أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 16 ذو القعدة 1443 هـ الموافق لـ: 15 جوان 2022 09:40

- من منكرات الصّيف: ضياع الأوقات

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى:[بعد الحمد والثّناء]. 

فإنّ حاجة الإنسان إلى الرّاحة بعد الكدّ، والتّرويح على النّفس بعد الجِدّ، هو من الأمور المسلَّم بها، لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر؛ فلم يُفرَض على النّاس أن يكون كلّ كلامهم ذكراً، ولا كلّ شرودهم فكراً، بل للنّفس حقٌّ من الإراحة والترويح المنضبطين بأحكام وآداب الإسلام.

وها هو حنظلة  رضي الله عنه، قد شكا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تخلُّلَ بعضِ أوقاته بشيء من الملاطفة للصّبيان والنَساء، حتّى إنّه شعر ببُعْدِه في تلك اللّحظات عن استشعار الجنّة والنّار !

[وتأمّلوا - معاشر المؤمنين - أنّه قضى وقته في أمر مباح في ملاطفة الأهل والأولاد، ومع ذلك أحسّ ببُعدٍ عن المرتبة التي يبتغيها، فما بالك بمن قضى أوقاتا وأيّاما في اللّهو المحرّم، والذّنب المعظّم !].

خرج في النّاس يصرخ:" نافق حنظلة ! نافق حنظلة ! " ... فلقيه أبو بكر رضي الله عنه فقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟

قَالَ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا !

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقا، حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فقال: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ !

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَمَا ذَاكَ ؟)).

قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ؟!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً )) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. [رواه مسلم].

وممّا أُثِر عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال:" أَجِمُّوا هذه القلوبَ، والتمسوا لها طرائفَ الحكمة، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان ".

ويقول ابن الجوزيّ رحمه الله:" لقد رأيت الإنسانَ قد حُمِّل من التّكاليف أموراً صعبةً، ومن أثقلِ ما حُمِّل مداراةُ نفسِه، وتكليفُها الصَّبرَ عمّا تُحِبّ وعلى ما تكره، فرأيت الصّواب قطعَ طريقِ الصّبر بالتّسلية، والتلطّف للنّفس ".

ولكنْ، ما من شيء أنعمَ الله به على الإنسان إلاّ نسي فيه فضلَ الله، وأمِنَ فيه سخطَ الله ..

فترى مفهومَ الإجازة اليوم قد أخذ مفهوماً آخر لدى الكثير، فترى فيه من المخالفات ما لا يعلمه إلاّ العليّ القدير، ومنها:

ضياع الأوقات ..

فهاهُم الطلاّب والمدرّسون، قد ألقَوْا عن عاتِقِهم عبءَ الدّراسة، وثِقَل المذاكرة، وهُمُوم التّصحيح، وقيل لهم: اذهبوا فأنتم الطّلقاء !

فترى معظمَ من ترى، بمجرّد ما يطرُق الصّيفُ بابَ حياتِه، حمل لواءَ تضييعِ الأوقات، وكأنّه ينتقم من الْجِدّ الّذي أمر الله به، ومن العمل الذي أوصانا الله به !

تسمع أحدَهم يقول: في الصّيف، سوف أنام أكثرَ من عشر ساعات يومياً !

ويقول الثّاني: سوف أتفرّغ لمتابعة القنوات الفضائيّة !

ويُعلِن الثّالث بأنّه سوف يسافر إلى الخارج، ليتمتع بجميل المناظر، والجوّ السّاحر !

ونَسُوا أنّ أعظمَ الجرائم المرتكبة في حقّ النّفس، أعظم من تضييع المال والفلس، هو: ضياع الأوقات ..

والعجيب أنّهم عبّروا عنها باسم " العُـطـلـة "!

قال أهل اللّغة: العَطَل: فُقدان الزّينة والشّغل .. والأعطال من الرّجال: الّذين لا سلاح معهم .. والتّعطيل: تركُ الشّيء ضياعاً .. وبئرٌ معطّلة: أي مهملة .. وإبلٌ معطّلة: لا راعي لها.

وتأمّلوا - عباد الله - أنّ هذا المعنى قد تحوّل واقع، فصار مفهوم الصّيف عند الكثيرين هو: تسويغ ضياع الأوقات، وقضاؤها في غير ما يُرضي ربّ السّماوات، وترك الأعمال الجليلة، وارتكاب الرّذيلة، وإهمال كلّ راعٍ لرعيّته، وتقصير كلّ مسئول في مَهمّته !

ألا فتذكّروا - معاشر المؤمنين - أنّ المسلمَ محاسبٌ على كلّ نفَسٍ من أنفاسه، ومسؤولٌ عن كلّ لحظة من لحظات حياته ..

