أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الاثنين 17 رجب 1434 هـ الموافق لـ: 27 ماي 2013 11:56

- السّيرة النّبويّة (78) غزوة بدر: في قلب المعركة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في الحلقة السّابقة مبارزة ثلاثة من فرسان الإسلام لثلاثةٍ من رؤوس الشّرك والكفران، وكيف سقطت أرواح الكافرين في ساحة بدر لتنتقل إلى رحلتها نحوَ الجحيم، وبئس المصير.

رأينا ابتهاج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفرسانه، وفرَحَه لانتصارهم.

عندئذٍ تحمّس المؤمنون لمعانقة الشّهادة، فساحة بدر قد تعطّرت، وحور الجنان قد تزيّنت. 

وازداد حماسُهم عندما سمعوا بالمدد من السّماء الثّالثة، وفي مقدّمتهم جبريل عليه السّلام .. جبريل الّذي كان يفخر بالملائكة الّتي قاتلت ببدر.

ففي الصّحيحين: جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ )) - في رواية قال: (( خِيَارُنَا ))- قالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

وكان بيد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حفنة من الحصى، تراه يحملُها ليحقّق ما كان قد أشار إليه وهو في مكّة.

نذكُر جيّدا يوم كان بمكّة قولَ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما:" إِنَّ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، فَتَعَاقَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى وَنَائِلَةَ وَإِسَافٍ، لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا لَقَدْ قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ !

فَأَقْبَلَتْ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَبْكِي، حَتَّى دَخَلَتْ علَى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَاقَدُوا عَلَيْكَ ! لَوْ قَدْ رَأَوْكَ لَقَدْ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ ! فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ ! فقالَ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَا بُنَيَّةُ ! أَرِينِي وَضُوءًا )) فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَا هُوَ ذَا ! وَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَسَقَطَتْ أَذْقَانُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، وَعَقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ، فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ بَصَرًا، وَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَقْبَلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى قَامَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ التُّرَابِ، فقَالَ: (( شَاهَتْ الْوُجُوهُ ! ))، ثُمَّ حَصَبَهُمْ بِهَا.

يقول ابن عبّاس رضي الله عنه: فَمَا أَصَابَ رَجُلًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحَصَى حَصَاةٌ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا [رواه الإمام أحمد].

وبدأت المعركة.

فلننظر اليوم إليه صلّى الله عليه وسلّم: روى ابن إسحاق عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ حفنةً من الحصباء، فاستقبل قريشا بها، ثمّ قال: (( شَاهَتِ الوُجُوهُ )) ثمّ نفحهم بها.

رمى بها وجوهَ العدوّ، فلم تترك رجلاً منهم إلاّ ملأت عينيه، وشُغِلوا بالتّراب في أعينهم، وشُغِل المسلمون بقتلهم، فأنزل الله في شأن هذه الرّمية على رسوله صلّى الله عليه وسلّم:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17].[1]

وفي رواية أخرى عند الطّبراتي (3/227) عن حكيم بنِ حزام رضي الله عنه قال - وكان يومئذ مع المشركين -: لمّا كان يوم بدر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ كفّا من الحصباء فاستقبلَنا به، فرمانا بها، وقال: (( شَاهَتْ الوُجُوهُ ))، فانهزمنا، فأنزل الله عزّ وجلّ:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.[2]

كان الجميع يتذكّر نداء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ )).

فانطلق الصّحابة كالسّهام، فأبلوا البلاء الحسن.

- وكان أوّل من قُتِل من المسلمين: مَهْجَع مولى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ فقد رُمي بسهم فقتل.

- ثمّ رُمِي حارثة بن سراقة أحد الشّباب من بني عديّ بن النجّار، وهو يشرب من الحوض بسهم، فأصاب نحره فقتل. وقد بشّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّها، ففي صحيح البخاري عن أنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بنتَ البَرَاءِ وهيَ أمُّ حَارِثَةَ بنِ سُرَاقَةَ، أَتَتْ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ ؟ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ ؟ قالَ: (( يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى )).

- أمّا عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ رضي الله عنه فقد كان بيده تمراتٌ فألقاها، وقال: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ !

قال أنسٌ رضي الله عنه: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ [رواه مسلم].

- وهذا عمير بن وقّاص أخو سعد بن أبي وقّاص يسقط شهيدا، ذلكم الطّفل الّذي بكى عندما ردّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلم يهنأ حتّى قَبِلَه.

- أمّا سعدٌ رضي الله عنه، فكان يقاتل بضرواة، كأنّه يقاتل عن أخيه الصّغير ! شاهده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فتعجّب منه ومن شجاعته:

روى البزّار (2/315) بسند قويّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:" كان سعد رضي الله عنه يقاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر قتال الفارس والرّاجل ".

- وترى أسد الإسلام حمزة رضي الله عنه يُثخِن في العدوّ، ويشقّ صفوف الوثنيّين بسيفه، يتساقطون أمامه واحدا واحدا. وكان من ضحاياه رجل من مشاهير قريش هو: طعيمة بن عديّ أخو المطعم بن عديّ. ورأى المشركون ما يفعله حمزة، فمنهم من عرفه، ومنهم من لم يعرفه، وكان أميّة بن خلف يرتعد خوفا ويقول لمن حوله:" ذاك الّذي فعل بنا الأفاعيل ".

- وترى الزّبير رضي الله عنه يُذيبُ الحديد بسيفه، ففي صحيح البخاري قالَ الزّبَيْرُ رضي الله عنه:" لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهُوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ، فَمَاتَ.

