أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 01 ربيع الأول 1440 هـ الموافق لـ: 09 نوفمبر 2018 21:43

السّيرة النّبويّة (101) غزوة أُحُد: في قلب الفاجعة (2)

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، وبعد:

كان آخر ما طرق أسماعنَا: تلك الصّرخة الّتي دوّت في ساحة أحـدٍ: إنّ محمّدا قد قتل !

خبرٌ أضحت القلوبُ له فارغة.. خبرٌ سمعه الزّبير بن العوّام رضي الله عنه .. فقد قال -كما في "سيرة ابن إسحاق"-:" مالت الرّماة إلى العسكر حين كشفَناَ القومُ عنه يريدون النّهبَ، وخلّوا ظهورنا للخيل، فأُتِينَا من أدبارِنا، وصرخ صارخٌ: ألا إنّ محمّدا قد قتل ! فانكفأنا، وانكفأ علينا القوم ".

إلاّ رجلا واحدا .. رجلٌ واحد لم ينكفئ .. كان يقاتل عن معركتين: عن بدر وأحُدٍ.. هو الّذي عاهد الله قائلا: ( لَئِنْ اللهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ ).. إنّه أنسُ بنُ النّضر رضي الله عنه. يقول أنس رضي الله عنه -والحديث في الصّحيحين-:

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ-يَعْنِي أَصْحَابَهُوَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ-يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ-ثُمَّ تَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ !-وَاهًا لِرِيحِ الجَنَّةِ !- الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ ! إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ !.

قَالَ سَعْدٌ للنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ ".

قَالَ أَنَسٌ: " فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ .. وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ..

كان وجههُ مشوّها، وجسدُه ممزّقا .. ولكن .. إذا كان مشوّها هذا التّشويه، فكيف عُرِفَ ؟

قال أنس رضي الله عنه:" فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ، إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ.قَالَ: كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ )).

المهمّ أنّه لم يتراجع، ولئن كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم شهيدا فليلحق به أنس بن النّضر رضي الله عنه..

أمّا بعض الصّحابة فقد أذهلهم الخبر، ففضّلوا الموت على ما مات عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. أحدهم فارس لا يعرفه منّا أحد، ولكنّ الله يعلم من هو ؟ جاء في صحيح البخاري ومسند أبي يعلى -واللّفظ له- عن سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه أنّه وصفه بقوله:" ما رأينا مثلَ ما أوتِي فلانٌ، لقد فرّ النّاس وما فرّ، وما ترك للمشركين سادةً ولا قادةً إلاّ أتبعهم يضربهم بسيفِه ".

وسقط على أرض المعركة رجلٌ فقير، ولكنّه كان بحجم الدّنيا.. إنّه:

مصعب بن عمير رضي الله عنه..

الّذي خرج من ثروته وزينته ليلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم .. مصعب الّذي خرج وحيدا ليعلّم جيلا من أجيال المدينة.. خرج اليوم إلى أُحُدٍ لا يملك إلاّ سيفَه ورداءَه، وقرآنا يملأ صدره .. سقط لتبكِيَه المدينة ومكّة .. ويبكيه أحدُ الصّحابة بعد مدّة، والطّعام بين يديه.. إنّه عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه.

روى البخاري أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه أُتِيَ بِطَعَامٍ، وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ:

" قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رضي الله عنه وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ.. وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا " ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.

وتذكّره يوما رفيقُ دربِه وأعزُّ صحبِه، خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه.. روى البخاري عنه قالَ:" هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ ابْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ..".

رضي الله عن مصعب .. ورضي الله عن ذلك الشّاب العروس، الّذي ترك فاتِنَتَه ليموت دون دينه ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم، إنّه:

حنظلة بن أبي عامرٍ رضي الله عنه..

كان قبل موته في صراع مع شجاع من صفوف المشركين .. كان يبارز أبا سفيان بنَ الحارثِ بنِ عبدِ المطّلب ابنِ عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. وكان لا يزال على شركه.. وقد تغلّب عليه حنظلة بن أبي عامر، وكاد يُطيح برأسه، ولكن ...

روى ابن حبّان والحاكم عن عبدِ الله بنِ الزّبَيْر رضي الله عنه قالَ: كانَ النّاسُ انهزمُوا على رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى انتهى بعضُهم إلى جبلٍ بناحية المدينة، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان حنظلةُ بنُ أبي عامِرٍ رضي الله عنه التقَى هو وأبو سفيانَ بنُ الحارث، فلمّا استعلاه حنظلةُ، رآه شدّادُ بن الأسود، فعلاه شدّاد بالسّيف حتّى قتله، وقد كاد يقتلُ أبا سفيان ".

ليس لحنظلة سوى ذراعين .. باغته شدّاد وأرسله إلى الآخرة شهيدا .. فقال رسولٌ الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه: (( إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تَغْسِلُهُ المَلاَئِكَةُ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ ؟)) فقالت: خرج وهو جُنُبٌ لماّ سمع الهائِعَة. فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَذَاكَ قَدْ غَسَلَتْهُ المَلاَئِكَةُ )).

ويشهد لهذه القصّة اشتهاره بهذا الاسم عند أئمّة الحديث.

ولم يسافر وحيدا، بل لحق به شابّ يحتفل بشهادته على طريقته الخاصّة المحبّبة.

إنّه عبد الله بن جحش رضي الله عنه. وقد رأينا كيف استشهِد رضي الله عنه.

