أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الثلاثاء 12 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 14 جوان 2011 05:00

هل أتاك نبأ الصائفة ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة والتّسليم، على محمّد وآله وصحبه أجمعين، وعلى من تبِعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

الصّـائـفـة .. مصطلح كان ينتشر قديما في مثل هذه الأيّام، بين خير البشر والأنام.

كان السّلف الصّالح لا يكاد الصّيف يأتي عليهم من كلّ عام إلاّ رأيتهم يستعدّون للعمل الجادّ، والبذل والجهاد ..

( الصّـائـفـة ) هي: الغزوة السّنوية التي كان يعقد ألويتها خليفة المسلمين، ويؤمِّر عليها أشهرَ القادة، ويبعث بها إلى ثغر من الثّغور، لتقوم بواجب الجهاد في تلك السّنة، وهي الحدّ الأدنى المطلوب من الجهاد في كلّ عام.

فكان المسلمون يخرجون في كلّ صيف إلى بلاد الكفّار، للقيام بواجب الدّعوة إلى الله، فيعرضون عليهم الإسلام، أو الدّخول تحت حكم أهل الإيمان، أو القتال إعلاءً لكلمة الواحد الديّان .. 

كانت تلك هي سياحةَ الأمّة، وتلك هي برامج التّنشيط السّياحي المليئة عزيمة وهمّة ..

برامج مكثّفة ليس فيها لغو ولا لهو، ولا بطالة ولا عطالة، ولا تضييع للأوقات، أو تهميش للصّلوات، ولا متابعة للمباريات، ولا ارتكاب للمحرّمات، ولا تسكّع على الأرصفة للمعاكسات، وإيذاء المارّين والمارات، ولا تهافت على الأسواق ..

ولكن نشاط وقوّة، وجهاد وفتوّة، وعبادة وعزّة، وسموّ ورفعة، وتعالٍ عن حطام الدنيا، وإقبال على عمارة الآخرة.

واختاروا فصل الصّيف لأنّ الحرّ ابتلاء يميّز الصّالحين، وعقوبة للمنافقين، فليس الحرّ عائقا عن طاعة الله، ومن عاقه الحرّ عن الطّاعة ففيه شبه بالمنافقين، كما حدث في غزوة تبوك:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].

والحقّ أنّ ابن آدم ملول، لا يستقيم على طريقة:

يتمنى المرء في الصّيف الشتاء ***      فإذا جــاء الشتــاء أنكـــــره

فهو لا يرضـــــى بحــــال واحــــد ***      قتل الإنسان مـــا أكفــــره !

أمّا الصّفوة من عباد الله يرون أنّ في الحرّ غنيمة لا يليق تفويتها ..

  • - معاذ بن جبل رضي الله عنه: حين حضرته الوفاة، لم يتأسّف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدّنيا، ولكنّه حزن على مفارقة قيام اللّيل، ومزاحمة العلماء بالرّكب، وعلى ظمأ الهواجر بالصّيام في أيّام الحرّ الشّديد.
  • - وخرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمرّ بهم راع فدعوه إلى أن يأكل معهم فقال: إنّي صائم، فقال ابن عمر رضي الله عنه: في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه وأنت بين هذه الشّعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم ؟! فقال: أُبَادِر أيّامي هذه الخالية.
  • - ويقول أبو الدّرداء رضي الله عنه موصياً أحبابه: صوموا يوماً شديداً حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور.

- وقد روى البزّار بإسناد حسن – كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب" – عن ابن عبّاس رضي الله عنهما:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ أَبَا مُوسَى عَلَى سَرِيَّةٍ فِي البَحْرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، إِذَا هَاتِفٌ فَوْقَهُمْ يَهْتِفُ: يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ ! قِفُوا أُخْبِرْكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ !

فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَخْبِرْنَا إِنْ كُنْتَ مُخْبِراً.

قال: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ ..

الشّاهد أنّ فصل الصّيف فصل عمل واجتهاد، وبذل وجهاد.

الصّـائـفـة هذه الأيّام ..

إنّ أهمّ معالم الصّـائـفـة هذه الأيّام – أيّها القرّاء الكرام – مَعْلَمان عظيمان: طلب العلم، والدّعوة إلى الله تعالى.

أوّلا: طلب العلم:

فإنّ طلب العلمِ ونشره بين النّاس في كلّ حين وأوان، وخاصّة هذه الأيّام من الجهاد في سبيل الله تعالى.

والجهاد كما شُرع بالسّيف والسِّنان، فقد شُرع باللّسان والعلم والبيان.

ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ )).

ومن ذلك ما رواه أبو داود عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ )).

