أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 05 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 11 نوفمبر 2010 12:33

- شرح الأسماء الحُسنى (12) الحـكـيـم عزّ وجلّ

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ آخر ما تطرّقنا إليه من أسماء الله عزّ وجلّ الجليلة ( الواسع )، و( المحيط )، وإنّه سبحانه وتعالى لسعة علمه وقدرته، ولإحاطته بكلّ شيء، اتّصف بالحكمة، وكان من أسمائه عزّ وجلّ:

20- الحـكـيـم عزّ وجل.

اسم وصفة ثابتان لله تبارك وتعالى في الكتاب والسنّة، قال تعالى:{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: من الآية32]، وقال:{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: من الآية73]، وغير ذلك من الآيات الّتي لا تُحصى.

 

والسنّة زاخرة بإثبات هذا الاسم الكريم.

* معنى اسم الله ( الحكيم ):

اشتُقّ الاسم الكريم من ( الحكمة )، ولها معانٍ:

- الأوّل: وضع الشّيء في محلّه وموضعه وإتقان العمل. قال في "لسان العرب":

" قيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يُحسِن دقائق الصّناعات ويتقنها (حكيم)".

- الثّاني: الحُكْم. قال في "لسان العرب":

" وهو: الحكيم له الحكم سبحانه وتعالى، قال الأزهريّ: من صفات الله الحَكَم والحكيم والحاكم، ومعاني هذه الأسماء متقاربة.

وهذا له أصل في اللّغة لأنّ الحكم هو: المنع والقضاء، وسمّي القاضي حاكما لأنّه يمنع كلاّ من المتخاصمين من الاعتداء، ومنه حَكَمَة اللِّجام.

لذلك جمع ابن الأثير بين المعنين فقال:" في أسماء الله تعالى الحَكَم، والحَكِيم، وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي. فهو فعيل بمعنى فاعل، مثل قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم، أو هو: الّذي يُحكِم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مُفْعِل "اهـ.

- الثّالث: العلم. قال الجوهريّ رحمه الله:

" الحكمة من العلم، والحكيم: العالم وصاحب الحكمة، وقد حكم أي: صار حكيما، قال النّمر بن تولب:

وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ بُغْضًا رُوَيْدًا إِذَا أَنْتَ حَاوَلْتَ أَنْ تَحْكُمَا

أي: إذا حاولت أن تكون حكيما، والحكم: العلم والفقه، قال الله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا}.

وكلّ هذه المعاني لا شكّ أنّها ثابتة لله تبارك وتعالى، فهو العليم، وواضع الأشياء في مواطنها، والحاكم لا معقّب لحكمه.

قال الشّيخ خليل هرّاس رحمه الله في " شرح النّونية " (2/75):

" ومن أسمائه الحسنى سبحانه ( الحكيم )، وهو إمّا:

فعيل بمعنى فاعل، أي: ذو الحكم، وهو القضاء على الشّيء بأنّه كذا أو ليس كذا.

أو فعيل بمعنى مُفعِل، وهو الّذي يُحكم الأشياء ويُتقنها "اهـ.

قال ابن القيّم رحمه الله في " النّونيّة ":

وهو الحكيم، وذاك من أوصافه *** نوعان أيضا ما هما عدمان

حُكم وإحكـام فكلّ منهـما *** نوعـان أيضا ثابتا البرهان

ويقصد بقوله " الإحكام نوعان أيضا "، ما ذكره السّعدي رحمه الله فقال:

" وحكمته عزّ وجلّ نوعان:

أحدهما: الحكمة في خلقه: فإنّه خلق الخلق بالحقّ، وكان غايته والمقصود به الحقّ، خلق المخلوقات كلّها بأحسن نظام، ورتّبها أكمل ترتيب، وأعطى كلّ مخلوق خلقه اللاّئق به، بل أعطى كلّ جزء من أجزاء المخلوقات، وكلّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحد من خلقه خللا ولا نقصا ولا فطورا.

فلو اجتمعت عقول الخلق من أوّلهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرّحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا، وأنّى لهم القدرة على شيء من ذلك..

وقد تحدّى عباده أن ينظروا ويكرّروا النّظر والتأمّل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا ؟ وأنّه لا بدّ أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته[1].

