أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 17 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق لـ: 21 أفريل 2011 06:12

- شرح كتاب الذّكر (2) أفضل العبادات: ذكر الله عزّ وجلّ

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

-الباب الأوّل: ( التّرغيب في الإكثار من ذكر الله تعالى سرّا وجهرا والمداومة عليه،

وما جاء فيمن لم يُكثر من ذكر الله تعالى ).

الشّرح:

أمّا فضائل الذّكر مطلقا، فهي أكثر من أن تُحصى، وقد جاء في القرآن الكريم الأمر به والتّرغيب فيه في مواضع كثيرة، ومن هذه الفضائل:

الفضل الأوّل: أنّه أعظم عبادة على الإطلاق:

وهذا سيأتي تأكيده وتقريره بعد ستّة أحاديث إن شاء الله. فإن قيل: أليس الصّلاة أعظم ؟

 

فالجواب: أنّ الصّلاة ما عُظّمت إلاّ لأنّها ذكرٌ لله تعالى، قال سبحانه:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: من الآية45]، وهي الدّليل على ذكر الله، حيث قال تعالى:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15]، وحين حرّم الخمر وبيّن ما تصدُّ عنه قدّم الذّكر على الصّلاة، فقال:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91].

الفضل الثّاني: أنّه العبادة الّتي أمر الله تعالى بالإكثار منها:

ولذلك ذمّ الله تعالى المنافقين لأجل أنّهم لا يذكرون الله إلاّ قليلا، وكأنّ في هذا وعيدا للمسلم، وتنبيها له على أن لا يكتفي بمجرّد الذّكر القليل.

وقد جاءت أكثر النّصوص الآمرة بالذّكر واصفةً له بالكثرة، ومن ذلك في القرآن الكريم:

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، وقوله سبحانه:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحجّ: من الآية40]، وقوله عزّ وجلّ:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الشّعراء: من الآية227]، وقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]، وقوله جلّ جلاله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ...} فذكر مقامات العابدين دون أن يصفها بالكثرة، حتّى قال:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]، وغيرها ممّا يطول ذكره.

ومن السنّة: ما رواه مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ )) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ )).

وفي سنن التّرمذي ومسند أحمد عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ: (( الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ )).

وما أقبح حال من وصفهم الزّمخشريّ رحمه الله بقوله:" وهكذا نرى كثيرا من المتظاهرين بالإسلام، ولو صحبته الأيّام واللّيالي لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة، ولكن حديث الدّنيا يستغرق به أيّامه وأوقاته لا يفتر عنه ".

الفضل الثّالث: أنّ الذّكر سببٌ لمعيّة الله تعالى:

لذلك يُسمّى من أطاع الله مطلقا ذاكرا، قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، قال سعيد بن جبير رحمه الله:" اذكروني بالطّاعة أذكركم بالثّواب والمغفرة "، وقال أيضا:" الذّكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره، وإن أكثر التّسبيح والتّهليل وقراءة القرآن ".

وقال بعضهم:" فاذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة، واذكروني بالثّناء أذكركم بالعطاء، واذكروني بالسّؤال أذكركم بالنّوال، واذكروني بالتّوبة أذكركم بعفو الحوبة، واذكروني بالإخلاص أذكركم بالخلاص، واذكروني بالمناجاة أذكركم بالنّجاة ".

وهذا الفضل يدلّ عليه الحديث الأوّل الّذي ذكره المصنّف في الباب الأوّل.

الحديث الأوّل:

(1)- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَقُولُ اللهُ تعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )).

[رواه البخاري ومسلم والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه].

شـرح:

- قوله تعالى: ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) أي: قادر على أن أعمل به ما ظنّ أنّي عامل به، وفيه بيان فضل الرّجاء في رحمة الله، وبه استدلّ من رجّح جانب الرّجاء على الخوف كالإمام الكرماني رحمه الله.