- وانطلق فَتَيَان يتسابقان المجدَ نحو رأس أبي جهل، ولم يُثبِّطْهما التفافُ المشركين حوله: يقول عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه:-كما في صحيح البخاري-:" فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ ... فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ، حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: (( أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟)) قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ ! فَقَالَ: (( هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟)) قَالَا: لَا ! فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: (( كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ )).[3]

- وهكذا يسقط أكبر طواغيت قريش على يد شابّين صغيرين من شباب الأنصار، فتراه الآن صريعا تدوسه الأقدام، وضاعت الزّعامة وضاعت الأحلام. سقط على التّراب الّذي طالما كان يتثره في وجوه المساكين والضّعفاء .. سقط بعد أن قضى خمسة عشر سنة في محاربة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ! لم يبق منه سوى عينين زائغتين تضعفان كلّما رأى سقوط طاغوت آخر.

- طاغوت آخر من طواغيت قريش يسقط بين أيدي المؤمنين، يهوي إلى الأرض ويسقط سيفه، ويسقط معه شركه، ولكنّه ما زال حيّا، فيقوده فرسان الإسلام أسيرا ذليلا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إنّه: عقبة بن أبي مُعَيطٍ.

كلّنا يتذكّر ذلك اليوم الّذي عزم فيه هذا الطّاغية على قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، روى البخاري عن عرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ قالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عمْرٍو رضي الله عنه عنْ أشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ قالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلى النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فقالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ؟!

ها هو عُقبةُ اليوم يجرّه عليٌّ رضي الله عنه، ويسحبه من بين الأسرى الّذين سنرى تردّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم، ولكنّه في هذا الرّجل لم يتردّد .. جيء به إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يا محمّد ! من للصِّبْية ؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( النَّارُ ! )).

قتله بكلمة قبل أن يقتله بالسّيف.

- وها هو طاغوت ثالث يرتطم بالأرض .. مات قبل أن يموت مائة مرّة .. إنّه: أميّة بن خلف.

لم ينفعه اليوم أبو جهل، فهو اليوم يتلبّط بدمائه.. ولا فرسه الّذي اشتراه بأغلى الأثمان فهو اليوم غنيمة للمؤمنين .. حتّى ولده الّذي ادّخره لمثل هذا اليوم يلقى المصير نفسه.

وفجأةً، شعر أميّة بأنّ في الحياة بقيّة، وأنّه لا يزال هناك أمل في النّجاة، فهو يرى من خلال الموت فُرجة للحياة يأتي بها أحد المهاجرين، هو عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه.

روى البخاري عن عبدِ الرّحمنِ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قالَ:

" كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ ...". وكان اميّة يدعُو عبد الرّحمنِ بنَ عوفٍ باسمه القديم: عبد عمرو.

قال عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه - كما في رواية ابن إسحاق بسند حسن -:" فلمّا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنِه عليٍّ، وهو آخذ بيده، ومعي أدراع لي قد استلبتها، فأنا أحملها فرآني قال: عبدَ عمروٍ ! فلم أُجِبه، فقال: يا عبد الإله ! فقلت: نعم. قال: هل لك فيَّ ؟ فأنا خير لك من هذه الأدراع الّتي معك ؟ قلت: نعم ها الله ...".

وفي تتمّة رواية البخاري:" خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ ...".

فاطمأنّ أميّة، وصار يحدّثُ عبدَ الرّحمنِ بنَ عوف رضي الله عنه عن اللّبن الّذي سيشربه من نياق أميّة، واسترخت أعصابه فاسترسل في الحديث، حتّى قال:" يا عبد الإله، من الرّجل منكم المعلّم بريشة نعامة في صدره ؟ قال: فقلت: حمزة. قال: ذلك الّذي فعل بنا الأفاعيل ".

وبينما هما كذلك، إذْ بصرخةٍ من بعيد اتّسعت لها عيون أميّة وابنُه ! صرخة قلبت أرض بدر على رأس أميّة من جديد .. يقول عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه كما في صحيح البخاري:

" فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ، فَخَرَجَ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ! لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ ".

فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ لَهُمْ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ ! فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ.

وانتهت قصّة وحياة أميّة كما انتهت قصص وحياة كثير من أمثاله الّذين قضوا حياتهم في التّعذيب والتّنكيل بالمؤمنين والضّعفاء والمساكين.. انتهت حياته على يد من كان يتفنّن في تعذيبه على رمضاء مكّة: بلالٌ رضي الله عنه الّذي اشتراه أبو بكر رضي الله عنه وهو مدفون بالحجارة.



[1] ( تنبيه ): قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد":

" وقد ظنّ طائفة أنّ الآية دلّت على نفي الفعل عن العبد وإثباته لله، وأنّه هو الفاعل حقيقة، وهذا غلط منهم من وجوه عديدة مذكورة في غير هذا الموضع، ومعنى الآية: أنّ الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداءً الرّمي، ونفى عنه الإيصال الّذي لم يحصل برميته، فالرّمي يراد به الحذف والإيصال، فأثبت لنبيّه الحذف، ونفى عنه الإيصال "اهـ.

[2] صحّحه الشّيخ مقبل رحمه الله في "الصّحيح المسند من أسباب النّزول" (ص113).

[3] السّلب يستحقّه من قتل القتيل، وإنّما أفرد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحدهما لأنّه رأى أنّ سيف معاذ بن عمرو بن الجموح كان أثخن في الجراحة وأشدّ طعنا.

أخر تعديل في الاثنين 17 رجب 1434 هـ الموافق لـ: 27 ماي 2013 12:01

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.