أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 03 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 07 جانفي 2011 09:11

- من أسباب الانحراف: اتّبـاع الهـوى

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فإنّ الله تعالى قد أنعم علينا بنعمٍ لا تعدّ ولا تحصى، ولا يحاط لها ولا تستقصَى، وأعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الاستقامة: أن يهديك الله إلى الصّراط المستقيم، قال الله عزّ وجلّ:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69].

وقال عزّ وجلّ يُنبّهنا إلى الخير الّذي عليه أهل الاستقامة:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [الأعراف].

وفرض علينا اتّباع هذا الصّراط، ونهانا عن الالتفات والانحراف عنه فقال الّذي وسعت رحمته كلّ شيء:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

وأرشدنا إلى أن نتوسّل ونتضرّع إليه، ليوفّقنا إلى الثّبات عليه فنقول:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)}.

الاستقامة شجرة ينبتها الله في النّفس، جذورها الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، والعمل الصّالح ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها، وثمرتها:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ} [الرعد:28،29].

 

الاستقامة طعم يفوق كلّ الطّعوم، ومذاق يعلو على كلّ مذاق، ونشوة دونها كلّ نشوة.

لا ضيق ولا أرقَ .. ولا حزن ولا قلق .. بل سعة ورحمة، ورضىً ونعمة:{ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِللَّهِ عَلِيماً} [النساء:70]..{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:12].

الاستقامة من ذاقها خاف أن يفقدها.. شيء لا يمكن أن تجد له العبارات، فلا تملك إلاّ أن تنزّل من أجله العبرات.

فلن ترى زيّاً ومنظراً أحسن وأجمل من سَمْت الصّالحين ؟

ولن تجِد تعباً ولا نصباً ألذّ من نعاس المتهجّدين ؟

ولن ترى ماء أرقّ وأصفى من دموع النّادمين التّائبين ؟

ولن تجد تواضعاً وخضوعاً أحسن من انحناء الرّاكعين وجباه السّاجدين ؟

ولن ترى جنّة في الدّنيا أمتع وأطيب من جنّة المؤمن وهو في محراب المتعبّدين ..

إنّه ظمأ الهواجر ومجافاة المضاجع ... فيالذّة عيش المستأنسين ..

الاستقامة الّتي جعلت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول عن الصّلاة: (( أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلاَلُ )) ..

وجعلت حرام بن ملحان رضي الله عنه يوم طُعن بالرّمح حتّى نفذ يهتف قائلا: فزت وربِّ الكعْبةِ !

وجعلت إبراهيم بن أدهم وهو ينام في طرف السّكك في بغداد، لا يجد كسرة الخبز يقول: والّذي لا إله إلاّ هو، إنّا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسّيوف ..

فطوبى لمن هداه الله في هذه الأزمنة والأيّام، إلى الاعتصام بشرائع الإسلام، حتّى يلقى الله على أحسن ختام ..

ولكن ما الّذي يجعل كثيرا من النّاس ينحرفون عن هذا الصّراط فلا يسيرون عليه ؟ ما هو السرّ في أن لا يتوب كثير من النّاس مع وضوح الطّريق المستقيم، وظهور علامة هذا المنهج القويم ؟ لماذا ينحرف أكثر النّاس عن طريق الرّشاد إلى طريق الغواية ؟ من طريق الجنّة إلى طريق النّار ؟

فإنّ من أسباب الانحراف: اتّباع الهوى.

هذا أعظم داء، وأفظع بلاء .. أن تحبّ المعصية وتقبل عليها، وأن تهواها وتميل إليها، وتتّخذ أسبابها وتطرق بابها، وتنصُرَها وتستدلّ لها .. فشتّان شتّان بين من تأتيه المعصية فيضعف أمامها، وبين من يخطّط لها ويأخذ زمامها ..

فرق شاسع وبون واسع بين الخطأ والخطيئة، فالخطأ لا يسلم منه أحد، والخطيئة هي الإصرار على معصية الواحد الأحد ..