ومنهم من قيّد الحديث بالمحتضر؛ لما رواه مسلم عن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت النبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بثلاثٍ يقول: (( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ )). وعزا الحافظ هذا القول لأهل التّحقيق، وكأنّه رجّحه.

والصّواب والله أعلم - أنّ الحديث يشمل كلّ عاملٍ في مرضاة الله تعالى، كالدّاعي والتّائب، وليس يعمّ المقصّر في جنب الله.

قال القرطبي في "المفهم":

" قيل معنى ( ظَنِّ عَبْدِي بِي ): ظنّ الإجابة عند الدّعاء، وظنّ القبول عند التوبة، وظنّ المغفرة عند الاستغفار، وظنّ المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسّكا بصادق وعده ... ويؤيّده قوله في الحديث الآخر: (( اُدْعٌوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ))".

لذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنا بأنّ الله يقبله ويغفر له، لأنّه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظنّ أنّ الله لا يقبلها، وأنّها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِل إلى ما ظنّ كما في بعض طرق الحديث المذكور: (( فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ )).

قال رحمه الله:" وأمّا ظنّ المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرّة، وهو يجرّ إلى مذهب المرجئة ".

- قوله: ( وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ): المعيّة نوعان:

أ) المعيّة عامّة: فهو مع جميع عباده بعلمه، وسمعه، وبصره، لا يغيب عنه من أفعالهم وأقوالهم شيء، قال سبحانه:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، وهذا ما تقرّره آيتا سورة الحديد:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم}، وقوله في الآية الأخرى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}، وغير ذلك.

ب) المعيّة الخاصّة: فهو مع عباده المؤمنين الصّالحين خاصّة، قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:من الآية123]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: من الآية153]، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طـه:46]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النّحل:128].

فمعنى قوله تعالى في هذا الحديث القدسيّ: ( وَأَنَا مَعَهُ ) أي بعلمي وتأييدي وذكري له.

قوله: ( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ) أي: ذكرني بالتّنزيه والتّقديس سرّا، ذكرته في نفسي سرّا. وقد أثنى عزّ وجلّ على من ذكره في نفسه خاليا، فجعله من السّبعة الّذين يُظِلّهم الله في ظلّ عرشه يوم القيامة.

( فائدة )قوله عزّ وجلّ: ( ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ونفسه عزّ وجلّ هي ذاته المقدّسة " ["مجموع الفتاوى" (14/196)].

فالنّفس ليست صفة، قال شيخ الإسلام رحمه الله:" فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النّفس عند جمهور العلماء: الله نفسه، الّتي هي ذاته المتّصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتا منفكّة عن الصّفات، ولا المراد بها صفة للذّات، وطائفة من النّاس يجعلونها من باب الصّفات، كما يظنّ طائفة أنّها الذّات المجرّدة عن الصّفات، وكلا القولين خطأ " [" مجموع الفتاوى " (9/292-293)].

ومن أهل السنّة الّذين قصدهم بقوله هذا ابن خزيمة، فقد قال في "كتاب التّوحيد" (1/11):" فأوّل ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جلّ وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه، جلّ ربّنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه، وعزّ أن يكون عدما لا نفس له " اهـ.

ومنهم عبد الغنيّ المقدسيّ، والبغويّ، ومن المتأخّرين صدّيق حسن خان في "قطف الثّمر" (ص65)، حيث قال رحمه الله:" وممّا نطق بها القرآن وصحّ بها النّقل من الصّفات (النّفس) ".

لكنّه في تفسير قوله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} قال رحمه الله:" أي: ذاته المقدّسة "، والله أعلم.

- قوله: ( وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ) أي: جماعة ( ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ )، وهنا وقفتان نتطرّق إليهما لاحقا إن شاء الله.

والله الموفّق لا ربّ سواه

أخر تعديل في الجمعة 25 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق لـ: 29 أفريل 2011 21:13

مواضيع ذات صلة (لها نفس الكلمات الدلالية)

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.