أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأحد 28 ربيع الثاني 1432 هـ الموافق لـ: 03 أفريل 2011 17:28

- من مواقف العلّامة ابن باديس البطولية

الكاتب:  أبو عبد الله محمد حاج عيسى
أرسل إلى صديق

إنّ علم التّاريخ والسّير من العلوم الّتي ينبغي لطالب العلم الاعتناءُ بها، العلم الّذي فيه محصّلة تجارب الرّجال، وخلاصّة أعمال الفحول الأبطال. وقد كان بعض السّلف يفضّله على كثير من أنواع العلم، لأنّه يوجد فيه من الفوائد ما لا يوجد في غيره، ومن ذلك: أنّنا نجد فيه العقيدةَ مواقفَ عمليّةً، ونرى فيها الأخلاقَ مناقبَ مثاليّة، وإن كان للعلم الصّحيح مصادره وللمنهج القويم مناهله، فإنّه ليس لفقه الدّعوة وتفسير الواقع مصدرٌ أصفى وأصحّ من تاريخ الأمم وسير الأعلام.

قال ابن الأثير رحمه الله وهو يعدِّد فوائد علم التّاريخ:

" ومنها: ما يحصل للإنسان من التّجارب والمعرفة بالحوادث، وما تصير إليه عواقبها، فإنّه لا يحدث أمر إلاّ قد تقدّم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلا، ويصبح لأن يقتدى به أهلا ".

فلا شكّ أنّ من شرط نجاح الدّعوة إلى الله: التسلّح بالعلم الصّحيح مع التزام المنهج النبويّ، وإنّ ممّا يلزم أيضا للقيام بها على أكمل وجه قوّة الشخصيّة، والصّلابة في المواقف، مع فقه الدعوة، ولا طريق إلى تحصيل هذه الأخيرة إلاّ طريق مجالسة هؤلاء الصّالحين المصلحين بمدارسة سِيَرهم والوقوف عند مآثرهم.

وقد أحببت أن ألِج هذا الباب بذكر بعض المواقف البطوليّة للعلاّمة ابن باديس رحمه الله تعالى، مواقف كثيرة، منها ما هو معروف ومشهور، ومنها ما مجهول مغمور، وقد انتخبت منها خمسة مواقف نحسبها من أعظم مواقفه رحمه الله.

الموقف الأوّل: بين البقاء في الجزائر والهجرة منها.

لقد كان للشّيخ ابن باديس اختياراتٌ صعبة في حياته، وكان اختيار البقاء في الجزائر من أصعب الاختيارات الّتي اختارها رحمه الله تعالى، لأنّ للهوى فيه عاملا وللتّأويل فيه مجالا.

ولم يكن الشّيخ رحمه الله مضطّرا إلى أحد الأمرين، ولكن وجد نفسه يوما في مقام الاختيار وكان لابد أن يختار، ذلك حين لقي شيخه الّذي علّمه لمّا كان صغيرا في أرض الحجاز فقال له:" ابق هنا، واقطَع صلتَك بالوطن ". وقال له شيخ آخر هندي درس عنده هناك: "ارجع إلى بلدك لخدمة الدّين والعربية بقدر الإمكان ".

قال الشّيخ ابن باديس مبيّنا اختيارَه ورادّا الفضل لله تعالى الّذي وفقه وسدّده في ذلك:" فحقّق الله رأي الشّيخ الثّاني، فرجعنا إلى الوطن بقصد خدمته فنحن لا نهاجر، نحن حرّاس الإسلام والعربيّة والقوميّة بجميع مدعماتها في هذا الوطن "[1].

وقال للإبراهيمي يوما وقد كان مصمِّما على الخروج من الجزائر:

" إنّ خروجك يا فلان أو خروجي يكتبه الله فرارا من الزّحف" ! قال الإبراهيمي:" فوالّذي وهب له العلم والبيان، لقد كانت كلمته تلك شؤبوبا من الماء صبّ على اللّهب ".[2]

الموقف الثاني: الجزائر ليست فرنسا ولا تريد أن تصبح من فرنسا.

لم يواجه الشّيخ ابن باديس فرنسا سياسيّا أو عسكريّا؛ لأنّ الشرع والعقل أوجبا عليه ذلك، ولكنّه كان يعمل لذلك ويُعِدّ العدَّة له.

وكان يُداري ما استطاع، ولم يكن يعرف المداهنة في قضايا العقيدة ومصير الأمّة، بل كان صريحا وجريئا وحكيما أيضا، ومن ذلك أنّه لمّا قال بعض النوّاب الجزائريّين سنة 1936 (وهو فرحات عبّاس):" الجزائر هي فرنسا وإنّه على الجزائريّين أن يعتبروا أنفسهم فرنسيّين"، وقال:" إنّه فتّش عن القوميّة الجزائريّة في بطون كتب التّاريخ فلم يجد لها من أثر ! وفتّش في الحالة الحاضرة فلم يعثر لها على خبر !".

تصدّى له ابن باديس رحمه الله تعالى قائلا :" إنّنا فتّشنا في صحف التّاريخ وفي الحالة الحاضرة، فوجدنا الأمّة الجزائريّة المسلمة متكوّنة موجودة، كما تكوّنت ووجدت أمم الدّنيا كلّها. ولهذه الأمّة تاريخها الحافل بجلائل الأعمال، ولها وحدتها الدينيّة واللغويّة، ولها ثقافتها الخاصّة وعوائدها وأخلاقها، بما فيها من حسن وقبيح، شأن كلّ أمة في الدنيا. ثمّ إنّ هذه الأمّة الجزائرية الإسلاميّة ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت " ["الآثار" (5/293-294)].

فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

الموقف الثالث: الدعوة إلى الله مقدَّمة على الأهل والمال.

بعد محاولات فاشلة من الولاية العامّة في حمل الشّيخ ابن باديس على حلّ " جمعيّة العلماء " أو التخلّي عن رئاستها، حيث قدّمت له العروض المغرية بواسطة أبيه مصطفى -، وكان منها تعيينه في أعلى منصب دينيّ، فما نجحوا.

وكانت المحاولة الأخيرة لهم لمّا وقع والده في ديون كبيرة فبعث إليه "ميرانت" (مدير الشّؤون الأهلية) في الولاية العامّة بالعاصمة دعوة بالحضور إلى مكتبه في وقت محدّد معلوم - ليكون والد ابن باديس حاضرا -، فلمّا دخل عليه قال له:

" إنّ أسرة ابن باديس في ضائقة مالية حادّة، وهي مقبلة على الإفلاس منذ اليوم، وإنّ الحكومة الفرنسية تعلن استعدادها لإنقاذ الأسرة، وهي هذه المرّة لا تطلب منك حلَّ "الجمعيّةِ"، وإنّما تكتفي منك بالاستقالة منها فقط، تكتب الاستقالة وتوقّعها لتبقى محفوظة عندنا من غير إعلان عنها أو إشهار، ونحن نسلّم لأبيك الآن صكّا مصرفيّا يقضي كلّ ديون الأسرة، ويمنحها فرصة لاستعادة مكانتها الاقتصادية والاجتماعية. ونحن يعزّ علينا سقوط هذه العائلة الماجدة وإفلاسها " !

لم يُجِب ابنُ باديس في حضرة والده، وطلب مهلة للتّفكير إلى صباح اليوم الموالي، وفي الغد كتب جوابه إلى ميرانت:

" اقتُل أَسِيرَك يا ميرانت، أمّا أنا فمانع جاري " الجمعيّة "! اقتل مصطفى بن باديس واقتل معه ابنَه عبد الحميد، واقضِ على أسرة ابن باديس إنْ مَنَحَك الله هذه القدرة، ولكنّك لن تصل أبدا إلى قتل " جمعيّة العلماء " بيدي، لأنّ " جمعيّة العلماء " ليست جمعيّة عبد الحميد بن باديس، وإنمّا هي جمعيّة الأمّة الجزائريّة المسلمة، وما أنا إلاّ واحد فيها أتصرّف باسمها واسم الأمّة كلّها، ومُحَالٌ أن أتصرّف تصرّفا أو أن أقف موقفا يكون فيه قتل " الجمعيّة " على يدي، أقول هذا وحسبي الله ونعم الوكيل ".

[" إمام الجزائر عبد الحميد بن باديس " لعبد القادر فضيل، ومحمد الصّالح رمضان (127 128)].

الموقف الرابع: ابن باديس وقفٌ لله تعالى.

قد اضطّر ابن باديس للمشاركة في "المؤتمر الإسلاميّ الجزائريّ" الّذي كان يطالب بحقوق المسلمين في الجزائر سنة 1936 م من أجل المطالب الدينيّة المحضة المتعلّقة بحرّية التّعليم في المساجد واسترجاع الأوقاف الإسلاميّة، وفي مرحلة من المراحل تخلّى عن المؤتمر من كان يتزعّمه فاختير الشّيخ لرئاسته، ولكنّه اعتذر عن قبول ذلك وكتب بيانا قال فيه:

" قررت اللّجنة التنفيذيّة للمؤتمر الإسلامي الجزائري في جلستها الأخيرة بنادي الترقي إسناد رئاسة المؤتمر إليّ بدون أخذ رأيي في هذه المسألة الخطيرة، إذ كنت غائبا عن تلك الجلسة. وأنا مع شكري لإخواني الّذين أوْلَوْني ثقتهم الاجتماعيّة، ومع كون الأمّة الجزائريّة لم تعرف عنّي في وقت من الأوقات الفرار من الواجبات، مع كلّ هذا أعلن لهؤلاء الإخوان: أنّهم غفلوا حين أسندوا الرئاسة إلَيّ عن أشغالي العلميّة الّتي تستغرق أوقاتي كلَّها، والّتي أُضَحِّي في سبيلها بكلّ عزيز، كما غفلوا عن ارتباطي بهيئات علميّة مروضة على الشورى لا تعرف غير سبيلها سبيلا، وأنّها هي المالكة لحياتي لأنيّ جعلت حياتي وقفا عليها، وبناء على هذا فإنّي أعلن لهؤلاء الإخوة وللأمّة الجزائريّة كلّها أنّني لست لنفسي وإنّما أنا للأمّة أُعلِّم أبناءها وأجاهد في سبيل دينها ولغتها، وأنّ كلّ ما يقطع عليّ الطريق أو يعوقني عن أداء واجبي في السبيل فإنّي لا أرضى به ولو كان ذلك مصلحة الأمّة" [" الآثار " (6/181)].

الموقف الخامس: لماذا مات ابن باديس فجأة ؟

توفيّ رحمه الله تعالى في 8 ربيع الأول 1359 هـ (الموافق لـ 16 أفريل 1940 م) في العطلة الربيعيّة فجأةً لمرض ألمّ به.

- وقيل: مات همًّا وغمًّا وكمدًا لما أصاب العملَ الدّعويّ بسبب الحرب، حيث اضطّرت " الجمعيّة " إلى توقيف أكثر نشاطها، وفُرِضت عليه شبه إقامة جبريّة في مدينة قسنطينة، وكان أيضا يرى أبناء الجزائر وأبناء مدارسه الّذين كان يُعدُّهم لقتال فرنسا يساقون إلى الموت في سبيلها قهرا.

- وقيل: مات مسموما من طرف الإدارة الفرنسيّة، وقد حدّثنا الشّيخ محمد صالح رمضان بأخبار ترجّح الفرضيّة الأخيرة، والله أعلم بحقيقة الحال.

- ومنهم من ذكر سببا آخر يجعلنا نعدّ موته من مواقفه البطوليّة سواء كان ذلك هو السّبب الصحيح أم لا -:

إنّه خبر قصَّهُ علينا الشّيخ البشير الإبراهيمي صديق عمره وأمين سرّه حيث قال رحمه الله:

" بعد استقراري في المنفى بأسبوع تلقّيت الخبرَ بموت الشّيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله بداره في قسنطينة بسرطان في الأمعاء، كان يحسّ به من سنوات ويمنعه انهماكُه في التعليم وخدمة الشعب من التفكير فيه وفي علاجه " [" آثار الإبراهيمي " (5/284)].

الله أكبر ... رحمك الله يا ابن باديس ... لقد ضحّيت بمالك وبنفسك في سبيل الله تعالى.

سبحان الله، لقد ترك العلاج ليس لأنّه لا مال له ولا معين له، بل تركه لأنّه لا وقت له ! لأنّ وقته كان قد أوقفه لله تعالى، ولأنّ أمر الدّعوة وإصلاح الأمّة قد سكن قلبَه، وملك عليه كيانه، فأصبح لا شعور له إلاّ بآلام الأمّة، ولا هَمَّ له إلاّ خدمة مصالح الأمّة.

وممّا يزيدنا عجبا كتمانُه لهذا المرض، حيث لم يكن يعلم به أحد فيما يظهر سوى الإبراهيمي، فقد سأل بعضهم عبد الحقّ بن باديس شقيق الشّيخ رحمه الله عن سبب الوفاة فقال ما معناه:" إنّ الشيخ لم يكن يعطي نفسه حقّها الكامل من الرّاحة، وقد كان يومه يبدأ مع صلاة الصّبح ولا ينتهي إلاّ في ساعة متأخّرة من اللّيل، وهذا لمدة خمس وعشرين سنة قضاها بأيّامها ولياليها في التدريس والوعظ وإلقاء المحاضرات والكتابة في الصحافة، والقيام على إدارة الجمعيّة وشؤونها، والسفر، والتنقّل الدائمين عبر القطر .. فالإرهاق والتعب والزهد في الحياة وثقل المسؤوليّة الّتي كان يشعر بها هي السبب المباشر لوفاته ".

[" الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العلميّة والفكريّة " للزّبير بن رحال (121)].

فرحم الله ابن باديس رحمة واسعة.

والحمد لله ربّ العالمين.



[1]/ " الشّهاب " (مجلد 13/ص 355).

[2]/ " آثار الإبراهيمي " (4/338).

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.