قال الله تعالى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:43] .. أرأيته ؟ إنّه كائن عجيب، يستحقّ الفرجة والتّعجيب !

إنّه يحبّ ما لا يحبّه الله، حتّى كأنّه رفعه إلى مرتبة الإله .. قال ابن رجب رحمه الله:

" من أحبّ شيئاً وأطاعه، وأحبَّ عليه وأبغض عليه، فهو إلههُ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلاّ لله، ولا يُوالي ولا يُعادي إلاّ له، فالله إلههُ حقاً، ومن أحبَّ لهواه، وأبغض له، ووالى عليه وعادى عليه، فإلهه هواه، كما قال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]. قال الحسن: هوَ اّلذي لا يهوى شيئاً إلاّ ركبه، وقال قتادة: هوَ الّذي كلّما هَوِيَ شيئاً ركبه، وكلّما اشتهى شيئاً أتاه، لا يَحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى "اهـ.

فالّذي ملأ قلبه بحبّ المعصية، يفعلها وهو مرتاح لذلك، ينصرها وينصر من ينصرها، فهذا ما ترك في قلبه مكانا للهدى، قال تعالى وهو يبيّن لنا هذه الحقيقة أنّ اتّباع الهوى سبب الانحراف:{وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: من الآية26].

وروى الطّبراني بسند حسن عن أَنَسٍ رضي الله عنه عنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوىً مُتَّبَعٌ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ )). وقال أحد الصّالحين:" ما تحتَ ظلِّ السّماء إلهٌ يُعبد أعظم عندَ الله من هوى متَّبع ".

فما أشرك مشرك إلاّ من هوى .. وما عصى العُصاةُ ربّهم إلاّ من هوىً .. مثلهم كمثل من يرى النّار محرقةً فيدنو منها ! ويرى الهول الكبير فيركبه ! كذلك حالهم يرون الذّنب الكبير فيفعلونه، ويبصرون الخير الكثير ويتركونه !

يعلم ضرر المخدّرات ومع ذلك لا يتركها ! ويعلم عقوبة تارك الصّلاة ويتركها !

وتعلم المرأة عقاب المتبرّجة في الدّنيا والآخرة ولا تستر نفسها ! يحبّ النّوم ولو كان على حساب الصّلاة !

يطلب المال ولو كان من الحرام ! وغير ذلك من مظاهر الانحراف ..

فهذا الحبّ للمعصية ثمنُه واضح في كلام الله: الزّيغ والانحراف عن سبيل الله {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}..

انظروا إلى أبي جهل الّذي عرف الحقّ وأنكره، وأعرض عن النّور بعد أن أبصره، تراه يقول: والله إنّي لأعلم أنّ محمّدا لا يكذب ولكن تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشّرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتّى إذا تجاثينا على الرّكب، وكنّا كفرسَيْ رِهان قالوا منّا نبيّ يأتيه الوحي من السّماء ! فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدّقه.

مات وهو يقول لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنبئ محمّدا أنّي لم أندم قط على عداوته !

قد يستغرب أحدنا أن يكون هناك من النّاس من هو على هذه الشّاكلة ! فلا تستغرب، فإنّ الله حرمه الهدى لأنّه اتّبع الهوى.. ومن عاش على شيء مات عليه..

والله تعالى هو القائل في مواطن كثيرة من كتابه:{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: من الآية258]، وقال:{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: من الآية108]..

وهذا أحد الشّعراء الماجنين المجانين، ومثله في زماننا من سمّوه بالفنّانين، نصحه العلماء فلم يستمع إليهم، ودعوه فلم يُقبل عليهم، فمات يوم مات وهو يقول:

أتـوب إليك يا رحمـن ممّا *** جنت نفسي فقد كثرت ذنوب

وأمّـا من هوى ليلى ومن *** وزيـارتـها، فإنّـي لا أتوب

لذلك تستمع إلى كثير ممّن تناصحهم وترشدهم كلمة عجيبة: لا أستطيع ! أريد أن أتوب ولكن ..! وأنت تستمع إليه متعجّبا، وتنظر إليه مستغربا، وتتساءل عن حاله وسرّ مقاله ؟ والجواب:{وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}..

