وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
قول الرّاوي: (أو قالَ: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِه): قيل: أوْ للتّخييرِ. ويشملُ العاجلُ أمورَ الدّينِ والدّنيا، ويشملُ الآجلُ أمورَ المعادِ والآخرةِ.
واستظهرَ ابنُ حجرٍ $ وغيرُه أنّ (أوْ) للشكّ من الرّاوي، كما تدلّ عليه طرقُ الحديثِ.
[«فتح الباري» (11/186)، و«الفتوحات الربّانية» (3/350)].
وعليه، فلا يُجمعُ بين الرّوايتين، وإنّما يأتِي بإحداهما فقط.
قال ابنُ القيّمِ $ في «جلاء الأفهام» (323-324):
« إنّ النّبِيَّ ﷺ لم يجمعْ بينَ تلكَ الألفاظِ المختلِفَةِ في آنٍ واحدٍ، بلْ:
أ) إمّا أنْ يكونَ قالَ هذا مرّةً، وهذا مرّةً، كألفاظِ الاِستفتَاحِ، والتشهُّدِ، وأذكارِ الرّكوعِ والسّجُودِ، وغيرِها.
فاتّباعُه ﷺ يقتضِي أن لا يُجمعَ بينهَا، بل يُقالُ هذا مرّةً، وهذا مرّةً.
ب) وإمّا أن يكونَ الرّاوي قد شكَّ في أيِّ الألفاظِ قالَ:
فإنْ ترجّحَ عندَ الدّاعِي بعضُها صارَ إليه.
وإنْ لم يترجَّحْ عندَه بعضُها كانَ مُخيّراً بينها. ولم يُشرعْ له الجمعُ؛ فإنّ هذا نوعٌ ثالثٌ لم يُرْوَ عنِ النّبِيِّ ﷺ، فيعودُ الجمعُ بينَ تلكَ الألفاظِ في آنٍ واحدٍ على مقصُودِ الدّاعِي بالإِبطالِ، لأنّه قصدَ متابعةَ الرّسولِ ﷺ، ففعلَ ما لمْ يفعلْه قطعاً» اهـ.
( تنبيهٌ )
- اختلفَ العُلماءُ في موضعِ هذه الجملة (عاجِلِ أمْرِي وآجِلِه):
1) فقيل: هي بدلٌ من الألفاظِ الثّلاثةِ في الرّوايةِ الأولَى: (دِينِي، ومعَاشِي، وعاقبَةِ أمْرِي).
وعليه، فيقولُ: (إنْ كنتَ تعلَمُ أنَّ هذَا الأمرَ خيرٌ لي في عاجِلِ أمْرِي وآجِلِه).
2) وقيل: هي بدلٌ من اللّفظينِ الأخيرَيْنِ في الرّوايةِ الأولى. وعليه، فيقولُ: (إنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذَا الأمرَ خيرٌ لِي في دينِي وعاجِلِ أمرِي وآجِلِه).
3) وقيل: هي بدلٌ من اللّفظِ الأخيرِ في الرّوايةِ الأولى. وعليه، فيقولُ: (إنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذَا الأمرَ خيرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعاجِل أمرِي وآجلِه).
[انظر: «فتح الباري» (11/186)، و«عون المعبود» (4/279)].
والقولُ الثّاني هو الأقربُ، أي: يقول: (إنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذَا الأمرَ خيرٌ لِي في دينِي، وعاجِلِ أمرِي وآجِلِه).
لأنّ عاجِلَ الأمرِ وآجلَه هو مضمونُ قولِه: (ومَعَاشِي، وعاقِبَةِ أمْرِي)، فيكونُ الجمعُ بينَ المَعاشِ وعاجلِ الأمرِ وآجلِه تَكرَاراً، بخلافِ ذكرِ المَعَاشِ والعاقبةِ، فإنّه لا تكرارَ فيه؛ فإنّ المعَاشَ: هو عاجِلُ الأمرِ، والعاقبةُ: آجِلُه.
ومن رأى أنّ ( الدّينَ ) يدخلُ أيضاً في (عاجلِ الأمرِ وآجلِه) فيكون القولُ الأوّلُ صحيحاً كذلكَ.
وما ذكرناه هو مضمونُ كلامِ ابن القيّمِ $.
والله أعلم، وأعزُّ وأكرمُ.