أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 16 صفر 1440 هـ الموافق لـ: 25 أكتوبر 2018 08:14

السّيرة النّبويّة (100) غزوة أُحُد: في قلب الفاجعة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، وبعد:

فقد كان الرُّماةُ على جبل ( عَينَين ) بقيادة عبدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه يحمون ظهور المؤمنين، وينضحون الخيلَ بالنّبل منذ الصّبيحة. وقد أدّوا مهمّتهم في غاية الإتقان .. إلى الآن ..

إنّهم في هذه اللّحظات يشاهدون ما لا يمكن أن يوصف: يشاهدون ما حصل للمشركين، وهم يُدَاسون بأقدام المؤمنين .. بل شاهدوا دليلا قاطعا على أنّ المعركة قد انتهت لصالحهم وهو: جمع الغنائم.

وفي خِضمّ تلك الفرحة بالانتصار، قرّر بعضُهم النّزولَ من على الجبل !

هل نسوا وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ! وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ )) ؟

ربّما نسِيَها بعضُهم .. ومن تذكّرها منهم ربّما لفتَ انتباهَه آخرُ كلمة في الوصيّة (( حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ )).

كلامٌ يمكن أن تذيبه نشوةُ الانتصار بالتّأويل. تأخّر الأمر عليهم، ولم يُرسل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحدا إليهم ..

ربّما كان الحال أبلغَ من المقال، فلا حاجة إلى إرسال أَحَد .. فكلّ شيء على ما يرام، فلا بأس من النّزول ولا ملام ..

حكّموا رأيهم واجتهدوا، فصرخوا هاتفين بالغنيمة .. روى البخاري عن البرَاءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنه قالَ:" فَأَنَا -وَاللهِ- رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فقالَ أصْحَابُ عبدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ، الْغَنِيمَةَ ! ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ، فَمَا تَنْتَظِرُونَ ؟ فقالَ عبدُ اللهِ بنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟! قالُوا: واللهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ ".

ومع نزولهم من الجبل وانحدارهم، نزلت وانحدرت الكارثة .. فإنّ العدوّ متربّص بكم{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: من الآية102].. إنّكم غفلتم عن ثغرة من ثغرات خطّتكم ..

في هذه اللّحظات لاحظ المشركون أنّ جبل ( عينين - وصار يسمّى جبلَ الرّماة -) لم يعُد يلقي عليهم شهب الموت الّتي ألقاها هذا اليوم .. لقد رأوا الفراغ الّذي تركه الرّماة، فلم تعد تعوقهم تلك الضّربات الموجعة من السّماء ..

بل تنفّس المشركون الصّعداء، وهم يَرَوْن تحوُّلاً في شبكة الجيش الإسلاميّ الّذي لم يعد أحدٌ يعرف أوّلَه من آخره ! تلك الصّفوف المنظّمة الّتي كانت تقاتل كأنّها بنيان مرصوص تحوّلت إلى خيوط متشابكة !

وصفه أحد الصّحابة فأبلغ، ففي مسند أحمد عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ:".. لَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ، أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعًا، فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَقَدْ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَهُمْ كَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ - وَالْتَبَسُوا، فَلَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَتْ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم ..".

لقد أضحى الجيش النّبوي بين المنطرقة والسّندان كما يقال: إذ استجمع أبو سفيان جيشَ المشركين من جديد، وهم لا يزالون يفوقون ألْفَيْ مقاتل .. لم يُقتل منهم إلاّ سبعون، وكثير منهم أثخنتهم الجراح، ولكنّهم لا يزالون يفوقون المسلمين كثرةً ..

إنّ الكثرة لا تهزم أهل الإيمان كما تقرّر .. ولكن، بشرط امتثال أوامر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. والآن هم يخالفون أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

وصارت المعركة تبتسم للمشركين، وصارت المبادرة بأيديهم .. وما زاد الأمر هولا وخطرا هو أنّ المشركين قد اختلطوا بالمسلمين !

