أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- موقف الشّيخ ابن بايس من دعوة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمهما الله

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5].

والمريج هو المختلط، ومنه قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرّحمن: 19].

وسبب الخلط والتخبّط هو ردُّ الحقّ ودفعُه: اتّباعا للشّبهات، أو الرّكض خلف الشّهوات، أو تعصّبا لشيخ أو جماعة أو مشرب، أو بغضا لشخص أو طائفة أو مذهب.

قال ابن القيّم رحمه الله:

" ... فإنّ من ردّ الحقّ مرج عليه أمرُه، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصّواب، فلم يدرِ أين يذهب " ["أعلام الموقّعين" (2/173)].

- قبساتٌ من حياة الشّيخين ابن باديس والإبراهيمي رحمهما الله-

محاضرة أُلقِيت يوم الثّلاثاء 12 جمادى الآخرة 1434 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2013 م

بمسجد " الإصلاح " ببلديّة الأربعاء.

الحمد لله القائل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:

23]، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك كلّه وله الحمد وحده، جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالِّ تائهِ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على النّاس ! وما أقبح أثر النّاس عليهم !

وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، القائل: (( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ))، صلّى الله عليه وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّيبين، وعلى كلّ من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فحديثنا اليوم إنّما هو قبسات - كما هو في عنوان المحاضرة - من حياة رجلين عظيمين من رجال هذه الأمّة. والقبس هو ما يُؤخذ من النّار، كما قال تعالى عن نبيّه موسى عليه السّلام:{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه من: 10]، فإنّنا لا يمكننا أن نُحيطَ بأنوار حياة هذين الشّيخين، فلْنقتَصِر على أخذ قبسات تكون لنا نبراسا يُضيء لنا السّبيل.

-" الفـاضي يعمل قاضـي "

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فأستفتح هذه المقالة، بكلمة الشّيخ مبارك الميلي رحمه الله وهو يُعاني في زمانه من المثبّطين، ويتألّم من مواقف بعض المرجفين، الّذين لا يحملون شيئا إلاّ لواء تتبّع العثرات، وإذاعة الزلاّت والسّقطات.

قال رحمه الله:

" وقد تعدّدت وسائل الإرشاد في هذا العصر، وسهُلت طرقه، فلماذا لا ننهض مع تعدّد الحوافز وتكرّر المخازي ؟

وإذا نهض أحدنا فلماذا لا نعاضِدُه ؟

وإذا لم نُعاضِدْه فلماذا نُعارضه ؟

وإذا عارضناه فلماذا نعارضه بالبهتان ؟

وإذا عارضناه بالبهتان لحاجة، فلماذا يُعارضه من لا ناقة له ولا جمل في المعارضة والبهتان ؟"اهـ

- لماذا الحديث عن الثّبات ؟

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أعظم نعمة يمنّ بها المولى عزّ وجلّ على عباده هي نعمة الهداية إلى الإسلام، ثمّ الاستقامة عليه مدى الأيّام؛ لذلك كان الحديث عن الثّبات حديثاً عن عنوان السّعادة الأبديّة، والفوز برضا ربّ البريّة سبحانه.

وجوابا عن هذا السّؤال الكبير: لماذا الحديث عن الثّبات ؟ فإنّي أقول: إنّ ذلك لأسباب ثلاثة:

السّبب الأوّل: كثرة الانتكاسة ..

- توقـيـر العـلـمـــاء من توقـيـر الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى كلّ من اقتفى أثره واتّبع هداه، أمّا بعد:

فإنّ الله تعالى قد أولى العلم منزلة تفوق كلّ المنازل، ومرتبة تعلو على كلّ المراتب، وخصّ أهله بالانتقاء والاصطفاء، ورفع ذكرَهم في الأرض والسّماء، وإنّي على يقين تامّ أنّه ما من مسلم ولا مسلمة إلاّ وهو يقرّ بكلّ ذلك، لا ينكره ولا يجحده إلاّ زائغ هالك ..

ولكنّ هذه الكلمات إنّما هي من أجل الغفلة الّتي سكنت كثيرا من القلوب، ولا عاصم منها إلاّ علاّم الغيوب ..

هذه الكلمات ما هي إلاّ تذكرة للغافل، وتثبيتا للمجدّ العاقل، وقطعا لحجّة كلّ متكاسل ..