الخطبة الثّانية:

الحمد لله، الحمد على إحسانه، وعلى جزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة حقّ تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، اللهمّ صلِّ عليه وسلّم وعلى أصحابه وآله، وعلى كلّ من اتّبع طريقه وسار على منواله، أمّا بعد:

فاعلم أيّها المصرّ على الذّنب أنّ الدّعاء وحده لن ينفع؛ لأنّ الله له سنن يجب أن تُحترم، فلا بدّ من الصّبر والمجاهدة، والمواظبة والمجالدة، يقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. فإنّ الصّالحات لا تُنال بالرّاحة، ولا تُعطى الغنيمة إلاّ لمن كان بالسّاحة ..

صابر ولا تضجر من مطلب *** فآفة الطّـالب : أن يضجرا

أما ترى الحبل في طول المدى *** على أصلب الصّخر قد أثّرا

فلعلّ الله حين يراك تجاهد نفسك، وتتعرّض لنفحاته، أكرمك بتوبة صادقة تموت عليها لا تشقى بعدها أبدا.

روى التّرمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ )) فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ )).

فاصبر وصابر، وداوم على التّوبة وثابر، وينبغي ألاّ تكون طفلا في حجر العادة، محصورا بقماط الهوى ..

قيل لأحد الصّالحين: فلان يمشي على الماء ! فقال: إنّ من مكّنه الله تعالى من مخالفة هواه، لهو أعظم من المشي على الماء.

وقال أبو بكر بن الضّرير: دافعت الشّهوات حتّى صارت شهوتي المدافعة.

ورسالة إلى أهل الاستقامة، فعليكم أيضا أن تجاهدوا أنفسكم وتصابروا عدوّكم، فإنّ الحرب قد حمي وطيسها، واشتدّ لهيبها، وهذه هي أيّام الصّبر القابض فيهنّ على دينه مثل القابض على الجمر، وتذكّروا صبر أهل المعاصي على معصيتهم، فأنتم أولى بأن تصبروا على الطّاعة والاستقامة.

قال الإمام أحمد رحمه الله: سجنوني وأنا صائم، ووضعوا بيدي ورجليّ السّلاسل، وأركبوني على بغل فخشِيت أن أسقط من كثرة الحديد وثِقله، وأخذوني وجلدوني، قال الجلاّد: والله لقد جلدته خمسين جلدةً لو ضربتُ بها بعيرا لمات ! قال: ثمّ رموني في بيت مظلم، ثمّ أدخلوا عليّ خمّارا وقيّدوه معي بالسّلاسل - وذلك ليهِينوا الإمام أحمد -، ثمّ التمست ماء لأتوضّأ واستقبلت القبلة أصلّي ..

كان الإمام أحمد يصلّي وهو يبكي، والرّجل ينظر إليه وقد غمرته الدّهشة، فهو يرى مشهدا لم يره من قبل ! كيف وهو في مثل هذه الحالة يحرص على طول القنوت والدّعاء ؟!.. فسأله فعرف ما حدث له، فقال: يا إمام اصبِر على الحقّ ولا تجِبهم، فوالله لقد جلدوني خمسين مرّة في الخمر وها أنا ذا أعود في كلّ مرّة.

قال الإمام أحمد: فقـوّانـي بذلك. وكان الإمام أحمد يدعو له في كلّ صلاة فتاب توبة نصوحا.

فبصبرك أخي المسلم، أختي المسلمة وبمجاهدتك للهوى فإنّ الله يُحيِي قلوبا غافلة، وصدروا قاحلة، وهذا عبد الغنيّ المقدسيّ قال عنه أحد التّائبين وكان من كبار الفسّاق : رأيناه يصلّي ويبكي فذكَّرَنا يوم القيامة.

وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

أخر تعديل في الجمعة 03 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 07 جانفي 2011 23:13

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.