الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ مسألة صوم يوم السّبت ممّا كثر فيه الكلام بين طلبة العلم، ولا أنوي بسطَ الجواب فيه، ولكنّني أقول باختصار شديد في نقاط:
1- إنّ الرّاجح من أقوال أهل العلم أنّ حديث النّهي عن صوم يوم السّبت لا يثبت، كما قال الإمام مالك، وأبو داود، وغيرهما.
2- ثمّ إنّه لو صحّ، فإنّه يُحمل على من صامه منفردا، فهذا الّذي كرهه بعض السّلف.
3- وقد اتّفق السّلف على جواز صوم يوم السّبت مقرونا بغيره.
4- إنّه قد ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه صام أكثر أيّام شعبان، حتّى قالت عائشة رضي الله عنها: " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ " [رواه الشّيخان].
5- وروى النّسائي بسند حسن عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ ".
ولا شكّ أنّ أيّام البيض قد وافقت - ولو مرّة واحدة - يوم سبت.
6- ويوم نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بنَ عمروٍ رضي الله عنهما عن صوم الدّهر قال له: (( صُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ )) قال رضي الله عنهما: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: (( صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا )) [رواه الشّيخان].
ومن المقرّر أنّه لا يجوز على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولو كان صوم يوم السّبت منهيّا عنه منفرِداً لبيّن له ذلك.
7- وإنّ الأيّام المنهيّ عن صومها إنّما يحرم قصدُ صومِها، أمّا إن كانت صوماً يصومُه العبد، وتعوّد على صومه، فإنّه يشرع له صيامه ولا حرج.
وأضرب لذلك مثالين حتّى يتّضح المقال إن شاء الله تعالى:
الأوّل: يوم الشّك لا يجوز قصد صومه احتياطا لرمضان، لكن لو صادف ذلك يومَ الإثنين أو الخميس، وكان متعوّدا على صومهما، جاز حينها صوم يوم الشكّ ولا حرج.
ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ )).
الثّاني: ويوم الجمعة لا يجوز قصد صومه بنيّة تعظيم اليوم، أمّا لو وافق هذا اليومُ صوماً يصومه العبدُ، كيوم عاشوراء، أو أيّام شعبان، أو يوم عرفة، أو أيّام البيض، ونحو ذلك، فإنّه يجوز صومه.
ويدلّ على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )).
فالنّهي عن صوم يوم الشكّ والجمعة أصحّ سندا، وأشهر ثبوتا، ومع ذلك جاز صومهما إذا وافقا صوماً يصومه العبد، فيوم السّبت أولى منهما بهذا الحكم، أو مثلهما.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.