وفي قلب الظُّلمة والفوضى والغبار تعالَت الصّيحات، وارتفعت الآهات .. وإنّها لأصواتُ قومٍ نعرفهم.

يُكملُ ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنه حديثَه السّابق قائلا:" فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَبَسُوا، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ ".

صار المسلمون يُصدّقون كلّ شيء، ويستجيبون لكلّ صارخ .. وخاصّة عندما دوّت صرختان على أرض أحدٍ ..

صرخة حسيل رضي الله عنه: هذا الشّيخ لا يزال يقاتل ويمتّع ناظِريه بمشهد النّصر والظّفر، ويعوّض ما فاته يوم بدر هو وابنُه حذيفة رضي الله عنه .. لكنّ الله يريد أن يمتّعه بالخلود، كما متّع صاحبَه عمرو بن الجموح.

صرخة الشّيطان: فبينما هو على حاله تلك، إذ بصارخٍ يصيح بالمؤمنين .. روى البخاري عن عائشَةَ رضي الله عنها قالت:" هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ ! فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ ..." أي: اختلطوا فصاروا يظنّون أنّهم من العدوّ !

تكمل قائلةً:" فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ ابْنُ الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: أَبِي ! أَبِي ! قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا انْحَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فقالَ حذَيْفَةُ رضي الله عنه: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ ". قالَ عُرْوَةُ: " فوَاللهِ مَا زَالَتْ في حُذَيْفَةَ رضي الله عنه مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللهَ ".

لا ندري ممّ نعجب ؟ أنعجبُ من تلك الصّرخة الّتي انطلقت من إبليس: ( أَيْ عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ !)؟ أي: احترزوا من جهة أخراكم، وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه.

وكان ذلك تخويفا من الشّيطان الرّجيم، وبيّن الله تعالى أمره، وفضح مكره حيث قال:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175].

أم نعجب من الفوضى الّتي عمّت صفوف المسلمين ؟! فقد استغلّ الشّيطان هجومَ المشركين واختلاطَهم بالمسلمين !

ولا تزال عبارة ابن عبّاس رضي الله عنه تدوّي في الآذان: ( فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَبَسُوا، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ ).

ولا تزال صرخةُ حُسَيْلٍ رضي الله عنه تجرحُ الفؤادَ .. لقد قطّعته سيوف المؤمنين خطأً في ذلك الظّلام الّذي أثاره الغبار والحيرة والاشتباك بين الصفّين ..

والأعجَب: إيمانُ ويقين وسلوك حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ! يقول محمود بن لبيد رضي الله عنه:" فقالَ حذيْفَةُ: أَبِي أَبِي !". فقالُوا: وَاللهِ مَا عَرَفْنَاهُ - وَصَدَقُوا -، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:" يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " !

يُقتلُ والدُه وصاحبُه أمام عينيه فلا يتلفّظ بكلمة نابية ! لا قول فاضح، ولا عتاب جارح ! رضي الله عن حسيل، ورضي الله عن حذيفة، ورضي الله عن الرّماة .. ورضي الله عن عتبة بن مسعود أخي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد ذكر ابنُ سعدٍ أنّه هو كان القاتلَ.

ومّما يزيدك تعظيما لحذيفة رضي الله عنه: موقفه من الدّية: قال محمود رضي الله عنه:" فأراَدَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ حُذَيْفَةُ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم "..

تحوّلت المعركة تحوّلا رهيبا.. ولو شاء الله لصرف المؤمنين عن أيدي الكافرين كما صرفهم في بدر، ولكنّ الله لا يريد نصرا ومجدا على أشلاء طاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران: من الآية152]. ولم يقل تعالى: ثمّ نصرهم عليكم .. لأنّ الله لا ينصر أعداءه، ولكن يرفع يدَه لخللٍ في أوليائه.

استشهادُ حمزة رضي الله عنه.

