الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أفضل المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فيجوز إبرام عقود الزّواج في المسجد أحيانا، ويدلّ على الجواز:
1- الأصل في الأشياء الإباحة.
2- حديث المرأة الّتي وهبت نفسها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو في الصّحيحين عن سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه قال:
أَتَتْ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ ولِرَسُولِهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ: (( مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ ))، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: (( أَعْطِهَا ثَوْبًا ))، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: (( أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ )).
فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: (( مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟)) قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: (( فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ )).
وقد جاء في " مستخرج الإسماعيليّ " من رواية سفيان الثّويّ بلفظ:" جاءت امرأةٌ إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في المسجد ..." الحديث.
ولكن ينبغي تقييد الجواز بأمرين اثنين:
أ) ألاّ يُتّخذ ذلك عادةً، وإنّما يُفعَل أحيانا؛ لأنّه لم يُنقل عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه أجرى ذلك عادةً سار عليها.
ب) أن يُحفظ للمسجد هيبتُه، فيبتعد الحضور عن الكلام عن الدّنيا، ورفع الأصوات، والقهقهة، ونحو ذلك ممّا يُعدّ من الإخلال بآداب المسجد.
تنبيه:
لقد ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النّكاح في المسجد؛ واستدلّوا على ذلك بأمرين اثنين:
الأمر الأوّل: حديث رواه التّرمذي عن عائشةَ رضي الله عنها عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ )).
الأمر الثّاني: أنّ عقد النّكاح في المسجد مظنّة البركة، وحصول الخير.
والجواب عن ذلك:
أ) أنّ الحديث ضعيف لا يصحّ، كما أشار إليه التّرمذي رحمه الله بعد روايته، لذلك ضعّفه جمهور المحقّقين من علماء الحديث.
ب) أمّا الاستدلال بحصول البركة في المسجد، فيَردُّه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم تكن عادتُه إجراء عقود النّكاح في المسجد دائما، ونراه صلّى الله عليه وسلّم لم يلتمس أن يعْقِد لنفسه في المسجد، ولا أرشد إلى ذلك بقوله.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم.