أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- نشاط أهل الفتور !

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد يبدو عنوان هذه الكلمة لأكثرنا غريبا، ولِم لا، ونحن في زمن الغربة الثّانية ؟

وإن شئت فقل: ( عمل البطّالين ) الّذين لا ينهضون إلاّ للقعود، ولا يستيقظون إلاّ للرّقود، تعطّلت فيهم الحواس إلاّ اللّسان، وسلم منهم جميع النّاس إلاّ الخِلاّن.

وسنّة الله تعالى أنّ النّفس إن لم تشغلها بمحاسن الخلال شغلتك بمساوئ الفِعال، فهو عاطل إلاّ عن الباطل.

إنّهم ضحايا داء الفتور، وما أدراك ما الفتور ؟

- مظاهر التّزكية في التقرّب إلى الله بالأضحية.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّه لا تخلو عبادة من العبادات من الحكم الغالية، والمعاني السّامية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. إلاّ أنّ معرفتها تُسبِغُ على القلب ثوب الطّمأنينة واليقين، وتحمل العبدَ إلى تحصيل ثمراتها في كلّ حين.

وإنّ في الأُضحية من الفوائد التّربويّة ما لا يمكن إحصاءه، ولا عدّه أو استقصاءه، ولكن بحسَب العبدِ من القلادة ما أحاط بالعنق.

فمن مظاهر تزكية النّفس من التقرّب إلى الله تعالى بالأضحية:

1- حياة الرّوح والقلب.

فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24].

- فضائل وأعمال عشر ذي الحجّة

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم تنزيله، وأحسن قيله:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]. فلا يزال اللّيل والنّهار متعاقبين، يخلف أحدهما الآخر، لأجل صنفين من النّاس:

الصّنف الأوّل: لمن أراد أن يذّكر ويتوب، ويتّعظ ويئوب، فيبسط الله يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل..حتّى تطلُع الشّمس من مغربها.

والصّنف الثّاني: أو أراد شكورا، يريد أن يضيف إلى رصيده الأعمال الصّالحات، لتمحى عنه السّيئات، وينال بها أعلى الدّرجات.

صِنفٌ ذو همّة عالية، إن عجز عن حجّ بيت الله الحرام، فإنّه لا يرضَى إلاّ مزاحمتهم في هذا السّباق إلى ذي الجلال والإكرام .. فيحرصون على جليل الأعمال، ولا يكتفون بالأمانيّ والآمال.

حالهم حال أولئك الفقراء الّذين جاءوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )) .

وخاصّة أنّ الله قد فتح باب السّباق إليه هذه الأيّام على مِصراعيه ..

- وقـفـاتٌ مع أيّـامِ الطّاعـات

الخطبة الأولى: [بعد الخطبة والثّناء]

فقد بدأ نسيم أيّام الله تبارك وتعالى يختلج صدور المؤمنين، ونورها يضيء قلوب الموحّدين .. إنّها أيّام الفضائل والطّاعات، ما أعظمها عند ربّ الأرض والسّموات ! لذلك أهديكم هذه الكلمات، ملؤها العبر والعبرات، أسأل الله العظيم أن تكون خالصة من قلب أحبّكم في الله، لا يرجو إلاّ الاجتماع معكم على عبادة مولاه.

وخلاصة كلامنا اليوم في وقفات ثلاث:

أوّلا: أحوال النّاس هذه الأيّام .. ثانيا: بُشرى للصّادقين. ثالثا: فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجّة.

-إِلَـى الَّذِيـنَ حَبَسَهُمُ العُـــذْرُ ..

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإلى الّذين حبسهم العُذر ..

إلى الّذين اشتعلت قلوبهم شوقا إلى بيت الله العزيز الغفّار، وحالت بينهم وبينه الصِّعابُ والأعذار ..

فليعلموا أنّهم غير محرومين، حالهم كحال من تعطّش للجهاد في سبيل ربّ العالمين، ولكن حبسهم العذر .. فقال الله تعالى في حقّهم:

- المختصر المفيد في بيان أحكام أضحية العيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.

1- التّعريف بالأضحية.

الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.

- آدَابُ العِـيـدَيْـن.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ هذين اليومين من أيّام الله تبارك وتعالى، لذلك كان على المسلم أن يعلم الآداب الشّرعيّة، والأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بهما. ومن ذلك:

1- وجوب تعظيمهما: وأنّهما يغنيان المسلمين عن كلّ عيد.

جاء في سنن النّسائي وأبي داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قال:

كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ قَالَ: (( كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى )).

Previous
التالي

السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 10:41

- السّيرة النّبويّة (19) الدّعـوة سـرّا

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله وكفى، والصّلاة والسّلام على النبيّ المصطفى، وعلى آله وصحبه الكرام الشّرفا، أمّا بعد:

فقد تناولنا في الحلقة السّابقة الأيّامَ الأولى من بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتحدّثنا عن فترة الوحي والحِكَمِ البليغةِ منها.

واليوم نعيش الأيّام الأولى للدّعوة الإسلاميّة ..

- فقد كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أوّل من صدّقت بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبما جاء من عند الله، وآزرته على أمره.

- ثم كان أوّل ذكرٍ من الفتيان آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصدّق بما جاءه من عند الله تعالى عليَّ بن أبي طالب.

روى النّسائي في " خصائص عليّ رضي الله عنه " بسند صحيح عن زيد بن أرقم، والإمام أحمد عن ابن عبّاس رضي الله عنه، أنّهما قالا: ( أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ) - يعني في الفتيان كما قال التّرمذي -.

وكان عليّ يومئذ ابن عشر سنين على الصّحيح كما في "الإصابة" (4/564).

أمّا ما رواه التّرمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ( بُعِثَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَصَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ) فهو ضعيف لم يصحّ [انظر:" سلسلة الأحاديث الضّعيفة " (1/ص779)].

ومن أسباب سبقِه إلى الإسلام ما أنعم الله به على عليٍّ رضي الله عنه، أنّه كان في حِجْر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل الإسلام، وسبب هذه النّشأة أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس عمّه وكان من أيسر بني هاشم:

(( يَا عَبَّاسُ، إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ العِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ فَلْنُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلاً وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلاً )). فَقالَ العَبَّاسُ: نَعَم.

فانطلقا، حتّى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنَّا نريدُ أن نُخفّفَ عنك مِنْ عِيالِك حتَّى يَنْكَشفَ عَن النَّاسِ مَا هُمْ فِيه.

فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عَقِيلاً فاصنعَا ما شِئْتُما.

فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَلِيًّا فضمّه إليه، وأخذ العبّاس جعفرا فضمّه إليه، فلم يزل عليٌّ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بعثه الله تبارك وتعالى.

[رواه الإمام أحمد في " فضائل الصّحابة " عن عليّ رضي الله عنه]..

- وكان أوّل من أسلم من الموالي زيدَ بن حارثة رضي الله عنه.

- وأوّلُ من أسلم من الرّجال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، قال الحافظ رحمه الله:

" قد اتّفق الجمهور على أنّ أبا بكر أوّل من أسلم من الرّجال، وذكر ابن إسحاق أنّه كان تحقّق أنّه سيُبعَث لِمَا كان يسمعُه ويراه من أدلّة ذلك، فلمّا دعاه بادر إلى تصديقه من أوّل وهلة ".

واسمه رضي الله عنه: عبد الله بن عثمان بن أبي قُحافة، صديق الطّفولة والشّباب، جعله الله أكبرَ مستودَعٍ بعد خديجة يوضع فيه مثلُ هذا السرّ الّذي تنوء بحمله الجبال، وهو الّذي لم يُجرّب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كذبا قطّ، ولم يره ساجدا لصنم قط، فحين أخبره بمبعثه لم ينبس ببنت شفة، إلاّ أن قال له: صدقت. فلقّب من أجل ذلك بالصدّيق.

وقد ظلّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحفظ له ذلك، فلم يزل يردّد: (( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي ؟ ))- مَرَّتَيْنِ -.

وشاعت وذاعت هذه الأوّلية حتّى قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه أبياتا تشهد بأسبقيّته للإسلام:

إذا تذكّـرت شجـوا من أخي ثقـة *** فاذكـر أخـاك أبـا بـكر بما فـعـلا

خـير البـريّـة أتقـاها وأعدلـهـا *** بعد النبـيّ وأوفـاهـا بـمـا حـمـلا

الثّـانـي التّـالي المحمـود مشهـده *** وأوّل النّـاس منـهـم صـدّق الرّسـلا

هذه المكانة أنْسَتْ أمَّةً بكاملها اسمَ أبي بكر، حتّى صار لا يُعرف إلاّ بـ( الصدّيق )..

وكان رضي الله عنه داعية لا يفتر، يدعو إلى الله سرّا، فأسلم بدعوته مَن أصبح مِن خيار خلق الله القائلِ فيهم:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]..

فكان ممّن أسلم على يديه أربعةٌ من المبشّرين بالجنّة: عثمانُ بنُ عفّان، وعبدُ الرّحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم.

قال ابن إسحاق رحمه الله:" فكان هؤلاء النّفر الثّمانية هم الّذين سبقوا النّاس بالإسلام، فصلّوا، وصدّقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما جاءه من عند الله ".

وكان لا بدّ أن تبقى الدّعوة سرّا، حتّى مع أمر الله تعالى:{قُمْ فَأَنْذِرْ}، فإنّ الإنذار لا بدّ أن يكون أوّلا سرّا.

فأصنام قريش لها جنود من الغضب، مستعدّة لنحر كلّ من يقترب منها، أو يمسّ بسوء جنابها.

وعلى جدار التّاريخ الطّويل قد علِّقت رؤوس كثير من الأنبياء والمصلحين والدّعاة، وأعواد المشانق لا تزال رطبة بدمائهم ..

وهذا ما فعله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد أسلمت خديجة وورقة وكتم كلّ منهما إسلامه، وأسلم أبو بكر وعليّ، ومات ورقة فبات السرّ مدفونا في أربعة أنفس.. حتّى أسلم من ذكرنا على يدي أبي بكر رضي الله عنه.

ثمّ أسلم أبو عبيدة بن الجرّاح [عاشر العشرة] - وأبو سلمة - والأرقم بن أبي الأرقم.

وعثمان بن مظعون، وأخواه قدامه وعبد الله ابنا مظعون - وعبيدة بن الحارث بن المطّلب.

وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [سادس العشرة] وامرأته فاطمة بنت الخطّاب أخت عمر بن الخطّاب رضي الله عنهم.

وأسماء بنت أبي بكر - وخبّاب بن الأرت - وعمير بن أبي وقّاص أخو سعد بن أبي وقّاص - وعبد الله بن مسعود.

وسليط بن عمرو، وأخوه حاطب بن عمرو - وعيّاش بن ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة - وخنيس بن حذافة.

وعامر بن ربيعة - وعبد الله بن جحش - وجعفر بن أبي طالب وامراته أسماء بنت عميس.

وعمّار بن ياسر - وصهيب بن سنان. حتّى بلغوا الأربعين رجلا، وبِضع نسوة.

قال ابن اسحاق:" ثمّ دخل النّاس في الإسلام أرسالا من الرّجال والنّساء، حتّى فشا ذكرُ الإسلام بمكّة، وتُحُدِّثَ به ".

فكانوا يلتقون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سرّا، وكان أحدهم إذا أراد ممارسة عبادته مارسها سرّا، حتّى الصّلاة كانت تتمّ في سرّية تامّة.

فقد روى البخاري ومسلم عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}.

ومن أراد أن يتصوّر حجم هذه السرّية، فليرجع إلى دواوين السنّة، فإنّه سيخرج بنتيجة وهي: أنّه لفرط هذه السرّية كان لا يَعْلَمُ بعضُهم بإسلام بعض، حتّى تنافس كثير منهم في الأسبقيّة إلى الإسلام..

- فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول عندما أرغموه: (( أَلَسْتُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ؟ أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا ؟)) [رواه التّرمذي عن أبي سعيد].

- أمّا عليّ رضي الله عنه، فقد مضى قول زيد بن أرقم: إنّه أوّل من أسلم، فبلغ ذلك إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه.

- وهذا سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، روى البخاري عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه يَقُولُ: ( مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ ). ولا شكّ أنّه يقصد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخديجة هما بقيّة أضلاع مثلّث الإسلام يومئذ..

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" قال ذلك بحسب اطِّلاعه، والسّبب فيه أنّ من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يُخفي إسلامه، ولعلّه أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر، وقد كانت خديجة أسلمت قطعا فلعلّه خصّ الرّجال ".

- حتّى أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه الغريب عن ديار مكّة، القادم من بعيد يطوي الأرض بحثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عُدَّ من السّابقين، فقد روى البيهقيّ (2/212) والحاكم (3/341) عنه أنّه قال:

" كُنْتُ رُبُعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةَ نَفَرٍ، وَأَنَا الرَّابِعُ "..

- وهذا عمرو بن عبسة رضي الله عنه سابق آخر، روى أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: (( أَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ )).

- وزاحم بلالٌ رضي الله عنه الجميعَ، فعُدّ أيضا من السّابقين:

ففي صحيح مسلم عن عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ قال: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ ؟

فقالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَنَا نَبِيٌّ )). فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ ؟

قَالَ: (( أَرْسَلَنِي اللَّهُ )). فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟

قَالَ: (( أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ )). قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟

قَالَ: (( حُرٌّ وَعَبْدٌ )).

فعاد ولم يظْفر باسمهما، ولكنّه قال في نفسه أو لمن نقل إليه الخبر:" وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ ".

كلّ هذه التّصريحات حقّ، فلماذا يلوح لنا منها التناقض ؟ الجواب: أنّ للدّعوة أسرارها..

إنّ الّذين أشعلوا أربعين عاما بلهيب الحروب، وتركوا جماجمهم تمتصّها الشّمس والرّمضاء، وخلفوا من ورائهم من يبكيهم من النّساء من أجل بعير أو حصان لعلى استعداد تامّ لارتكاب أفظع من ذلك من أجل عقيدتهم وأصنامهم وميراث أجدادهم {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6]..

ولمّا رَبَى عددُ المسلمين اختار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهم مَقَرًّا يتدارسون فيه الإسلام، فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم هي التي حظِيت بهذا الشّرف المبين..

ودامت الدّعوة مدّة لا يُمكِنُ تحديدها، وقد شاع في كتب السّيرة أنّها ظلّت ثلاث سنوات اعتمادا على رواية ابن إسحاق، ولكنّها دون إسناد[1]، فلا يمكن الجزم بذلك.

والله أعلم.



[1] ورواها ابن سعد في " الطّبقات " (1/199) من طريق الواقدي، وهو متّهم بالكذب كما هو معلوم.

أخر تعديل في الخميس 29 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 03 فيفري 2011 09:29

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.