أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 13 ذو القعدة 1438 هـ الموافق لـ: 05 أوت 2017 03:57

- حسنات تجري بعد الموت

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى [بعد الخطبة والثّناء]

فموضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارة عنه رسالة ..

رسالة إلى كلّ من يؤرّقهم اليوم الّذي سنلقى فيه الله العزيز الوهّاب ..

رسالة إلى كلّ من يخشوْنَ ربّهم ويخافون سوء الحساب ..

رسالة إلى كلّ من يتحسّر، ويتألّم إذا تذكّر: أنّه سيأتي عليه اليوم الّذي يُوَارَى فيه التّراب ..

رسالة إلى كلّ من يَعلم أنّ انقطاع أجلِه يعني انقطاعَ عملِه، وانتهاءَ حلمِه وأملِه ..

رسالة إلى كلّ من يتفطّر قلبه، ويطيش لبّه، إذا تذكّر أنّ بعد الموت حساب ولا عمل ..

رسالة إلى كلّ من يبكي كما بكى يزيد الرّقاشي رحمه الله وهو يقول:" يا يزيد، من يُصلِّي عنك بعد الموت ؟! يا يزيد من يصوم عنك بعد الموت ؟! ".

رسالة إلى كلّ من اضظرب فؤاده، ورحل عنه رقاده، إذا علم أنّه لن يمكِنَه أن يُحصّل حسنة واحدة بعد الموت، وتذكّر أنّ الحسرة بعد الفوت ..

أمّا غير هؤلاء، فلا كلام لنا معهم ولا نداء .. ومن كان قلبه أقسى من الصّخور والجليد، فليسمعنّ قول المولى العزيز المجيد:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22].

 

والرّسالة الّتي سأتلو نصّها عليك، وأزفّ شرحها إليكم، يرسلها إليكم محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحريّ بنا أن نسمعها، ونقف وقفتين معها:

الأولى: وقفة مع أحوال النّاس بعد الموت.

الثّانية: وقفة مع نصّ الرّسالة.

ونسأل الله الّذي بيده مقاليد السّموات والأرض، والّذي قلوب عباده بين أصبعين من أصابعه، أن يشرح صدورنا، وينوّر قلوبنا، وأن يجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه..

أوّلا: وقفة مع أحوال النّاس بعد الموت.

فاعلموا أنّ النّاس سينقسمون بعد الموت أصنافا ثلاثة:

ـ صنف، يُختم له على عمله، فلا تصله حسناتٌ ولا سيّئاتٌ بعد انقضاء أجله:{وَآخِرِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التّوبة:102].. يفاجأ حينها بالحقيقة الكبرى:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النّور: من الآية39].. 

الحقيقة الكبرى أنّ موعد المسابقة قد انقضى.. اللّسان يخرس عن ذكر الله.. والأطراف تشلّ عن العمل في طاعة الله.. ولا يبقى له إلاّ رحمة الله لا إله سواه - نسأل الله أن يعملنا بفضله ولطفه -.. ينتظر دعوةً صالحة تصله من عالم الأحياء، كما ينتظر البؤساء عطاء الأغنياء ..

روى البخاري عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: ( ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ).

وروى الطّبرانيّ في " الأوسط " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بقبر، فقال: (( مَنْ صَاحِبُ هَذَا القَبْرِ ؟ )) فَقَالُوا: فُلاَنٌ. فَقَالَ: (( رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ )).

حتّى لو كان من الصدّيقين، والتّقاة العاملين، وأراد أن يقوم ليصلّي لربّ العالمين، ما سُمح له بذلك، فقد أغلق باب العمل وانقضى، وحان وقت السّؤال والحساب عمّا مضى.. روى ابن ماجه - وحسّنه الشّيخ الألباني رحمه الله - عن جابرٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا دَخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ مُثِّلَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا فَيَقُولُ: دَعُونِي أُصَلِّي ))..لكنّه لا صلاة.. اليوم يُصلَّى عليك ولا تصلِّي.. اليوم يُدعَى لك ولا تدعو ..

ـ وصنف - أعاذنا الله من حالهم - هم الّذين لم يكتفُوا بأن أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والموبقات، ووقعوا في حبائل الشّهوات والسيّئات، لم يكتفوا بذلك، ولكنّهم فتحوا على أنفسهم بابا للمهالك، لقد رحلوا من هذه الحياة، فانقطعت عنهم الحسنات، وبقيت تصل إلى حسابهم السيّئات، لماذا ؟

إمّا لكونهم كانوا من الدّاعين إلى الباطل والفجور، أو يعينون على اللّهو واللّغو والثّبور، أو ماتوا وقد تركوا خلفهم ما يستعمل في معصية العزيز الغفور، قال تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النّحل:25]..

