أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الاثنين 10 رجب 1434 هـ الموافق لـ: 20 ماي 2013 15:15

- السّيرة النّبويّة (77) غزوة بدر: المبـارزة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد توقّف بنا الحديث عن غزوة بدر عند ذلك ذلك الضّجيج والصّخب الّذي خلّفه أبو جهلٍ وهو يوقِدُ للحرب نارها، ويؤجّج أوارها.

فاستطاع أن يحوّل قلبَ عُتبةَ الهادئ، إلى بركان ثائر !

وسمع المسلمون ذلك الضّجيج والصّخب، وعلموا أنّ الجنّة قد تزيّنت لهم، فتزيّنوا لها.

فكان شعارهم الّذي يُعرَفون به الصّوف الأبيض يضعونه على الدّروع، روى ذلك ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عليّ رضي الله عنه بإسناد صحيح.

وروى ابن إسحاق عن عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه أنّ حمزة رضي الله عنه كان مسوّما بريشة نعامة في صدره.

أمّا الزّبير رضي الله عنه فقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنّه كانت عليه عمامة صفراء.. وسنرى كيف كان لهذه العمامة الصّدى العظيم في السّماء ؟

أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد توجّه إلى جبّار السّماوات والأرض، يناشده نصره، ويستمطره رحمته .. فنظر إليه الصّدّيق رضي الله عنه فرقّ لحاله.

روى مسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: حَدَّثَنِي عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه قالَ:

" لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ! فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ:

(( اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ !)).

قال: فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ! فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ! فَأَنْزَلَ اللهُ جلّ جلاله:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.

لقد فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما يمكنه فعلُه .. فعل الأسباب كلّها ثمّ توجّه إلى المولى تبارك وتعالى .. يناشده ويدعوه .. يتضرّع إليه ويرجوه .. وهذا هو معنى التوكّل الصّحيح: اتّخاذ الأسباب، ودعاء العزيز الوهّاب، وترك النّتائج لله عزّ وجلّ:

- شاور المهاجرين والأنصار قبل الخروج من المدينة.

- شاورهم وهم بـ" ذفران ".

- أرسل عينا تترقّب.

- أبقى الأمر سرّا حتّى جاءه الخبر.

- رفض أن ينتظر أيّ شخص لم يكن جاهزا للّحاق بالمشركين.

- قطع الأجراس من أعناق الإبل.

- ورفض أن يصحبه مشرك.

- أمرهم بالتّعاقب على الرّواحل حتّى يهون عليهم المسير.

- استطاع أن يعرف عدد المشركين.

- سبق المشركين إلى آبار بدر.

- وردّ من كان بينه وبين المشركين عهد.

بعد ذلك كلّه يلجأ إلى الله تعالى يناشده ويدعوه.

وكان المؤمنون في صفوفهم كلٌّ منهم ينظر إلى الرّاية السّوداء واللّواء الأبيض، فقد روى ابن ماجه عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَايَةَ رسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَتْ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ.

وكلّهم يستمعون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكلامه كلّه وحي وحقّ وصدق: رغّبهم في قيامهم ذلك، فقال:

(( مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ عِنْدَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ ))[1]. 

وسأله رجل: أيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ ؟ قالَ: (( الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لاَ يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ ))[2].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَفْضَلُ الجِهَادِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يَلْتَقُونَ فِي الصَّفِ الأَوَّلِ، فَلاَ يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ[3] فِي الغُرَفِ مِنَ الجَنَّةِ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ وَإِذَا ضَحِكَ إِلَى قَوْمٍ فَلاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ ))[4].

وسمعوه صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ لَيَدْعُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْجَنَّةَ، فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، فَيَقُولُ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَقُتِلُوا وَأُوذُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي ؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ! فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَتَأْتِي المَلاَئِكَةُ فَيَسْجُدُونَ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ! نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَنُقَدِّسُ لَكَ، مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ آثَرْتَهُمْ عَلَيْنَا ؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ عزّ وجلّ: هَؤُلاَءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي. فَتَدْخُلُ عَلَيْهِمْ المَلاَئِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ:{سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}))[5].

وسمعوه يقول: (( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ: الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ ))[6].

ثمّ عاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عريشه .. وتركهم قد رحلوا إلى عالم الخلود .. ورأو أنّ الموت صار يُداعبهم ولا يخيفهم.

إنّ من يستمع إلى هذه الأحاديث وهو على سريره سيبحث عن أيّ معركة ينال بها الشّهادة، فكيف به لو سمعها وهو يحمل سلاحه وسط الصّفوف ؟!

فإذا بأمر قد غشِي المؤمنين ! يقول سبحانه وتعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْه} [الأنفال: من الآية11].

قال ابن القيّم رحمه الله:" والنّعاس في الحرب، وعند الخوف، دليل على الأمن وهو من الله، وفي الصّلاة ومجالس الذّكر والعلم من الشّيطان "اهـ.

فألقى الله في قلوب المؤمنين الأمن والثّقة بنصر الله تعالى، وازداد خوف المشركين من قوم يشعرون بالنّعاس وقت القتال !

