أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 08 ذو الحجة 1445 هـ الموافق لـ: 14 جوان 2024 02:49

{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}

الكاتب:  محمّد إلهامي
أرسل إلى صديق

{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}

الكاتب: محمّد إلهامي

[مجلّة أنصار النّبيّ ﷺ - جوان 2024].

بينما نُعِدُّ لهذا العدد الجديد، أخبرت أستاذَنا الفنّانَ الكبيرَ د. علاء اللّقطة، الّذي يُصمِّمُ لنا غلافَ المجلّةِ، بأنّ العددَ سيحُومُ حولَ معانِي الحجّ وغزَّةَ، فما لبِثَ أن جاءَنا بهذا الغلافِ البديع الّذي حوَّلَ مسارَ مقالِي هذا تماماً [1].

كنتُ أخطّطُ لأنْ أكتبَ حول هذه المعانِي:

1) إنّ أولى ما ينبغي الكلامُ فيه الآن هو: كيف ينبغِي أن تَستثمِرَ الأمّةُ موسِمَ الحجِّ في نُصرةِ غَزَّةَ، بدايةً من الدّعاءِ ومروراً بالمقاطعَةِ، والحثِّ على النّصرةِ، وتحريضِ المؤمنينَ، وانتهاءً بالمشاركةِ بالمالِ والسّلاحِ في هذا الجهادِ الشّريف.

2) ما أقربَ الحجَّ من الجهاد! وما أقربَ الجهادَ من الحجِّ!

وقد جاء الاقترانُ بينهما في عددٍ من أحاديثِ النبِيِّ ﷺ، كقوله ﷺ حينَ سُئلَ عنْ أفضَلِ الأعمَالِ: (إيمانٌ باللهِ ورسُولِه، ثمّ الجهَادُ في سبيلِ الله، ثمّ حَجٌّ مبرُورٌ).

وكقولِه ﷺ جواباً لسؤالِ عائشةَ ڤ: نرى الجهادَ أفضلَ العمَلِ، أفلاَ نُجاهِدُ؟ فقال ﷺ: (لكِنْ أفضَلُ الجِهَادِ حَجٌّ مبْرُورٌ). 

ولهذا، فقد أتبعَ بعضُ العلماءِ الحديثَ عنِ الحجِّ بالحديثِ عن الجهَادِ، كما فعل الإمامُ النّوويُّ $ في أشهرٍ كتبه: «رياض الصّالحين».

ففي كلاَ الأمرين: الحجِّ والجهَادِ، يخرجُ المسلمُ من حظِّ الدّنيا ويتركُ الأهلَ والولدَ والدّيارَ، ويتعرّضُ للصِّعاب والمشقّاتِ، وتفرِضُ عليه العبادةَ الزّهدَ في الدّنيَا من ملبَسٍ ومأكَلٍ ومشرَبٍ، ويقتربُ بنفسِه وبقلبِه من يومِ القيامةِ والدّارِ الآخرةِ.

وفي كلا الأمرين: يرَى المسلمُ نفسَه متّبِعاً لخُطُوات نبيِّه ﷺ وخطُواتِ الصّدرِ الأوَّلِ: إمّا في المكانِ كما هو حالُ الحاجِّ، أو في الهديِ والطّريقةِ والسّبيل كما هو في الجهَادِ ...

جاءنِي هذا الغلافُ الّذي ترَوْنَهُ لهذا العددِ .. فدارَتْ رأسِي حقّاً، وأنا أتأمّلُ وجهاً جديداً من الشَّبهِ والقُربِ لم أنتبه إليه:

1) هذه الخيامُ الّتي ينزِلُها الحُجَّاجُ، ما أقربَ مشهدَها بالخِيَامِ الّتي يأوِي إليها النّازحُون المشرَّدونَ الّذين أفلَتُوا من نيرَانِ العدُوِّ الصُّهيُونِي وجحيمِه!

2) وهذا الاغترابُ عن البيوتِ والدِّيارِ، ما أقربَ الشّبهَ فيه بين حاجٍّ وبين لاجِئٍ: كلاهما قد فارقَ أهلَه، واستبدل بِهم أهلاً وجيراناً آخرينَ!