سبحان الله ! الّذي قال وكرّر قوله مرّات ومرّات في كتابه:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، وقال:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: من الآية 18]، يستثني هنا، ويقول:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}!

ذلك لأنّ سنّة الله جرت على أصل: أنّ من دلّ على هدى فله مثل أجر فاعله، كذلك من دلّ على غيّ وضلال، له مثل وزر فاعله..

روى مسلم عن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ )).

لذلك قال تعالى عن ابن آدم القاتل:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: من الآية32]..

روى البخاري ومسلم عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلًا )). ويبقى الإثم يصله إلى قبره حتّى تزول تلك المعصية الّتي سنّها ودعا إليها وأعان عليها، روى الطّبراني عن واثِلَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ إِثْمُهَا حَتَّى تُتْرَكَ )).

ألا فلينظر كلّ منّا إلى عمله، وما سيخلّفه بعد انقضاء أجله.. انظر إلى الأفكار الّتي تنشرها في أهلك وولدك وأصحابك.. انظر إلى وسائل الفساد الّتي أدخلتها إلى بيتك، إن لم يمنّ الله عليهم بالهداية بعدك فحطّموها ونبذوها، فإنّ إثمها لن يفارقك..{ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحجّ: من الآية11].

ـ وصنف من النّاس، هم العاملون الأكياس، أكثروا من الصّالحات، وكانوا من السّابقين بالخيرات، فاجتهدوا في مضاعفة الأجر والثّواب، وطرقوا للخير كلّ باب، وما وقفوا عند ذلك، بل سلكوا أعظم وأفضل المسالك، فكانوا يجتهدون في كلّ عمل يفتح لهم حسابا جاريا لا في البنوك، ولكن وهم بين أطباق الثّرى وجنبات اللّحود {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السّجدة:17].

من أحبّ أن يكون من أمثال هؤلاء.. الّذين ينعمون في القبر بنوم كنوم العروس، وتصل إلى حسابهم الكنوز الّتي تُسرّ لها النّفوس.. هو في قبره متوسّد التّراب، ويصل إليه الأجر والثّواب ..{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافّات:61].. من أحبّ أن يكون من هؤلاء الأغنياء، فليستمع إلى رسالة ووصيّة سيّد الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم.

الخطبة الثّانية:

الحمد لله، الحمد لله الّذي جعل من كلّ ضيق مخرجا، وجعل لكلّ همّ وغمّ فرجا، وأشهد أن لا إليه إلا إلاّ الله، وحده لا شريك له، له ملك السّموات والأرض ما خرج منها وما ولجا، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، دعانا إلى البيضاء لا ترى فيها عوجا، اللهمّ صلّ عليه وسلّم وبارك وزد، وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّبين، من جعلهم الله مصابيح وسرجا.. أمّا بعد..

نصَّ الوصيّة..

فقد روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )).

ثلاثة أصناف من النّاس، يبقى عملهم ماضيا، وربّهم عنهم راضيا..

ثلاثة أصناف من النّاس، يتوسدّون التّراب، ويتضاعف لهم الأجر والثّواب..

ثلاثة أصناف من النّاس، لم يكتفوا بالعمل حال الحياة، بل ظلّوا يعملون بعد الممات..

ثلاثة أصناف من النّاس..

أوّلهم: صاحب الصّدقة الجارية. ثانيهم: معلّم النّاس الخير. ثالثهم: من ترك ولدا صالحا يدعو له.

ولو اكتفى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالصّدقة الجارية لدخل فيها المعلّم الخير، لأنّ أعظم ما يُتصدّق به ويُعطى هو العلم بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

أمّا الولد الصّالح فهو من عمل العبد، كما في الحديث الّذي رواه التّرمذي والنّسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ )).

ويوم قال نوحٌ عليه السّلام:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: من45]، قال له الله تعالى:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] .

لذلك تعالوا بنا إلى صاحب الصّدقة الجارية ..

ما أكيسه وما أشدّ فطنته ! .. لم يكتف بالأجور العظيمة والخيرات العميمة الّتي ينالها المتصدّق، فتراه قفز هذه القفزة فجعل الأجور تصله إلى ما بعد الموت ..