النّوع الثّاني: الحكمة في شرعه وأمره: فإنّه تعالى شرع الشّرائع وأنزل الكتب، فهل هناك كرم أعظم من هذا ؟!

فإنّ معرفته تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وحمده وشكره والثّناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق .. كما أنّها هي السّبب الوحيد للوصول إلى السّعادة الأبديّة والنّعيم الدّائم، فلو لم يكن في شرعه، وأمره إلاّ هذه الحكمة العظيمة الّتي هي أصل الخيرات وأكمل اللّذّات لكانت كافية شافية.

هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كلّ خير، فأخباره تملأ القلوب علما ويقينا وإيمانا وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب، ويزول انحرافها، وتُثمر كلّ خُلُق جميل، وعمل صالح وهدى ورشد.

ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصّلاح والإصلاح للدّين والدّنيا، فإنّه لا يأمر إلاّ بما فيه مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلاّ عمّا مضرّته خالصة أو راجحة ".اهـ.

قال ابن القيّم رحمه الله:

والحكمة العُليا على نوعين أيـ *** ـضا حُصّلا بقواطع البُرهـان

إحكام هذا الخلـق إذ إيجـاده *** في غـاية الإحكام والإتـقـان

والحكمة الأخرى فحكمة شرعه *** أيضـا وفيـها ذانك الوصـفان

ثمرات الإيمان ومعرفة هذا الاسم الكريم.

1-معرفة معنى الحكمة الحقيقي، وأنّها وضع الشّيء موضعه:

وليس معناها الرّفق كما يُفهم من كلام أكثر النّاس، بل إنّ من الحكمة التشدّد وقت الشدّة، والرّفق وقت الرّفق، لذلك قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]، فكانت الغلظة مع هؤلاء هي عين الحكمة. وقد قال الشّاعر:

ووضع النّدى في موضع السّيف بالعُلا *** مُضرّ، كوضع السّيف في موضع النّدى

إن أنت أكرمت الكريـم ملكتـه *** وإن أنت أكرمـت اللّئيم تـمـرّدا

2- الانقياد لشرع الله تعالى:

وذلك لأنّ أفعاله وأقواله، وأوامره ونواهيه كلّها خير، وإن جهل العبد الحكمة من ذلك كلّه، فالواجب على العبدِ أن يطمئنَّ إلى كلّ أمر أمره الله به، وينتهي عن كلّ ما نهى الله عنه، لأنّه من أمر ونهي حكيم خبير، فلا يقدّم العبد على شرع الله تعالى عقلا، ولا واقعا، ولا رأيا، ولا تجربة، ولا ذوقا.

3- أنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة:

فالظّلم وضع الشّيء في غير موضعه، لذلك عَدَّ الله الشّرك ظلما، لأنّه عبادة ليست في موضعها.

وقد حرّم سبحانه الظّلم على نفسه، فقال:{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النّساء:40] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47].

لذلك كان على العبد أن لا يظنّ أنّ في أوامر الشّرع ونواهيه وقدره بخسا ونقصا، وإلاّ كان قد اتّهم الله تعالى بالجهل والظّلم.

4- إنّ إثبات الحكمة لله تعالى فيه إثبات للقياس في الشّريعة:

ومن نفى الحكمة أنكر القياس كابن حزم رحمه الله، ومن نفى الحكمة وأثبت القياس كان متناقضا كالأشاعرة.

فمن الظّلم لله نفي الحكمة عنه، ومن الظّلم للشّريعة نفي القياس عنها، قال ابن القيّم رحمه الله في "أعلام الموقّعين"(1/131):

" قال تعالى:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ}، فالقياس في ضرب الأمثال من خاصّة العقل، وقد ركّز الله في فِطَر النَّاس وعقولهم التّسويةَ بين المتماثلين وإنكار التّفريق بينهما، والفرقَ بين المختلفين وإنكار الجميع بينهما، ومدار الاستدلال جميعِه على التّسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين "اهـ.

وقال في (1/195): " وأمّا أحكامُه الأمريّة الشّرعية فكلّها هكذا، تجدها مشتملة على التّسوية بين المتماثلين وإلحاق النّظير بنظيره، واعتبار الشّيء بمثله، والتّفريق بين المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر، وشريعته سبحانه منزّهة من أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه، ثمّ تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها، أو أزيَدَ منها.