وها هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفق رأسه في العريش من النّعاس، ولكنّه الآن أفاق من نعاسه، وخرج ببُشرى أخرى إلى أصحابه رضي الله عنهم:

فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ رَأْسَ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الحَرْبِ )) [رواه البخاري عن ابن عبّاس رضي الله عنه].

وفي رواية لابن إسحاق عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه قال:" خفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خفقةً في العريش، ثمّ انتبه، فقال:

(( أبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ ! هَذَا جِبْرِيلُ عليه السّلام مُعْتَجِِرٌ بِعِمَامَتِهِ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ، أَتَاكَ نَصْرُ اللهِ وَعِدَتُهُ )).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" قال الشّيخ تقيّ الدّين السّبكي:

سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، مع أنّ جبريل عليه السّلام قادر على أن يدفع الكفّار بريشة من جناحه ؟ فقلت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب وسنّتها الّتي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع، والله أعلم " اهـ.

هذا جبريل في مقدّمة الملائكة الّذين نزلوا بأمر من الله القائل:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].

ومن بين الصّفوف ترى معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ترى أعينهما محدّقة في أبي جهل ! لا يطمعان إلاّ في الوصول إليه والقضاء عليه، ولكنّ الجميع تعجّب ممّا يفعله أبو جهل !

هل أسلم في اللّحظات الأخيرة ؟! لقد سمعوه يدعو الله !

روى ابن إسحاق رحمه الله والإمام الطّبري في "تفسيره" بسند صحيح[7] والإمام أحمد دون الآية، عن عبدِ اللهِ بنِ ثعلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ رضي الله عنه أنّ أَبَا جَهْلٍ قالَ حِينَ الْتَقَى القَوْمُ: اللّهُمَّ أَقْطَعَنَا الرَّحِمَ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُهُ، فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ ! قَالَ: فَكَانَ الْمُسْتَفْتِحَ ".

إنه يريد استدراج قومه لحرب لا رجعة فيها.. فزعامة قريش مرهونة بهذه المعركة.. فأنزل الله تبارك وتعالى آياتٍ تبشّر أبا جهل بما أراد، وتبيّن له المحقّ من المبطل:

قال عبد الله بن ثعلبة:" فأنزل الله تعالى:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:19].

المبـارزة..

كان بين يدي المعركة مبارزة ثبّت الله بها قلوب المؤمنين... وزلزل بها قلوب المشركين..

قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه-في رواية أحمد دائما-:" فَبَرَزَ عُتْبَةُ، وَأَخُوهُ شَيْبَةُ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ،[في رواية ابن إسحاق: خرج عوف ومعوّذ ابنا عفراء، ووعبد الله بن رواحة] فَقَالَ عُتْبَةُ: لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

[في رواية ابن إسحاق: فقال عتبة: من أنتم ؟ قالوا: رهط من الأنصار..فقالوا: ما لنا بكم حاجة]..

قال عليّ رضي الله عنه: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( قُمْ يَا عَلِيُّ ! وَقُمْ يَا حَمْزَةُ ! وَقُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ !)).

ثلاثة من بني عبد المطّلب: حمزة عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. وعليّ ابن عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. وعبيدة بن الحارث ابن عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاحب أوّل سريّة في الإسلام.. وثلاثة من آل ربيعة بن عبد شمس، وكلّهم من قريش.

روى البخاري ومسلم عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ:" نَزَلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ، وَحَمْزَةَ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ".

وروى البخاري أيضا عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: (( فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ".

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}..

أقبلوا ومعهم ملك الموت ليفتك بأرواح المشركين.. روى أبو داود عن علِيٍّ رضي الله عنه قال:

" تَقَدَّمَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ، فَنَادَى: مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَانْتَدَبَ لَهُ شَبَابٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ، إِنَّمَا أَرَدْنَا بَنِي عَمِّنَا ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( قُمْ يَا حَمْزَةُ ! قُمْ يَا عَلِيُّ ! قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ !)) فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ، وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ، وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ، فَقَتَلْنَاهُ وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ ".

وفي رواية أحمد قال عليّ رضي الله عنه: فَقَتَلَ اللهُ تعالى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ.

عندئذ ابتهج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفرسانه، وفرح لانتصارهم، وتحمّس المؤمنون لمعانقة الشّهادة، فساحة بدر تعطّرت أجواؤها بها، ومن ورائها حور مقصورات في الخيام، ونُزُلٌ كريم بدار السّلام.



[1]/ [رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وغيرهما كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب"].

[2]/ [رواه أحمد، وأبو يعلى، ورواتهما ثقات].

[3]/ (يتلبّطون): معناه هنا: يضطجعون.

[4]/ [رواه الطّبراني بإسناد حسن].

[5]/ [رواه الأصبهاني بإسناد حسن انظر "صحيح التّرغيب والتّرهيب"].

[6]/ [رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: "حديث صحيح غريب"].

[7]/ وصحّحه الشّيخ مقبل في "الصّحيح المسند من أسباب النّزول" (ص115).

أخر تعديل في الاثنين 10 رجب 1434 هـ الموافق لـ: 20 ماي 2013 15:18

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.