لا شكّ أنّه لا يخفى على أحد فضل الصّدقة ..

فهي من أوسع أبواب الخير، وأدفعها للشرّ والضّير.. هي عنوان الكرم والجود، وأشرف ملابس الدّنيا في الودود، أجلب الأعمال للحمد، وأدفعها للذمّ، وأسترها للعيب، ولم لم يكن فيها إلاّ أنّها صفة من صفات المولى تبارك وتعالى لكفى، فقد روى التّرمذي عن سعد بنِ أبي وقّاصٍ رضي الله عنه عن النَبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ )).

  • فاسمها صدقة، أي هي الدّليل على صدق الإيمان بالله واليوم الآخر، لذلك جاء في الحديث الصّحيح: (( وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ )).. لذلك قرن الله ذكرها مع الإيمان في أكثر من موضع في القرآن، وقرنها بالفلاح، فقال:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3]، حتّى قال:{أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]..
  • ووعد المتصدّقين بالأجر العظيم يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، فقال:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
  • وأنّها من أعظم مكفّرات الذّنوب، فقد روى التّرمذي عن كعبِ بنِ عجرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ ! الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ )).
  • وأنّ صاحبها تحت ظلّ الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، فقد روى أحمد عن أبي الخيرِ أنه سمع عقبةَ بنَ عامرٍ رضي الله عنه يقول: سمعت رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ )) قال الرّاوي عن أبي الخير: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً.
  • أنّ الله يبارك للعبد بصدقته، ويضيّق على الممسك فلا يرى شيئا من بركته، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ! وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ! )).

وإنّ النّصوص من القرآن والسنّة الصّحيحة لكثيرة في بيان وتعداد الأجور، ولكن حسبنا ما سمعناه من هذه النّصوص..

كلّ هذا الفضل يصل إلى المتصدّقين، ولكنّه لا ينمو بعد مفارقة الحياة، يتوقّف الأجر عند الوفاة..

إلاّ هذا اللّبيب صاحب الصّدقة الجارية، فهو في عيشة راضية.. وقد ذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجوها للصّدقة الجارية، ذكرها ابن ماجه في روايته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))..

وإنّا ندعو إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات في هذا اليوم المبارك إلى الإنفاق في وجوه الخير ممّا ذكرناه، وخاصّة بناء مدرسة شرعيّة، فهي تجمع لكم الخيرات الثّلاث:

الخير الأوّل: فإنّ المدارس الشّرعيّة من أعظم ما يدخل تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صدقة جارية ))، فيصلك الأجر إلى قبرك ما دامت هذه المدرسة، ولم تمرّ بالمسلمين مرحلة يحتاجون فيها إلى مثل هذه المنشآت مثلُ هذه الأيّام.

الخير الثّاني: أنّ فيها نشرا للعلم، فهي تدخل تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أو علم يُنتفع به )).

الخير الثّالث: من يتعلّم فيها إنّما هم أولادنا وأحفادنا، فبذلك يتمّ صلاحه، ويتحقّق فلاحه، ويدخل تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أو ولد صالح يدعو له )).

ولا تبخلوا على أنفسكم، يقول الله عزّ وجلّ:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].

وممّا يعترض به الشّيطان طريقك ثلاث أشواك:

الأولى: التّعجيز.. ألا من عجز عن العطاء، فليُوصل هذه الكلمات إلى أرباب الأموال، وموسري الأحوال.

الثّانية: شوكة اسمها " التّحقير " و "اللتّثبيط "، يأتيك فيحقّر عملك وعطاءك، فأين الدّراهم المعدودات هذه أمام مشروع ضخم مثل هذا ؟! فالجواب: قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( اتّق النّار ولو بشقّ تمرة ))، فإنّ الله يبارك في القليل، ويعطي عليه العطاء الجزيل.. وإنّ الجبال من الحصى..

الشّوكة الثّالثة: شوكة التّخويف من الفقر، فمن للصّبية والعيال، وأنت ترى ضعف الحال..

ألا إنّ الله تعالى وعد بالعطاء لمن أعطى، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ ! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، قَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )).

فإيّاكم والقعود، والبخل وترك الجود، وسبحان من خلق الأضداد، وفرّق بين العباد، أمّا البخيل بالذّهب فمات وذهب، وأمّا الكريم فعاش بعد الموت بما وهب.

أخر تعديل في السبت 13 ذو القعدة 1438 هـ الموافق لـ: 05 أوت 2017 06:50

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.