فالمفرّط في العلم وأهله صنفان:

Previous
التالي

الخميس 12 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 18 نوفمبر 2010 23:33

- خواطر من رِحلتي إلى البـقـاع المقـدّسـة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فالحمد لله حمدا يوافي نِعمه، ويدفع نِقمه، ويكافئ مزيده،{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70].

فإنّ هذا المجلس نعقده فصلا خاصّا بين مجالس " التّرغيب والتّرهيب "، وخاصّة ونحن لا نزال في شرح " كتاب الحجّ " والتّرغيب فيه، ونسمّي هذا الفصل إن شاء الله تعالى بـ: ( خواطر من رحلتي إلى البِقاع المقدّسة [1]).

ولا شكّ أنّ الله تعالى عندما أمر بالسّير في الأرض إنّما أمر به لأجل التذكّر والتبصّر، ففي القرآن الكريم أكثر من أحد عشر موضعا يأمر الله فيها بالسّير في الأرض، وذلك للنّظر في عاقبة الّذين كذّبوا من الأمم الخالية.

إلاّ في سورة الحجّ، فإنّه تعالى أمر بالسّير في الأرض ليتذكّر العباد ما هو أعمّ من ذلك، فقال تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].

وذلك لأنّ الحجّ فيه تدبّر وتبصّر بأمور أكثر، وأعظم وأكبر.

وقد امتنّ الله تعالى علينا بأن بلّغنا بيته الحرام، فكان سفرا لا كالأسفار، وكان ليله ونهاره ليس كأيّ ليل ونهار، ممّا حدا بنا إلى التقاط بعض المشاهد التي مرّت على النّاظر، وإلى صيد بعض الفوائد التي جالت بالخاطر.

1- الخاطرة الأولى: فضل الله تعالى على عباده.

فهو سبحانه القائل:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران:74].

إن قدَّسْتَهُ أو سبَّحْتَه أو مجّدْتَه فهو الذي علَّمك، وإن حَمِدْتَه أو كبَّرْتَه أو وحَّدتَه فهو الذي ألهمك، وإن عَبْدتَه أو شَكَرْتَه أو ذَكَرْتَه فهو الذي أكرمك.

واللهِ لو أنَّ أقلامَ الورى بُريـت *** مِن العروقِ لمدحِ السـيدِ الصّمدِ

لم نبلغِ العُشرَ ممـا يستحقُّ ولا *** عُشرَ العشيرِ وهذا غايـةُ الأمـدِ

لذلك قال الله عزّ وجلّ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، فأثنى على نفسه لأنّنا لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه.

يظهر لك فضل الله تعالى في تلكم اللّيلة المباركة، التي وصفها الله بقوله:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] يوم أمر الله تعالى كتبته بأن يكتبوا اسم فلان وفلان بأن يكونوا هذه السّنة من حجّاج بيت الله الحرام..

ثمّ يظهر لك فضل الله من جهة أخرى، فبعد أن محى اسمك من كتاب المحرومين من حجّ بيته، تراه سبحانه يمحو اسمك من قائمة المحرومين من حلاوة عبادته.

فهو لا يريد لك أن تتيسّر الأمور في أوّلها، بل لا بدّ أن تذوق كؤوسا من العسر، وألوانا من المشقّة، حتّى تستشعر عظم التّيسير، من باب الحديث الّذي رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ )).

وقد مضت السّنن أنّ الأمر إذا تيسّر نواله قلّ في القلب تعظيمه، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف: من الآية169]..

فضاق الأمر وفزع الكثيرون، وظنّوا أنّهم قد صدق فيهم قوله تعالى:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سـبأ: من الآية54] ..

كان الأمر في كلّ مرحلة من مراحل السّفر قد ضاق .. وضاق .. ثمّ ازداد تأزّما .. ولكنّ الله يسّر..وعفا عمّن غفل وقصّر..

لذلك – أخي الكريم – لا تظنّ بربّك إلاّ خيرا .. إنّه يريد أن تشعر بلذّة الوصول، ونعمة الحصول، وما عَظُم نور الفجر إلاّ لشدّة الظّلام..

دَعْها كما شاءها الرحمنُ جاريةً *** الله يحفظُهــا والله يرعاهَــا

لها من الوحي نـورٌ تستضيءُ به *** وبهجةُ الغـارِ تبـدو فـي محيَّاها

ولن يرتاح لك بال، ويحسن لك حال حتّى تصل إلى بيت الله ذي الجلال..

فإنّ هناك من وصل إلى الحدود ولم يُسمح له بالدّخول، فلم يحجّ .. فإن كان من الصّالحين فله أسوة في الصّادق الأمين الّذي صُدّ عن البيت عام الحديبيّة ..

بل إنّ هناك مَن شرع في طواف القُدُوم ولم يحجّ !

وإنّ هناك من حجّ ولم يحجّ !!

2-الخاطرة الثّانية: ليس الخبر كالمعاينة.

روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ أَخْبَرَ مُوسَى عليه السّلام بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ )).

كذلكم الأمر في الحجّ..

- سمعنا قوله صلّى الله عليه وسلّم عن الحجّ: (( جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ ))..

تأتي بالمنسك حتّى إذا لم يبق لديك نفَسٌ ولا طاقة، جاء دور النّسك الآخر، لا سيّما الحريصُ على السنّة الصّحيحة، من أذكار، وطول الدّعاء، والتضرّع إلى ربّ الأرض والسّماء ..

ثمّ العدوّ متربّص بك من كلّ جانب:

شيطان الجنّ يريد أن يُثبّطك، وينصحك بالاقتصار على الواجب، ويُذكّرك بكلّ ما هو عنك غائب ...

ألم يأتِ في الصّحيح أنّه لم يتقرّب إلى الله أحدٌ بمثل مات افترضه الله عليه ؟

ألم يَرِد في الحديث الصّريح: (( القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا )) ؟..

وشيطان الإنس لا يفتر عن مدافعتك، فيطيح بك تارة ! ويصدمك تارة أخرى ! ولن تسمع منه استسماحا أو عذرا .. وأنت مكلّف بقول الواحد الأحد:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج} [البقرة: من الآية197] ..فليس الخبر كالعيان..

- نحفظ كلّنا ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ ))..

ولكنّك ترى ذلك عِيانا .. ولولا تلاوة القرآن، وذكر الرّحمن، وبذل الزّاد والانبساط للإخوان، لما ظفرت باستجابة الله لدعائك: (( وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ ))..

وما كان يُثْلِج الصّدور، ويدخل على القلب السّرور إلاّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))..

أو تريد ذلك، دون مشاق أو مهالك .. وما أحسن قول أبي الطيّب:

لولا المشقّة ساد النّاس كلّهم *** الجـود يُفقِر والإقـدام قَتَّال

وقوله: ومن يجـد الطّريق إلى المعالي *** فلا يذر المطـيّ بـلا سنـام

- وكنّا نسمع حديث النّاس عند ملاقاة بيت الله الحرام، وما ينتابهم من الشّوق والهِيام، وليس الخبر كالعيان.

فبمجرّد أن ترى بيت الله أمامك ترى نفسك لا تقوى على الحراك، ولا تنبس ببنت شفة، إلاّ أن تقول: ( اللهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام، فحيّنا ربّنا بالسّلام )..

وتدعو الله عزّ وجلّ الّذي بلّغك بيته الحرام، أن يُبلّغك دار السّلام .. وتسأل الله الّذي بلّغك بيته العتيق أن يعتق رقابنا من النّار ..

في ذلكم الحين تدعو بالرّحمة لمن قال بحقّ:

لمّا رأت أبصارهم بيته الذي *** قلـوب الورى إليه تتضـرّم

كأنّهم لم يتعبوا قـط قبله *** لأنّ شقاهم قد ترحّـل عنهم

أفيُعقل أنّك تقابل أوّل بيت وُضع للنّاس، الّذي فرض الله قصده على جميع الأجناس

أيُعقل أنّك أمام البيت الذي بناه إبراهيم عليه السّلام .. وحجّه جميع الأنبياء والرّسل الكرام ..!؟

أيعقل أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتوسّد هذا البيت، ويدخل من هذا الباب !؟..

فتبكي على أطلال الصّالحين .. وتشتاق إلى رؤية المؤمنين..

لئن لم نلتق في الدّنيا يوما *** وحال بيننا كأس المنـون

فموعدنا إذا في دار خُلد *** بها يحيا الحنون مع الحنون

3- الخاطرة الثّالثة: فضل توحيد الله تعالى خاصّة والعلم عامّة.

فلا إله إلاّ الله التي قامت عليها السموات والأرضون، وأُرسِلَ بها الأنبياءُ والمرسلون، وغرست لأجلها الجنان، وأضرمت من أجلها النّيران، لا شكّ أنّ وزنها أعظم من كلّ وزن، وأنّ فضلها أعظم من كلّ فضل، فترى آثار هذه الكلمة الطيّبة هناك في الفيافي والقفار، والمدن والأمصار، والتّقصير لا يخلو منه قطر من الأقطار ..

فلا ترى مظهرا من مظاهر الشّرك إلاّ من الوافدين الجاهلين، أمّا أهل تلكم البلاد فقد حباهم الله تعالى بتوحيده، وتنزيهه وتمجيده، حتّى إنّ المتسوّل من النّاس يسأل ليقول لك: أسألك بعد الله كذا وكذا ريال !!..

لذلك تراهم يسهل عليهم الانقياد، وإن كان من أرباب الفساد، حتّى إذا أذّن المؤذّن ترك البائعون كلّ شيء، ورموا خلفهم كلّ شيء..منظر لا تراه إلاّ في تلكم البلاد..

تعيش في بيئة يعتبرون كشف الوجه فقط سفورا، ولبس العباءة المطرّزة تبرّجا وفجورا، ممّا قلّل المعاصي والمنكرات، وأزال كثيرا من الموبقات، ممّا يدلّ على فضل الأخذ بزمام السنّة، وإن تنكّر لها أبناؤها وسمّوها تشدّدا، وتزمّتا وتخلّفا ..

فإذا سألت نفسك عن سرّ ذلك النّجاح، فقل إنّها ثمار دعوة التّوحيد، فهي طريق كلّ خير، والبعد عنها طريق إلى كلّ شرّ..

فآن الأوان أيّها النّاس أن يجلس دُعاة هذه البلدة، ويخطّطوا للوصول إلى اجتثات الشّرك من أصوله، والإكثار من الوسائل الشّرعيّة ليصل صوت هذه الدّعوة إلى المناطق التي خلا منها توحيد الله عزّ وجلّ.

4- الخاطرة الرّابعة: مشاهد يوم القيامة.

تتجلّى أمامك هذه المظاهر بشدّة يوم التّروية، ويوم الإفاضة إلى عرفات، وعشيّة عرفة ..

ولولا الزّخرفة التي غشيت أماكن النّسك، ولولا مظاهر التحضّر لظننت نفسك ماثلا في عرصات اليوم الآخر !

فترى النّاس قد تجرّدوا من ثيابهم النّفيسة، ولبسوا إحرامهم، لباس يستوي فيه الغنيّ والفقير، الفلاّح والوزير، الكبير والصّغير، العظيم والحقير، لمن الملك اليوم ؟ لله العليّ القدير ..

وإلى أين يتّجهون ؟..إلى مكان واحد يبيتون فيه .. لا يتخلّف عنه أحد ..

ثمّ إلى موقف عرفة يتضرّعون، ويدعون، ويؤمّلون ..

وأرقّ مشهد شاهدته: أمّ من الأعاجم تحدّث ربّها، وتسأل مولاها بلغة لا تفهمها، ولكنّ الله يعلمها .. لا شكّ أنّها تسأل ربّها عزّ وجلّ أن يغفر لها ما مضى من الذّنوب، ويزيل عنها ما علِق بها من العيوب ..

أو تسأله أن يردّ لها ولدها أو زوجها إليها ردّا جميلا ..

لم أفهم من دعائها شيئا إلاّ الذّل والانكسار، والطّمع في كرم العزيز الغفّار ..

وكلّما دعوت، وكلّما رجوت، لان القلب، وفاض الدّمع، حتّى تنسى تماما أنّك في هذه الدّنيا، وتنسى تماما أنّك بين أهلها ..

لا تستحضر في تلك السّاعة إلاّ قرب الله ودنوّه من عباده.. وهو الّذي:{يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء} [النمل: من الآية62].

ويشبه ذلك الموقف موقف الخلائق يوم الحشر ينتظرون مجيء الله تعالى للحساب، إلاّ أنّه في تلك العشيّة يدنو للجواب والثّواب، ودفع العقاب ..

حينئذ تذكّرت سورة الحجّ، تلكم السّورة التي تكلّمت عن الحجّ ومناسكه، وبماذا بدأ الله تلكم السّورة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحجّ:1]..

فكيف لا تعجب ممّن لا يحدّث نفسه بالمثول في هذا الموقف:

يا غافلا عن إله الكون يا لاهي *** تعيش عمرك كالحيران كالسّاهي

ارجع إلى الله واطرق بابه أملا *** والله والله لـن تلقى سـوى الله

5- الخاطرة الخامسة: متى نصر الله ؟

إي والله أيّها الإخوة الكرام ..

صحيح أنّ المسلم ليغمُرُ قلبَه البهجة والسّرور إذا رأى تلكم الجموع والحشود والملايين المملينة من المسلمين تقصد بيت ربّ العالمين.

وتتأكّد بحقّ أنّ الحجّ ممّا يغيظ الكافرين والمنافقين: فإنّك تنظر خلفك فترى الجموع مدّ البصر، ومثلهم أمامك، وعن يمينك مثلهم، وعن شمالك مثلهم.

وخاصّة أنّ هناك ظاهرة لحظها جلّ من حجّ السّنوات الأخيرة، وهي ( تشبُّبُ الحجّ )..

أي غلب عليه الشّباب، بعد أن كان قديما قد غلب عليه المسنّون والعجزة .. والّذي يزيد في الإعجاب أنّ جلّ هؤلاء الشّباب من الأعاجم من أقصى شرق آسيا من ماليزيا وإندونيسيا وغيرها .. أعمارهم تتراوح بين 18 إلى 30 سنة وقلّما ترى بينهم المسنّين..

ولكن..كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )) ليُطابق قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [البقرة: من الآية243] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: من الآية187].

أوّل ما يتبادر إلى ذهنك هذا السّؤال: متى نصر الله ؟!

لما تراه من جهل عظيم بأحكام الدّين: عقيدة، وسلوكا، وفقها، وتعبّدا ..

ففي مقام التّوحيد ترى ذاك يتمسّح بالكعبة ! وآخر بمقام إبراهيم ! وثالث يقطع من ستائر الكعبة متبرّكا ! ورابع يدخل البقيع فيأكل التّراب ! وخامس يدعو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ! وغير ذلك.

وفي مقام السّلوك ترى أكثر من حولك لا يتخلّق بأخلاق المسلم فضلا عن أخلاق الحاجّ ..

وفي مقام التعبّد فقليل من عباد الله من يذكر ! وقليل من عباد الله من يشكر !

رأينا من مظاهر الانحراف في صعيد عرفات ما الله به عليم .. حتّى التفت بعضنا إلى بعض، ولسان حالنا يقول: أهؤلاء من يباهي الله تعالى بهم ملائكته .؟! .. أهؤلاء من يقول الله فيهم: أفيضوا عبادي مغفورا لكم

حينئذ تعجب ممّن يغفل عن واقع المسلمين ويريد أن يُعلِي على أكتافهم الهزيلة كلمة ربّ العالمين ..!!

6- الخاطرة السّادسة: فقه الواقع بين الغلاة والجفاة..

أوّلا: لا شكّ أنّ العالِمَ لا يكون عالِماً إلاّ إذا كان بصيرا بالواقع الذي يُسأل عنه .. وهذا لا يختلف فيه معك أحد ..

ولكن كما أنّه لا يقبل كلام منكره بإطلاق، فكذلك لا ينبغي رفعه فوق مكانته، فإنّ الواقع لا بدّ أن يخضع لشرع الله تعالى ..

وإن تعجب فعجبٌ من أقوامٍ ثلاثة:

1- قومٌ ذهبوا إلى هنالك، ورأوا بأمّ أعينهم ما عليه أهل التّوحيد من خير في الدّين والدّنيا، ثمّ يستهينون بدعاة التّوحيد، ويلمزون الدّاعين إليه من العلماء العاملين !

2- قومٌ رأوا وأيقنوا أنّ بلاد الحرمين أحسن بكثير من بلدهم، ومع ذلك يتغاضون عن محاسنهم ولا يتصيّدون إلاّ مساوئَهم، فما أعزّ الإنصاف بين النّاس !

3- قوم تراهم ذاهبين آيبين، وعلموا أنّ ما عليه أهل تلكم البلاد من خير في الدّين، إنّما هو بفضل الله أوّلا، ثمّ بفضل علماء قائمين على أمر الله، لا تكاد تحصيهم لكثرتهم، ولا تعدّهم لوفرتهم، حتّى إنّك إذا صلّيت المغرب أو صلاة الصّبح تنتابك الحيرة: لمن تجلس وإلى من تسمع..؟!

واقع أصوّره لكم من خلال مشهد حضرته مع مفتي المملكة الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ، إذ سأله أحدهم عن قضيّة في الميراث، وقد وقع عليه إجحاف، فسأل: ما عساي أن أفعل ؟ فأجابه: هذا من صلاحيّة المحكمة الشّرعيّة ..