3) وما أقربَ القائمينَ في هذه الخيامِ ممّن يَعِظُون أهلَها عن المناسِك والعبادةِ بالذِّكرِ، بالقائمينَ في خِيامِ النّازِحين، يعِظُونَهم في الصّبرِ والثّباتِ والاستِبْشَارِ بنعِيمِ الجنّةِ، وبالثّوابِ العظيمِ الّذي كتبهُ الله للمجاهدِين وأهلِهم الصّابرين الثّابتين.

هذه مشاهدُ القُربِ .. ولكنْ - كما قيل -: ما أقربَ ما بينهمَا وما أبعدَه!

فهذه الخيامُ ما أقربَها في الشّبَهِ، ولكن ما أبْعَدَ ما بين الخيمتيْن من وسائلِ الرّاحةِ!

وما أبعدَ ما يشعرُ بهِ النّازلون فيها من الأمْنِ ومنَ الخوفِ!

وما أبعدَ الأملَ الّذي يُرفرِفُ على خيامِ الحُجّاج من الكربِ الّذي يُخَيِّمُ على خِيام اللاّجئين!

ما أبعدَ ما بين خيمةِ الحُجّاجِّ فيما مُهِّد لها من الطُّرقِ ومن الخدمةِ وما بين خيمةِ اللاّجئِ الّتي يُعانِي فيها من الحصُولِ على الطّعامِ القليلِ، والماءِ الشّحيحِ، وضروراتِ الحياةِ البسيطةِ الّتي يحتاجُها كلُّ كائنٍ حيٍّ!

...

وبينَ المشهدَيْنِ المُتشَابهيْن والمتباعديْن، اختارَ صاحبُنا الفنّانُ أن يكتبَ قولَه تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]. فيَا لحُسْنِ هذا الاختيارِ!!

كأنّما استدارَ الزّمانُ على هيئتِه مرّةً أخرَى، وتقلّبت صفحاتُ اليومِ ليُشبِهَ آخرُها أولَّها:

* ففي ذلكَ الزّمنِ البعيدِ، نادَى بها إبراهيمُ يسألُ اللهَ أن يُنقذَ زوجَه وابنَه المحرُومَيْن المحتاجَيْن في أرضِ الجدْبِ والصّحراءِ، فما أشبَهَ ذلكَ بحرمانِ المُحاصَرين الّذين أُغلِقَت عليهم المنافذُ والمعابِرُ، حتّى صارَ الطّعامُ والشّرابُ أثمنَ ما يحتاجونَ إليه!

* ما أشبَهَ الكربَ الّذي كانتْ فيه هاجَرُ وابنُها الرّضيعُ إسماعيلُ بالكَرْبِ الّذي فيه الآنَ أهلُ غزَّةَ: لاَ نصيرَ، ولا ظَهيرَ، ولا أَنيسَ، ولا رَفيقَ! كم في غزّةَ الآن من امرأةٍ تشبِهُ أمَّنا هاجرَ، تضربُ الأرضَ وتأكلُها الحيرَةُ بحثاً عن شيءٍ تطعمُه ابنَها الصّغيرَ الّذي يوشِك أن يموتَ من الجوع؟!

وقدِ استجابَ اللهُ دعوةَ إبراهيمَ عليه السّلام، فهذه الخيامُ الكثيرةُ الّتي نراهَا في الحجِّ هي دليلُ الإجابةِ لذلكَ النّداءِ القديمِ البعيدِ، فلقد أقبلَتْ الأفئدةُ تَهوِي إلى البيتِ العتيقِ، ومنها ستصدَحُ الحناجِرُ بالدّعاءِ للمجاهدِين والنّازحين في غزّةَ، وعسَى الله أن يُقِرَّ أعيُنَنَا فيستجيبَ! ونرى المواكبَ تسيرُ إلى غزّةَ ومنها إلى المسجد الأقصَى، تلبِّي وتكبِّرُ وتتلُو آياتِ الفتحِ المبين!