وإليك كلاما طيبا لابن القيّم الجوزية رحمه الله حيث قال:

"كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الذّروة العليا منه، فاستولى على أنواعه كلّها:

فجاهد في الله حقّ جهاده بالقلب والجنان، والدّعوة والبيان، والسّيف والسّنان ... أمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال:{ فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً } فهذه سورة مكّية، أمر فيها بجهاد الكفّار بالحجّة والبيان وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين إنّما هو بتبليغ الحجّة، وإلاّ فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [التوبة:73].

فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفّار وهو جهاد خواصّ الأمّة وورثة الرّسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلّين عدداً فهم الأعظمون عند الله قدراً.

ولمّا كان من أفضل الجهاد قول الحقّ مع شدّة المعارض مثل أن تتكلّم عند من تخاف سطوته وأذاه، كان للرّسل من ذلك الحظّ الأوفر، وكان لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من ذلك أكمل الجهاد وأتمّه،[يقصد بذلك ما بشّر به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اقتدى به في ذلك قائلا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ )) رواه التّرمذي وغيره]". اهـ ["زاد المعاد"(3/6)].

ويؤيّد كلام ابن القيّم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نُهِي عن قتل المنافقين، فهذا يدلّ على أنّ معنى ( وجاهد الكفّار والمنافقين ) إنّما المقصود منه الجهاد بالحجّة والبيان.

ويؤيّده أيضا رواية مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )).

فقد فسّر العلماء القتال هنا بما هو أعمّ من القتال بالسّيف، فقد قال البخاري في "صحيحه": " بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقَاتِلُونَ )) وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وأخرج التّرمذي حديث الباب ثمّ قال: سمعت محمّد ابن إسماعيل – هو البخاريّ – يقول: سمعت عليّ بنَ المدِيني يقول: هم أصحاب الحديث .. وجاء نحوه عن أبي هريرة ومعاوية وجابر رضي الله عنهم، وسلمة بن نفيل، وقرّة ابن إياس " اهـ.

وأخرج الحاكم في " علوم الحديث " بسند صحيح عن أحمد رحمه الله قال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم !

ومن طريق يزيد بن هارون مثله.

ومن لم يكن عالما يبيّن الحقّ ويردّ الباطل وكان يحسِن الكلام فليستغلّه في نصرة الحقّ، ولا يخفى على أحد ما كان يفعل شعر حسّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما في المشركين ..

روى التّرمذي والنّسائيّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ***   الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَـــنْ مَقِيلِهِ ***   وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ ! بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ ؟!

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ ! فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ )).

ثانيا: الدّعوة إلى الله.

شاع لدى أكثرنا اليوم أنّ خدمة هذا الدّين، والدّعوة لربّ العالمين، هي مهمّة الدّعاة والعلماء ، والأئمّة والخطباء ..

وإنّها لإحدى الكُبَر ..

ولتصحيح هذا المفهوم الخاطئ فإنّي أدعوك إلى تأمل نقاط ثلاث في إيجاز:

  • الأولى: إنّنا ركّاب سفينة واحدة، إن هلكت هلكنا، وإن نجت نجونا، ففي الصّحيحين عن النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا )).

  • الثّانية: هذا مؤمن ( يس ) يُضحِّي بحياته .. بمجرّد أن علم الحقّ في طياته ..{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)}..

جاء من أقصى المدينة .. مع أنّ بالقرية الّتي قصدها ثلاثة من المرسلين ..

لم يمنعه وجود الرّسل في تلك البلاد، بأن يُسهِم في الدّعوة إلى ربّ العباد .. فهل من مدّكر ؟

  • الثّالثة: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))، فهو خطاب عامّ لا يُستَثْنى منه أحد.

فـ( بلِّغوا ) تكليف .. و( عنّي ) تشريف .. ( ولو آية ) تخفيف ..

فالواقع الّذي يعيشه المسلمون اليوم – والله – كافٍ في أن ينفُض كلّنا الغبار عن رأسه، ويفدي هذا الدّين بنفسه، فمن آلامنا تبزغ آمالنا ..

يقولون: مع أيّ الفريقين تضلــــع ***   فلم يبق للإحجام والصّبر موضع

فقلت: أما والله ما فـــي قلوبـنـــا ***   لغير جلال الله والحــــقّ مــوضـع

فقد تصبح الدّنيا لإبليس شيعـــة ***   ونحن لغـيـــر الحــقّ لا نتشـيّـع

أنعــدِل بالله العظــيــم وشــرعـــه ***   أباطيل يجلوها الخـداع فتلمـــع

فأيـن إذن عهـــد قطعنـــاه لربّـــنا ***  بأنّا لـه دون الخليــقـــة خُــضَّـــعُ

بلى نحن جند الله بعناه واشترى ***   فلا هــو يعفينا، ولا نــحن نرجـع

وسبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

أخر تعديل في الثلاثاء 12 رجب 1432 هـ الموافق لـ: 14 جوان 2011 07:16

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.