فمن جوّز ذلك على الشّريعة فما عرفها حقّ معرفتها، ولا قدَرها حقّ قدرها، وكيف يُظنّ بالشّريعة أنّها تبيح شيئا لحاجة المكلّف إليه ومصلحته ثمّ تحرّم ما هو أحوج إليه، والمصلحة في إباحته أظهر ؟ وهذا من أمحل المحال "اهـ.

5- في إثبات الحكمة إغلاقٌ لباب "الحيل":

والّذي يحتال على الشّرع يطعن في حكمة الله تعالى، لذلك كان جزاؤه اللّعنة، والمسخ الحسّي والمعنوي، لأنّه قلب حقائق الأمور، فقلب الله خلقته، والصّحابة ومن تبعهم بإحسان على إبطال الحيل:

واحكـم لكلّ عامـل بنيّته *** واسدُد على المحتال بـاب حيلته

فإنّما الأعـمـال بالنيّـات *** كما جـاء فـي خبـر الثّقـات

واستمع إلى قوله تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163] حتّى قال:{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:166]. وجاء الشّرع بالحكم بذلك على كلّ محتال:

روى أصحاب السّنن الأربعة عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ )).

وروى ابن ماجه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ: (( هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ )). فانظر كيف مسخ الله صورته المعنويّة فشبّهه بالتّيس ؟!

ومنه الاحتيال على أكل الرّبا، وذلك ببيع العينة.

ومنه الاحتيال على أكل الحرام في البيع، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (( قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ )).

قال ابن القيّم رحمه الله في (1/196):

"ولذلك كان من المستحيل أن يشرّع الله ورسوله من الحيل ما يسقط به ما أوجبه أو يبيح به ما حرّمه، ولعن فاعلَه، وآذنه بحربه وحرب رسوله وشدّد فيه الوعيد، لما تضمّنه من المفسدة في الدّنيا والدّين، ثمّ بعد ذلك يُسوّغ التوصّل إليه بأدنى حيلة، ولو أنّ المريض اعتمد هذا فيما يحميه منه الطّبيب، ويمنعه منه لكان مُعِينًا على نفسه، ساعيا في ضرره، وعُدّ سفيها مفرطا "اهـ.

6- الجزاء من جنس العمل.

من تمام حكمة الله تعالى أنّه أجرى سنّته من باب الجزاء من جنس العمل، قال ابن القيّم رحمه الله:

(( لذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشرّ، فمن ستر مسلما ستره الله، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أقال نادما[2] أقاله الله عثرته يوم القيامة، ومن تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته، ومن ضارّ مسلما ضارّ الله به، ومن شاقّ شاقّ الله عليه، ومن خذل مسلما في موضع يحبّ نصرته فيه خذله الله في موضع يحبّ نصرته فيه، ومن سمح سمح الله له، والرّاحمون يرحمهم الرّحمن، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء، ومن أنفق أنفق عليه، ومن أوعى أوعى عليه، ومن عفا عن حقّه عفا الله له عن حقّه، ومن جاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه.

فهذا شرع الله، وقدره، ووحيه، وثوابه، وعقابه، كلّه قائم بهذا الأصل وهو إلحاق النّظير بالنّظير، واعتبار المثل بالمثل ))اهـ.

ولمّا كانت الحكمة معناها وضع الحكم في موضعه، ناسب أن نتحدّث عن اسم: الحكم، وذلك في حلقة مقبلة إن شاء الله.



[1] يشير إلى قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}.

[2] قوله (نادما) أي: مسلما ندم في شرائه أو بيعه، قال في " عون المعبود ":

" ( من أقال مسلما ) أي بيعه ( أقاله الله عثرته ) أي غفر زلته وخطيئته. قال في "إنجاح الحاجة": صورة إقالة البيع إذا اشترى أحد شيئا من رجل، ثمّ ندم على اشترائه، إمّا لظهور الغبن فيه، أو لزوال حاجته إليه، أو لانعدام الثّمن، فردّ المبيع على البائع وقبل البائع ردّه، أزال الله مشقّته وعثرته يوم القيامة، لأنّه إحسان منه على المشتري، لأنّ البيع كان قد بُتَّ فلا يستطيع المشتري فسخه انتهى ".

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 12:05

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.