ومشهد مع الشّيخ الفوزان حفظه الله، إذ قلنا له: نحن جماعة من أئمّة المساجد بالجزائر، نودّ أن نطرح على فضيلتكم بعض المسائل التي تُطرح علينا، فقال: وجّهوا النّاس إلى المفتي، ولكن اسألوا عمّا يخصّكم .. أنتم أئمّة مساجد تتحدّثون عمّا يتعلّق بالصّلاة والطّهارة، وليس لكم صلاحيّة في غير ذلك !

فسأل أحدنا عن التّلقيح الاصطناعي ؟ فقال: هذه يُجيب عنها المفتي.

- فانظروا إلى هذا الواقع المشرق في تلك البلاد، أمور القضاء لها المحكمة الشّرعيّة، وأمور الفتوى لها المفتي العامّ، وإمام المسجد له صلاحيّة محدودة، إن قفز قفزة فهي لا تتعدّى درجات المنبر ..

- هذا هو واقعهم، فانظروا إلى واقعنا، ترون الإمام هو كلّ شيء، هو المفتي، وهو القاضي بين الخصوم، وهو المسؤول عن الدّروس وعظا وإرشادا وتعليما، بل هو القائم على مكتبة المسجد !

- يا من تذهب وتؤوب إلى تلك البلاد .. هوّن على إخوانك العاملين .. أتريد أن تحصد بلا زرع، وتأكل بلا كدّ ؟!

أتفرض علينا تلك النّتائج المحقّقة من هيئة كاملة، ولجنة شاملة، في أرض بور، راجَ فيها إعلام المفسدين، وتُنشَر فيها جرائد الملحدين .. بلد فيه أكثر من ألفي قبّة تعبد من دون الله سبحانه ! .. وأكثر من النّصف لا يسجدون ولا يركعون لله عزّ وجلّ..

- كذلك ينبغي للمسلمين أن يَلحظوا الواقع ولا يُكلّفوا العلماء ما لا يُطيقون .. فالحركة العلمانيّة بالمرصاد بعلماء تلكم البلاد، فهم يضغطون ليلا ونهارا كي يقتحموا بعض المحاكم، ولا يزالون إلى الآن يُطالبون بجعل قضايا المرور في محكمة خاصّة، والعلماء رافضون، وبحبل الله معتصمون..

7- الخاطرة السّابعة: أدب الخـلاف.

بمكّة المكرّمة، حيٌّ يُدعَى بـ" العوالي " .. يقطن فيه عالِمان من علماء الدّعوة الإسلاميّة .. بل أُخْبِرتُ بأنّهما يصلّيان في المسجد نفسه أحيانا.

أحدهما: اشتهر قديما بتشجيع العمل السّياسي وتأييد الخروج على الحكّام .. ولكنّه الآن – ولله الحمد – رجع عن تلك الدّعوة ..

والآخر: اشتهر بنقد من يدعو إلى العمل السّياسيّ وما يتبعُه، وذاع صيته بالردّ عليهم وبيان خطئهم ..

والشّيء اللاّفت للانتباه، هو أنّ ذلك الحيّ هو من أكثر الأحياء هدوءاً .. تعلو وجوه أهله الابتسامة، لا تسمع فيه إلاّ قولا سلاما .. فقلت في نفسي، أو إلى من كان بجانبي:

تأمّل .. ما أقرب هذين العالمين من بعضهما بعضا ! وما أهدأ حيّهما !

ونحن نبعُد عن هذا المكان آلافَ الأميال اشتعلت الحرب الضّروس في مساجدنا بين شبابنا من أجل خلافهما ..

فمتى يعِي شباب الصّحوة الإسلاميّة عندنا أدبَ الخلاف ؟ ومتى يتّصف المخالف بحسن الخلق والإنصاف ؟

فالله نسأل بأسمائه الحُسنى، وصفاته العُلى، أن يهدينا سبل الرّشاد، ويجنّبنا سبل الغيّ والفساد، إنّه أكرم مسئول وأعظم مأمول.

وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



[1] درس ألقيته بمسجد " عمر بن الخطّاب رضي الله عنه " فور رجوعي من حجّ بيت الله الحرام عام 1424 هـ الموافق لعام 2004 م

أخر تعديل في الخميس 12 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 18 نوفمبر 2010 23:47

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.