الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فالثّابت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة إقامة الصّلاة صيغتان اثنتان:
الصّيغة الأولى: أن يُوتِر ألفاظها، إلاّ جملة ( قد قامت الصّلاة ) فيشفعها، وذلك في إحدى عشرة جملة، فيقول:
( الله أكبرُ الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصّلاة قد قامت الصّلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله ).
والدّليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنسٍ رضي الله عنه قال: ( أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إِلَّا الْإِقَامَةَ ).
الصّيغة الثّانية: أن يشفع ألفاظ الإقامة كلّها، مع تربيع التّكبير الأوّل، وذلك في سبع عشرة جملةً، فيقول:
( الله أكبرُ الله أكبر، الله أكبرُ الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، حيّ على الصّلاة حيّ على الصّلاة ، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح ، قد قامت الصّلاة قد قامت الصّلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله ).
والدّليل على ذلك ما رواه أبو داود عن أبي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه:
(( أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، الْأَذَانُ: ...، والإِقَامَةُ: اللهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )).
ففي كلّ من الصّيغتين نلحَظ شفع جملة ( قد قامت الصّلاة )؛ وذلك لأنّها المقصودة بالإقامة، فبقِي التّوكيد عليها.
أمّا الشّائع عند الأئمّة المالكيّة رحمهم الله فهو إفراد جملة ( قد قامت الصّلاة ) اعتمادا على رواية مطلقة عن أنسٍ رضي الله عنه، حيث قال: ( أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ ) دون استثناء الإقامة !
فأخذوا بإطلاق هذه الرّواية، وربّما اعتمدوا على قول ابن منده رحمه الله:" إنّ قوله: ( إِلاَّ الإِقَامَةَ ) من قول أيّوب غير مسند "، ويقصِد بذلك أنّها رواية مدرجة من أيّوب رحمه الله.
والصّواب أنّ الإقامة تشفّع لحديث أنس، وزيادة ( إلاّ الإقامة ) زيادة مسندة وليست مدرجة، كما حقّقه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، وخاصّة أنّ هناك رواياتٍ تدلّ على إسنادها، منها:
قول أنس رضي الله عنه: ( كان بلالٌ يُثَنِّي الأذانَ، ويوترُ الإقامة، إلاّ قوله: قد قامت الصّلاة ) [مصنّف عبد الرزّاق (1794)].
وفي "مستخرج الإسماعيليّ " ( قال: "قد قامت الصّلاة" مرّتين ).
فإذا ثبتت صحّة هذه الزّيادة، وهي في الصّحيحين، وجب الأخذ بها.
وقد كر الباجي رحمه الله في " المنتقى " (1/135) رواية المصريّين عن الإمام مالك رحمه الله في "مختصر ابن شعبان" أنّ لفظ (قد قامت الصّلاة) يقالُ مرّتين.
والله تعالى أعلم.