كلّ هؤلاء كانوا في طريقنا ونحن نبحث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. ولكنّ الموت في كلّ نقطة من نقاط أحد، فتعالوا بنا نحتمي خلف هذا الفاتك المغوار، فإنّه يصول ويجول يبحث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم..

كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يصول ويجول في ساحة القتال ولا يُصدّق حرفا واحدا ممّا تناقلته الألسنة بأنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد قتل.

ولكن، كما أنّه لم يكن له دليل على موته، فهو لا يملك دليلا على حياته، بل كلّ ما حوله يوحي بأمرٍ أعظمَ من ذلك.. لا أثر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أُحُـد ولا على ( عينينولا في الطّريق المؤدّي إلى المدينة !

وهنا بدأ فؤادُه يضطرب بداخله فَرَقاً على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. والحلّ الوحيد لطرح كلّ الشّكوك، وإلقاء جميع الظّنون أن يبحث عنه في القتلى.

فصار يقلّب جثث القتلى .. وكم آلمه الأمرُ وهو يبحث فيرى وجوهَ أصحابِه وأحبابِه من الشّهداء .. وواصل بحثه بمرارة عن الحبيب الأعظم محمّد صلّى الله عليه وسلّم..

لكنّه لم يجده مع القتلى .. فأين ذهبت الظّنون بهذا الشّاب المكسور الحزين ؟ إنّه الآن يظنّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رُفع إلى السّماء !

روى أبو يعلى بسند حسن[1] عن عليّ رضي الله عنه قال: ( لَمَّا انْجَلَى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ أُحُدٍ، نَظَرْتُ فِي القَتْلَى، فَلَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقُلْتُ: " وَاللهِ مَا كَانَ لِيَفِرَّ، وَمَا أَرَاهُ فِي القَتْلَى، وَلَكِنْ أَرَى اللهَ غَضِبَ عَلَيْنَا بِمَا صَنَعْنَا، فَرَفَعَ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وسلّم، فَمَا لِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُقَاتِلَ حَتَّى أُقْتَلَ. فَكَسَرْتُ جَفْنَ سَيْفِي، ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَى القَوْمِ، فَأَفْرَجُوا لِي، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بَيْنَهُمْ )..

أخيرا وَجدَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم .. فكيف وجده ؟! وهل أصابه مكروه ؟!

لقد رأى عليٌّ رضي الله عنه ما لا طاقة له بالصّبر عليه: رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم غارقا في دمائه وأحزانه.. روى البخاري ومسلم عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قالَ: ( جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ[2]، وَهُشِمَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ).

إذن فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يقاتل .. ولكنّه جرح وجهه صلّى الله عليه وسلّم .. ولا شكّ أنّه كان عميقا ممّا لفت انتباه الصّحابة، فكان أوّل ما نقلوه .. وما سبب الجرح ؟

أكثر من تحدّث عن ذلك قال: هما سهمان أصابا وجهَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال غيرهم: هي ضربة جعلت حلقة من حلقات الْمِغْفَر تنغرِزُ في وجهه صلّى الله عليه وسلّم !

وكُسِرت رَبَاعيّتُه.. ثمّ أيّ ضربة هذه الّتي هشمت البيضة على رأسه فوصلت إلى رأسه صلّى الله عليه وسلّم فشجّته ؟!

ولم يكن هذا فقط الّذي أحزن الصّحابة رضي الله عنهم، فقد أحزنهم الحالُ الّتي كان عليها.. روى ابن أبي شيبة بسند صحيح[3] عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: " شُجَّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فِي وَجْهِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَذَلَقَ[4]   منَ العَطَشِ حَتَّى جَعَلَ يَقَعُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ".

وهنا خيّم الصّمت على الصّحابة رضي الله عنهم .. لا أحدَ يمكنه أن يصوّر ذلك الحزنَ الّذي جثا على صدورِهم، وكتمَ صرخاتِهِم ولوعاتِهم في حلوقهم.

وها هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يرى حبيبَه صلّى الله عليه وسلّم، فيهون عليه كلّ شيء ما دام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم على الأرض .. ورأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هؤلاء الأسُودَ الذين كان بينهم: كان حوله أبو بكر، وعمر، وطلحة، والزّبير، وسعد، والحارث بن الصمّة، وأبو طلحة، وابن مسعود، وأكثر من اثني عشر رجلا من الأنصار.

كيف علم الصّحابة رضي الله عنهم بمكانه ؟ وما تفاصيل الأحداث إلى أن اجتمع عليه هؤلاء الأخيار ؟



[1] قال الشّيخ حسين سليم أسد الدّاراني في تحقيقه لمسند أبي يعلى (1/415):" إسناده حسن ". 

[2] بتخفيف الياء، وهي السنّ الّتي تلي الثنيّة من كلّ جانب، ولكلّ أربع رباعيات.

[3] (7/371) قال: حدّثنا عفّان، قال حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزّبير رضي الله عنه.. ورواه من طريق آخر مرسلا قال: حدّثنا محمد بن مروان، عن عمارة ابن أبي حفصة، عن عكرمة.. فذكره.

[4] أي أجهده العطش حتّى خرج لسانه صلّى الله عليه وسلّم.

أخر تعديل في الجمعة 01 ربيع الأول 1440 هـ الموافق لـ: 09 نوفمبر 2018 21:52

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.