أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الاثنين 17 ذو القعدة 1434 هـ الموافق لـ: 23 سبتمبر 2013 09:50

- السّيرة النّبويّة (79) غزوة بدر: نهاية المعركة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آبله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد سقط من سقط من الكفّار الّذين ملأت جثثُهم أرضَ بدر، ورأى المشركون ما يحدث لقادتهم وأبطالهم ! حينئذٍ أرادوا أن يشدّوا على المسلمين في محاولة أخيرة يائسة.

انطلقوا كأنّهم موجة من اللّهب، ولكنّها وجدت مَوْجاً يطفئها.. لقد كان أشجع النّاس قد ردّهم على أدبارهم.

شجاعٌ كان خلفه سعدٌ الّذي يقاتل كرجلين، والزّبير الّذي يهزم الحديد، وعليّ الّذي يشبه الأسد الهصور، وحمزة الّذي فعل بهم الأفاعيل، وعمر بن الخطّاب الّذي تهابه قريش، وأبو بكر درع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كلّ هؤلاء الّذين صنعوا التّاريخ مرّت بهم لحظات احتمَوْا فيها بأشجع الشّجعان: إنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

روى الإمام أحمد عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ:" لَمَّا حَضَرَ الْبَأْسُ يَوْمَ بَدْرٍ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ، مَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ ".

وفي رواية لابن أبي شيبة (7/354) عنه رضي الله عنه قال: " لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو أقربنا إلى العدُوّ، وكان من أشدّ النّاس يومئذ بأسا ".

وأمام هذا البأس تساقط المشركون من اليأس، وعلموا أنّ جيش محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليس على أرض بدر فقط، وإنّما هو أيضا في سماء بدر.

أحد الّذين أصابهم اليأس - وكان في صفوف المشركين - يحدّث عن ذلك، إنّه جبير بن مُطعم: روى ابن إسحاق عنه قال:" رأيت قبل هزيمة القوم والنّاس يقتتلون مثلَ البِجَاد الأسود أقبل من السّماء مثل النّمل الأسود، فلمّ أشكّ أنّها الملائكة ". 

بقي الشّيوخ تحت الرّايات، وانطق الشّباب يفتكون بأوصال الوثنيّة، وزرع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم الحماس، فبعدما ذكّرهم بما لهم في الجنّة، ذكّرهم بما لهم من الغنائم: (( مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ مِنْ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا )) قال ابن عبّاس رضي الله عنه: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ، وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمْ يَبْرَحُوهَا.

وها هو ذا أحد الأبطال الأشاوس من شباب الإسلام، واسمه عمير بن عامر وكنيته أبو داود المازنيّ، سمع قولَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذاك، فانطلق كالسّهم، فشاهد العجب، يقول - كما في مسند الإمام أحمد - عنه:" إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ، إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي ! فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي ".

كان أحد الملائكة ولا شكّ، فهي الّتي تحزّ الرّقاب، وتجدع الأنوف، امتثالا لقوله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بشّروهم بالنّصر أو بالقتال معهم {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} أي: اضربوا الجماجم والرّؤوس، فذاك أسرع في القتل {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} وهي الأصابع فإذا ضربت الأصابع تعطّل من المضروب القتال.

وبين السّماء والأرض كانت هناك صرخة لا يُدرَى معناها إلاّ بوحي ! صرخة هي نداء لحيزوم ! فمن ذا حيرزم ؟!

روى مسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ ! فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( صَدَقْتَ؛ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ )).

ولكن، أين الشّيطان الرّجيم من هذه الأحداث ؟ أين الشّيطان الّذي نفخ في المشركين حتّى قادهم إلى الأجداث ؟

إنّه بين صفوف المشركين يتلقّى نصيبه من الهزيمة والذلّ والهوان، أخبرنا الله عن حاله ذلك اليوم فقال:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:48].

وقف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتأمّل ما حوله، لقد تهاوت الأجساد على أرض بدر، وتلطّخت بالدّماء والأشلاء.

ومن بقي من أحياء المشركين كانوا صنفين:

صنف تطاير كالشّظايا بين الشّعاب والجبال، وصنف يسوقه المسلمون أسارى في الحبال.

تأمّل صلّى الله عليه وسلّم ذلك المشهد، وتأمّل فرسانه من حوله، فإذا السّاحة صمت حزين ورهيب .. منظر لا يسرّ .. فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يحبّ لهم ما يحبّه لنفسه، ولكنّهم كانوا من المعاندين. سبعون جسدا من قريش بلا حِراك .. سبعون جسدا من أبناء العمومة والعشيرة .. وفرّ أصحابهم وتركوهم للرّمضاء والغبار واتّجهوا إلى الشّعاب والجبال.. وتركوا عددا مماثلا أسْرى بين القيود والحبال.

وفي وسط ذلك الصّمت الرّهيب.. شقّه صوته صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: (( مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ ؟)).

أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُلتمس أبو جهل في القتلى، كأنّه علم أنّه لم يلفِظ بعدُ أنفاسَه الأخيرة. فتقدّم رجل نحيل الجسم دقيق الساّقين، كان يرعى الغنم بمكّة، وكان أبو جهل يستضعفه فيؤذيه، تقدّم وقال: أنا يا نبيّ الله.

روى البخاري ومسلم عن أنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ بَدْرٍ: (( مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ ؟ )) فَانْطَلَقَ ابنُ مَسعُودٍ رضي الله عنه فوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ[i]، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبَو[ii] جَهْلٍ ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ؟.. فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي !

أي: وهل هناك شرف أعظم من رجل قتله الصّابئون لشدّة عداوته لهم ! ولكنّ الشّيء الّذي ساءه هو أن يقتله فلاّحون، يقصد بذلك الأنصار.

