الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وتقبّل الله منّا ومنكم صالح الأعمال والأقوال، أمّا بعد:
فالكرسيّ باتّفاق علماء أهل السنّة هو جَرْم مخلوق غير العرش، خلافا لمن قال إنّه العرش نفسه.
فقد روى محمّد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " (114/1) عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
(( مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الكُرْسِيِّ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، وَفَضْلُ العَرْشِ عَلَى الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الفَلاَةِ عَلَى تِلْكَ الحَلْقَةِ )).
[صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله في "السّلسلة الصّحيحة" (1/174)].
وأبعد من ذلك من قال إنّ المراد بالكرسيّ هو العلم، وقد نسبوا هذا القول إلى ابن عبّاس وهو ممّا لا يصحّ عنه.
ولم يثبت في صفة الكرسيّ والتّعريف به شيء إلاّ ما صحّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه موقوفا عليه من قوله:" الكُرسِيّ موضعُ القدمين، والعرشُ لا يقدر قدره إلا الله تعالى ".
[رواه الحاكم، وهو صحيح كما قال الشّيخ الألباني في " مختصر العلوّ "].
ولا يجوز أن يخوض أحد في كيفيّة ذلك كما هو مقرّر في أصول اعتقاد أهل السنّة، ونقول: كما أثبتنا استواء الله على عرشه مع تنزيهه عن افتقاره إليه، فكذلك نقول: إنّ الكرسيّ موضع القدمين مع تنزيه الله تعالى عن افتقاره إليه.
قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة في " تفسيره " لآية الكرسيّ من " سورة البقرة":
" و(الكرسيّ) هو موضع قدمي الله عزّ وجلّ؛ وهو بين يدي العرش كالمقدّمة له؛ وقد صحّ ذلك عن ابن عبّاس موقوفا، ومثل هذا له حكم الرّفع؛ لأنّه لا مجال للاجتهاد فيه ".
والله تعالى أعلم.