وتأمّل - أخي القارئ - في أنَّ إبراهيمَ عليه السلام حينَ دعَا ربَّه: لم يبدأْ بطلبِ الطّعامِ والشّرابِ، بل بدأَ بطلبِ الأُنسِ والرُّفقةِ والصُّحبةِ، طلبَ أن تَهوِي إليهم الأفئدةُ .. أن تذهبَ إليهم القلوبُ، ثم أردفَ بطلبِ الرّزقِ من الطّعامِ والشّرابِ، قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ}... فلمّا أجابه الله تعالى أخرجَ لهم الرّزقَ: ماءَ زمزم، ثمّ جاء لهم بالنّاسِ!

لكنّ الوقفةَ هنا هي في قولِ إبراهيمَ عليه السلام: {أَفْئِدَةً}..

وقد ذكرَ المفسِّرون أنّ {أَفْئِدَةً} يمكنُ أن تكونَ جمعاً لكلمةِ (وفود)، أو تكونَ جمعاً لكلمة (فُؤاد).. فالمعنى قد يكون: اِجعلْ وفوداً من النّاس تحِنُّ إليهم، وقد يكون: اِجعل قلوباً من النّاس تَحِنُّ إليهم.

ولا يتعارضُ المعنيان؛ فلربّما حنَّتِ القلوبُ وعجزتْ الأجسادُ كما هو حال من لم يستطِعْ أن يحُجَّ ومن لم يستطع أن يُغِيثَ غزّةَ في كربِها، فعجزت الوفود عن الوفود! ولربّما قسَتْ القلوبُ فلم تَحِنَّ ولم تَهْوِ؛ فذلك هو الكفرُ والجحودُ والإعراضُ عن أمرِ الله بالحجِّ، وذلك هو الخيانةُ والخِذلانُ والإعراضُ عن أمرِ الله بنُصرةِ المسلمين المستضعَفين المكروبينَ.

ولهذا استعاذ نبيُّنا ﷺ، وعلَّمنَا أن نستعيذَ في كلِّ صباحٍ ومساءٍ من العجزِ والكسَلِ .. فالعجزُ هو وجودُ الإرادةِ وافتقادُ القدرةِ، والكسلُ هو وجودُ القدرةِ وافتقادُ الإرادة!

نعم، المعركةُ معركةُ قلوبٍ في المقامِ الأوّلِ، ثمّ هي معركةُ قدرةٍ في المقامِ الثّانِي .. وبهما يكون الظّفْرُ، وقد قالَ الشّاعرُ الّذي وجدَ القدرةَ ولم يجدِ العزيمةَ:

( وما تنفعُ الخيلُ الكرامُ ولا القَنَا         إذَا لم يكنْ فوقَ الكرامِ كرامُ )

وقال الآخرُ الّذي وجدَ العزيمةَ وفاتته القدرةُ:

( لا تلُمْ كفِّي إذا السّيفُ نَبَا         صحَّ منِّي العزمُ، والدّهرُ أبَى )

ولئن كانَ حُجّاجُ بيتِ الله الحرامِ قد أكرمَهم الله بالقدرةِ والهمَّة، فها هي الأمّةُ كلُّها تقفُ عاجزةً أمامَ إخوانِهم في غَزَّةَ، بلْ كثيرٌ من قلوبِ غيرِ المسلمين تحرّكت لأجلِ غزّةَ وما استطاعت أن تُغيثَها حتّى الآن بما ينفعُ!

وهذا هو المشهد:

* قومٌ يملكون أن يفعلُوا، ولكنّهم قلوبٌ قاسيةٌ لا تلينُ ولا تحِنُّ، هي قلُوب الأعداءِ المجرمِينَ من الصّهاينةِ، وقلوبُ من يسانِدُهم من الغربِيِّين والأمريكان، ثمّ قلوبُ من يخدُمُهم من أنظمةِ الخيانَةِ والعَمالةِ..

قلوبٌ لا تؤثِّر فيها الدّماءُ ولا الدّمُوعُ ولا الأشلاءُ .. قلوبٌ من الصّفوانِ الصّلدِ الصُّلبِ!

قلوبٌ وصفها الله تعالى بقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74].

* وقومٌ لا يملكُون أن يفعلُوا مهما تقطّعتْ قلوبُهم وتمزّقَت أحشاؤُهم، وضاقت عليهم نفوسُهم وضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبَت.

ومنهم من تعرّضَ في سبيل نُصرة غزَّة بالكلمة والتّغريدةِ ورفعِ العَلمِ والهُتاف، إلى السّجنِ والتّنكِيل والحِرمانِ من شهادتِه الجامعيّة ومن العمل ... إلخ!

بل منهم من قُتِل كما وقعَ قبلَ يومين من كتابةِ هذا المقال منَ الجنودِ المصريِّين الّذين أطلقُوا النّار على قوةٍ إسرائيليّةٍ عند معبَرِ رَفَحَ، فنشبت معركةٌ استُشهِد فيها جنديّانِ.

لقد شرعَ الله هذه العباداتِ الجامعةَ لمقصِديْن كبيريْن:

تطهيرُ القلبِ، والشّعورُ بوَحدةِ الأمّة.

فالمرءُ المسلمُ حينَ يُصلِّي فيعرفُ أنّه في نفسِ هذا الوقتِ يُصلِّي المسلمون مثلَه حولَ العالَم، وحينَ يصومُ رمضانَ فيعرفُ أنّهم يصومون مثلَه في نفسِ هذا الشّهرِ حولَ العالَم، ثمّ هو حينَ يحُجُّ يرى إخوانَه وقد جاؤُوا إلى هذه البُقعةِ ذاتِها من كلّ فجٍّ عميقٍ! في كلّ عبادةٍ من هذه يتقاربُ المسلمون؛ بدايةً من أهلِ الحيِّ الواحدِ الّذينَ تجمعُهم الصّلواتُ الخمسُ، وحتّى أهلُ المعمورةِ كلُّها حين يجمعهُم البيتُ الحرامُ.

وليسَ يمكنُ أن يوجدَ مسلمٌ يلتزِمُ بدينِه، ثمّ هو لا يشعُرُ بإخوانِه المسلمين حولَ العالَم، فكيف إذَا كانت مآسِي المسلمينَ قد أيقظَتْ من كان في قلبِه مثقالُ حبّةٍ من خردَلٍ من فِطرةٍ ولو كان كافراً ؟!

إذا لم تَهْوِ أفئدةُ المسلمينَ الآنَ إلى غزّةَ وإلى السُّودانِ وإلى المسلمينَ في الهندِ وفي بُورمَا وفي تُركِستانَ، فأين ستهوِي وأين ستذهبُ؟!

وإذا هَوَتِ الأفئدةُ والتقتْ الوفودُ، فهل يُعقلُ أو يُقبلُ أن يمضِيَ هذا الاجتماعُ وينفضَّ كأن لم يكنْ؟!

ما كانَ هكذا حجُّ المسلمين منذ زمانِ نبيِّهِم ﷺ، بل كان الحجُّ هو مؤتمرَ المسلمين الأكبرُ، وهو مشهدُهم الأعظمُ، وهو ملتقاهمُ الأضخمُ، فمن أكرمه الله بالحجِّ فلا يفوِّتْ هذه الفرصةَ في نصرةِ إخوانِه المكروبِينَ، ومن لم يكن من أهلِ الحجّ في هذا العالَم فليعلمْ أن واجباً أعظمَ من الحجِّ في انتظارِه: وهو واجبُ نصرةِ المسلمين المستضعَفين المظلومين! وكلُّ امرئٍ أعلمُ بما يستطيع!

فإذا صدقَتْ الأفئدةُ، الّتي هي القلوبُ، ظهر هذا في العملِ، كما قيل: من صحّ منه العزمُ أُرْشِدَ للحيلِ، وهو مأخوذ من قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، ومن قولِ نبيِّنا ﷺ: (ألاَ وإنَّ في الجسَدِ مُضغةً، إذَا صلَحَتْ صلَحَ الجسَدُ كلُّهُ، وإذا فسَدَتْ فسَدَ الجسَدُ كلُّهُ، ألاَ وهيَ القلبُ).

كذلكَ إذا صدقتِ الأفئدةُ، الّتي هي الوفودُ، ظهرَ ذلك في الظّفْرِ، وقد قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ( 174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174، 175].



[1] يشير إلى صورةٍ مُرفقةٍ بالمقالِ لخيامِ اللاّجئين والنّازحينَ المضطهدين من أهل غزّة نصرهم الله.

أخر تعديل في الجمعة 08 ذو الحجة 1445 هـ الموافق لـ: 14 جوان 2024 02:59

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.