وفي غمار المعركة من هذه المرحلة العصيبة، كانت سيوفُ المشركين تنهش لحومَ فرسان أهل الإيمان، وتسفك دماءَ أهل الإحسان.

وهنا لاح بريقُ الحرّية من بعيد للعبدِ الحبشيّ وحشيّ .. كان لا يزال يترقّب أن يهدأ قليلا هذا الأسدُ الهصورُ الّذي يقاتل بسيفين ويصرخ ( أنا أسد الله، أنا أسد الله ).

كان لا يزال ينتظر الفرصة السّانحة للقضاء على هذا الّذي يحول بينه وبين حرّيته. وبعد أن كاد ييأس من الوصول إلى بغيته، حدث ما حدث، وانكشف حمزة لوحشيّ، فماذا فعلت يا وحشيّ بن حرب ؟!

تتمّة رواية البخاري وابن إسحاق عن وحشيّ قال:" خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصَّرُهُ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ، كأنّه الجمل الأورق يهدّ النّاس بسيفه هدّاً، فَوَاللهِ إِنِّي لَأتَهَيَّأُ لَهُ، أَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةٍ، وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ ...).

إذن فهو يستتر بالأحجار خشية أن يراه هذا الموت الهائل .. فبينما حمزةُ يمشي إلى آخر ضحاياه، إذا بوحشيّ يفتح الله على يديه لحمزة عالم الخلود !

قَال وحشيّ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي [هززْتُ حَرْبَتِي حتَّى رضِيتُ منْهَا] رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ ! قالَ: فكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ ".

هنا فقط انفجرت دماء حمزة، فتساقطت ولكنّه لم يسقط .. التفت إلى طاعِنِه ولاحقَه ! قال وحشيٌّ - كما في سيرة ابن إسحاق -: " وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي، فَغُلِبَ، وَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى العَسْكَرِ، وَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ، إِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ "..

ودّع حمزة رضي الله عنه أصحابه في ساحة أُحُدٍ.. ودّعهم وودّع النّيَّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي ما اغتمّ كما اغتمّ بموته ..

ودّعه بجسده، ولكن ظلّ حمزة في قلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى آخر حياته .. بكى عليه، وصلّى عليه، ولكن لم ينسَه ..

لم ينس أبدا سيفَه الّذي رآه في المنام قد أصابته ثُلمة .. يقول وحشيّ رضي الله عنه:" قَدِمْتُ علَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَلَمَّا رَآنِي، قالَ: (( آنْتَ وَحْشِيٌّ ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (( أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ ؟)) قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ الْأَمْرِ مَا بَلَغَكَ. قَالَ: (( فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي ؟))".. وفي رواية عند الطّيالسي: " فَمَا رَآنِي حَتَّى مَاتَ "..

ودّعَ حمزةُ أصحابَه وهو يراهم في تراجع وانكسار: منهم من فرّ إلى المدينة:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} ..كانوا في غفلة عن جسده الطّاهر الّذي تقدّم إليه رجل مجهولٌ، فأخرج أداةً حادّة فجدع بها أنف حمزة رضي الله عنه، وشقّ بطنه، ومثّل به !

شاهد بعضُ الصّحابة ما فعله هذا المجهولُ بحمزة رضي الله عنه، فذهب ليُخبر النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فانطلق إليه، ولكنْ ..

أين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

وسط هذا الغبار، ووسط هذا الجيش الّذي يكاد ينهار، ربّما كان على جبل ( عَينين ) مع القلّة الباقية من الرّماة.

لكنّ المشركين باغتوهم بأعداد كثيرة .. فاستُشهدوا على قمّة الجبل، ومنهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه.

أمّا على الأرض، فالأمر غامض جدّا .. بل قل: إنّها الفاجعة .. لقد دوّت صرخةٌ تشبه صرخة الشّيطان:

إنّ محمّدا قد قتل ! 

أخر تعديل في الخميس 16 صفر 1440 هـ الموافق لـ: 25 أكتوبر 2018 08:18

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.