمل من جديد.

فسمعوه يقول: (( إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذَا الضِّلَعِ الحمراء من الجبل ))[2].

عندئذ بدأ المشركون في النّهوض مثقَلين، وصداع الخمر يرنّ في رؤوسهم، نهضوا ولا صلاة .. ولا بُشرى من الله .. ولا دعاء .. قلوبهم شتّى وأفكارهم شاردة .. فلا يزال بعضهم لا يرى قتال أبناء العمّ والعشيرة .. وأكثرهم خرج بطرا ورئاء النّاس .. فأغراه قلّة عدد المؤمنين.

روى ابن إسحاق رحمه الله عن أشياخ من الأنصار قالوا:

" لماّ اطمأنّ القوم، بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ، فقالوا: احرزوا لنا أصحاب محمّد ! قال: فاستجال بفرسه حول العسكر، ثمّ رجع إليهم فقال: ثلاث مئة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتّى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ قال: فضرب في الوادي حتّى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا ! نواضح يثرب تحمل الموت النّاقع[3] ! قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتَل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ؟ فِرُوا رأيَكم ".

سكت الجميع، وهم يستمعون إلى هذا الوصف المرعب .. وتسلّل من هذا الحشد الصّامت رجل حكيم ذو حزم، وهو حكيم بن حزام، قال ابن إسحاق:

" فلمّا سمع حكيم بن حزام ذلك، مشى في النّاس، فأتى عتبة بنَ ربيعةَ، فقال: يا أبا الوليد، إنّك كبير قريش وسيّدها، والمطاع فيها، هل لك إلى أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ هل لك أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدّهر ؟

قال: وما ذاك يا حكيم ؟!

قال: إنّكم لا تطلبون من محمّد إلاّ دم ابن الحضرميّ ترجع بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرميّ.

قال عُتبة:  قد فعلت، إنّما هو حليفي، فعليّ عقله، وما أصيب من ماله.. فأتِ ابنَ الخنظلية - والحنظلية أمّ أبي جهل -، فإنّي لا أخشى أن يشجر أمر النّاس غيره.

ثمّ قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال:

" يا معشر قريش، إنّكم - والله - ما تصنعون بأن تلقوا محمّدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرّجل ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه: قتل ابن عمّه وابن خاله أو رجالا من عشيرته، فارجعوا أو خلّوا بين محمّد وبين سائر العرب، فإن أصابوا، فذاك الّذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون ".

كان عُتبة حكيما بعيد النّظر .. وكان خائفا على مصير قومه الأسود الّذي يقودهم إليه رجل طائش حاقد كأبي جهل .. إنّه يرى الموتَ سهاما في نظرات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم.. ويرى العار في قتل أبناء العمّ والعشيرة.. كان يدور بحديثه ذلك على جمله الأحمر يكرّره على من لم يسمعه.  

ولا ريب أنّ أسعد النّاس بهذا النّداء كان أميّة بن خلف، ولسان حاله يقول: لله درّك من خطيب مسقع.. لا فُضّ فوك يا ابن عُتبة..

ولم يكن من حول عُتبة هم المثنين على حديثه فحسب، فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرقبه من الجهة الأخرى من بعيد .. لم يعرف من هو ؟ لكنّه أدرك من حركاته أنّها حركات رجل نصوحٍ مشفقٍ على قومه.

قال عليّ رضي الله عنه في تتمّة حديثه في "مسند الإمام أحمد":

" لَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَا عَلِيُّ، نَادِ لِي حَمْزَةَ )) - وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ -: (( مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ ؟ إِنْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ [ إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا ]))[4].

فَجَاءَ حَمْزَةُ رضي الله عنه، فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنْ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ ! إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ، وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ، اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي، وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ.

كان عتبة خائفا أشدّ الخوف على مجد قريش أن يُدفن في هذا الصّباح الممطر.. كان يرى الموت يُطلّ عليه من رؤوس الجبال.

وقد توجّه في الوقت نفسه حكيم بن حزام إلى أبي جهل ليُثنيه عن الحرب، ولئلاّ يُفسد كلام عُتبة في النّاس، فقال - وهو تتمّة الحديث السّابق -:"  فانطلقت، حتّى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعا له من جرابها، فهو يهنئها - أي: يهيّئها - فقلت له:

يا أبا الحكم، إنّ عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا .. فقال: انتفخ - والله - سَحَرُه[5] حين رأى محمّدا وأصحابه ! كلاّ - والله - لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، وما بعتبة ما قال، ولكنّه قد رأى أنّ محمّدا وأصحابه أَكْلَةَ جزور وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه ".

كان أبو جهل يُحسن استغلال العواطف، وتلبيس الأمور على النّاس .. المهمّ أن يصل إلى غرضه .. وهو تقليب الحقائق، فيحوّل رأي عتبة العاقل إلى جبن وتخاذل .. ويرى - لعنه الله - أنّ جيش المسلمين لن يستغرق الوقت للقضاء عليهم أكثر من وجبة ناقة.

هكذا يرى المسلمين جزورا شهيا على مائدة بدر. ولم يكتف بذلك، بل راح يدغدغ العواطف من جديد.

قال ابن إسحاق:

" ثمّ بعث إلى عامر بن الحضرمي، فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالنّاس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك..".

فقام عامر بن الحضرميّ، فصرخ: ( واعمراه .. واعمراه ..)

فحميت الحرب، وحقُب النّاس، واستوثقوا على ما هم عليه من الشرّ، وأفسد على النّاس الرّأي الّذي دعاهم إليه عتبة ".

وهنا يفقد أميّة بن خلف آخر أمل له في الحياة..لن يتركه ابن الحنظليّة حتّى يهلك .. فلم يبق له إلاّ حبل عتبة، فلا بدّ أن يُصرّ على الرّجوع..

" فلمّا بلغ عتبةَ قولُ أبي جهل: ( انتفخ - والله - سحره ) قال: سيعلم مصفرّ استِه[6] من انتفخ سحره، أنا أم هو ؟ ".

وفي رواية عليّ رضي الله عنه  عند أحمد:

" فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ، قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا !

فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ ؟ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ..

وهكذا استطاع أبو جهل أن يُضرم النّار في قلب عُتبة، وأن يحوّل ذلك القلب الهادئ إلى بركان ثائر.

وبدأت المعركة بعد ذلك.



[1] قال الإمام النّووي رحمه الله:" أمّا قضية حذيفة وأبيه، فإنّ الكفّار استحلفوهما لا يقاتلان مع النبيّ   صلّى الله عليه وسلّم في غزاة بدر، فأمرهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالوفاء، وهذا ليس للإيجاب، فإنّه لا يجب الوفاء بترك الجهاد مع الإمام ونائبه، ولكن أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا يشيع عن أصحابه نقض العهد، وإن كان لا يلزمهم ذلك؛ لأنّ المُشيع عليهم لا يذكر تأويلا ".اهـ

[2] الضّلع من الجبل: هو الجبل الصّغير المستطيل.

[3] النّاقع: يطلق على معان ومنها-كما في "اللّسان"-:  الدّائم، من " النّقع ".

[4] ما بين المعقوفتين للبزّار (2/313-زوائد) بإسناد جيّد.

[5] السَّحر: الرّئة وما حولها ممّا يعلق بالحلقوم من فوق السرّة، و: انتفخ سحَرُه كناية عن الخوف.

[6] قولهم في الشّتم: فلان مصفرّ استه: هو من الصّفير، لا من الصّفرة، أي ضَرَّاط، وهو كناية عن الجبن والخور.

أخر تعديل في الأربعاء 20 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2013 13:49

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.