وفي حديث ابن عبّاس رضي الله عنه عند ابن إسحاق والحاكم قال ابن مسعود رضي الله عنه:" فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه، فقلت: أخزاك الله يا عدوّ الله ! قال: وبما أخزاني ؟ هل أعمد رجلٌ قتلتموه ثمّ قال:" لقد ارتقيت يا رويع الغنم ! مرتقًى صعبا ". ورووا عنه أنّه قال: " أنبئ محمّدا أنّي لم أندم قط على عداوته".

فأيّ روح خبيثة تلك الّتي بين جنبيه ؟! لقد كان جثّة هامدة، ومع ذلك لم يَلِن قلبه لذكر الله !

فماذا فعل ابن مسعود رضي الله عنه حينئذ ؟

روى الإمام أحمد والطّبرانيّ والبيهقيّ في "السّنن الكبرى" عن ابن مسعود رضي الله عنه قالَ: أَتَيْتُ أَبَا جَهْلٍ، وَقَدْ جُرِحَ وَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِي، فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى أَخَذْتُ سَيْفَهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقُلْتُ: قَدْ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ - وفي لفظ -: قَدْ قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ ! قَال صلّى الله عليه وسلّم: (( أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟)) وفي لفظ: (( أَنْتَ قَتَلْتَهُ ؟)) قُلْت: نَعَمْ ! قَالَ: (( آللَّهِ ؟-مَرَّتَيْنِ-)) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (( فَاذْهَبْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ))، فَذَهَبَ، فَأَتَاهُ وَقَدْ غَيَّرَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ شَيْئًا، فلّمّا وَقفَ عَلَيْهِ قَالَ: (( هَذَا فِرْعَوْنُ أُمَّتِي )).

هاهو أبو جهل الّذي جمع الشّرك كلّه، ورفض الإسلام كلّه .. أبو جهل الّذي وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم بأنّهم أكْلة جزور .. تراه يسقط على أرض بدر دون أن يشفي غليله ولو بضربة واحدة .. أمّا سيفه فلم تصدر منه إلاّ ضربة واحدة اتّجهت نحو صاحبه .. فمات بسيفه .. حتّى سيفه اغتاظ من عناده وكفره فمال عليه ! والتّاريخ يُكتب للطّغاة بحبر المستضعفين الّذين طالما أذلّهم وأخافهم في شوارع مكّة وأزقّتها، بل وفي بيت الله الحرام.

ولعلّه تذكّر في آخر لحظاته، أو ذكّره ابن مسعود رضي الله عنه ذلك اليوم الّذي ألقى فيه سلا الجزور على ظهر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي بالكعبة، وصار أميّة وعقبة بن أبي معيط وعتبة، وشيبة، وأبو جهل يضحكون، فرفع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته داعيا عليهم - وكان إذا دعا دعا ثلاثا -: (( اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -)) فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سَمَّى: (( اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ ! وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ! وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ! وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ! وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ! وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ! )) قال ابن مسعود رضي الله عنه راوي هذا الحديث:" فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم صَرْعَى في القَلِيبِ قَلِيبِ[iii] بَدْرٍ، وَقَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا )).

نعم، أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تُقذف تلك الجثث الخبيثة المنتنة في بئر خبيث كان بأرض بدر. روى البخاري ومسلم عنْ أنسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عنْ أبِي طَلْحَةَ أنّ نَبِيَّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ.

إلاّ أميّة بن خلف، فقد روى ابن إسحاق عن عروة بن الزّبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالقتلى أن يُطرحوا في القليب، طرحوا فيه إلاّ ما كان من أميّة بن خلف، فإنّه انتفخ في درعه، فملأها، فذهبوا ليحرّكوه فتزايل لحمه، فأقرّوه، وألقوا عليه ما غيّبه من التّراب والحجارة.

لم يُدفن كبقيّة النّاس ! تفسّخ لحمه فتركوه وعليه الحجارة، وبلال ينظر إلى من كان قد دفنه بالأمس تحت الحجارة .. فما أفظع عاقبة الظّالمين ! وما أعظم دعوة المضطهدين !

ومن الجدير بالتّنبيه عليه أنّ ابن مسعود رضي الله عنه محِقّ في قوله، فهو وجد أبا جهل لم يلفِظ أنفاسه الأخيرة، ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عَدَّ الضّربة الّتي أبردته - وهي ضربة معاذ بن عمرو بن الجموح -، أمّا معوّذ بن عفراء رضي الله عنه فإنّه لن يعود إلى المدينة؛ فإنّه قتل شهيدا .. ما أصغر سنّه ! وما أعظم قدره !



[i] من حمل ( برد ) على معنى (مات) استشكل الأمر، ورجّح رواية من روى ( برك )، ولكنّ الحافظ حمل قوله ( برد ) على أنّه أشرف على الموت، ومنه تسمية السّيوف بوارد أي: قواتل، وقيل إنّ معنى برد: سكن، ومنه قولهم: جدّ في الأمر حتّى برد، أي سكن وفتر، وقولهم عن النّبيذ إذا فتر عن غليانه برد النّبيذ.

[ii] أكثر الرّوايات فيها: أنت أبا جهل ؟ ولعلّه على لغة من يُلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقا.

[iii] قال الخطّابي: القليب: البئر الّتي لم تطو، وإنمّا هي حفيرة قُلِب ترابها فسمّيت قليبا.

أخر تعديل في الاثنين 17 ذو القعدة 1434 هـ الموافق لـ: 23 سبتمبر 2013 11:25

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.