تذكّروا أنّ ما أُلْقِي علينا من مَهمَّات جسام، وأمورٍ عِظام، لا تكاد تسعها أوقاتنا، فكيف نتصوّر بعد ذلك أن يأتينا موسم كاملٌ نكون فيه عَطَلَة بَطَلَة، لا شغل ولا مشغلة ؟!

لقد مرّ ابنُ عقيل رحمه الله يوماً على صبيان أمضَوا عامّة يومهم في اللّعب فقال: ما هذا ؟ فقالوا: فرغنا ! فقال: أو بهذا أُمِر الفارغ ؟ أين نحن من قوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ  وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ} ؟

وكيف يسوغ في عقل أن يكون لدى الإنسان المسـلم وقــت ( معطّـل ) ووقته هو حياته ؟

قال ابن القيم رحمه الله:

" فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادّة حياته الأبديّة في النّعيم المقيم، ومادّة المعيشة الضّنك في العذاب الأليم، وهو يمرّ أسرعَ من مرِّ السّحاب، فما كان مِن وقته لله وبالله فهو حياتُه وعمرُه، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته ... فإذا قطع وقتَه في الغفلة والشّهوة والأماني الباطلة، وكان خيرُ ما قطعه بالنّوم والبطالة، فموت هذا خيرٌ له من حياته.

وإذا كان العبد وهو في الصّلاة ليس له من صلاته إلاّ ما عقل منها، فليس له من عمره إلاّ ما كان فيه بالله "اهـ[1].

إنّ الجميع يبكي على ضياع المياه في الطّرقات، وينوح لضياع المتاع بالإتلافات، ولكنّك لا تسمع من يبكي لأجل ضياع الأوقات !

فهذا العمر الّذي تعيشه - أيّها العبد - هو مزرعتُك الّتي تجنِي ثمارَها في الدّار الآخرة، فإن زرعته بالخير والصّلاح، جنيت السّعادة والفلاح، وكنت من الّذين يُنادَى عليهم في الدّار الباقية:{كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].

وإن ضيّعته بالغفلات، وزرعته بالمعاصي والمخالفات، ندمت يوم لا تنفعك النّدامة، وتمنّيت الرّجوع إلى الدنيا يوم القيامة، فيقال لك:{أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر:37].

أيها المسلمون، لقد صحّ في سنن التّرمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

(( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ )).

وروى البخاري عن ابنِ عمَرَ قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ )) فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لمن كان يجالسه: ( إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ )).

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مجاهد قال: ما من يوم إلاّ يقول لابن آدم: قد دخلت عليك اليوم، ولن أرجع إليك إلى يوم القيامة فانظر ماذا تعمل فِـيَّ..

وقد كان عيسى عليه السلام يقول:" إنّ اللّيل والنهار خزانتان، فانظروا ماذا تضعون فيهما ".

وعن الحسن رحمه الله أنّه قال:" ليس يومٌ من أيّام الدّنيا إلاّ يتكلّم، فيقول: يا أيّها النّاس، إنّي يومٌ جديد، وإنّي علي ما يعمل فِـيَّ شهيد، وإنّي لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة ".

فيا أيّها المسلمون، عليكم بحفظ أوقات هذه الصّائفة فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة، وعليكم بملاحظة أولادكم وتوجيههم إلى استغلال هذه الإجازة فيما يعود عليهم بالنّفع.

أقول ذلك؛ لأنّ النّاس في الإجازة ينقسمون أقساما، فمنهم رابح وخاسر، ((كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو: فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا )).

- فمنهم من يبقى في بلده، في رعاية أهله ووَلَدِه:

يقضيها في تعليم أولاده القرآن الكريم، ويُحضِرهم إلى المساجد لتلقّي العلم والذّكر الحكيم، ويراقب حضورَهم وغيابَهم، ويتعاهد حفظهم وتحصيلَهم؛ لأنّه أدرك أنّ ابنَه طِوَال العام الدّراسي بحجّة الدّراسة، والوالد بحجّة العمل، لا يستطيع أن يصلَ إلى هذا الخير.

فهذا قد نصح أولاده، فعسى أن يكونوا عوناً له في الحياة، وخلفاً وذخراً له بعد الممات، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فيُؤتَى به يوم القيامة في أرفع الدّرجات، يقول: يا ربّ ! يا ربّ ! أنّى لي هذا ؟ فيقول المولى تبارك وتعالى: بدعاء ولدك الصّالح لك.

- وبعضهم لا يرغب إلاّ في أن يقضي الإجازة الصّيفية بالسّفر إلى زيارة المسجد الحرام، فيقضي أوقاتَه هناك بأنواع الطّاعات، والصّلاة الواحدة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة، فهذا قد عرف قيمة الوقت ووُفِّق لاستغلاله.

- وبعضهم الآخر: يسافر لزيارة أقاربه، وصلة أرحامه، يقضي الإجازة بينهم، فتقرّ به أعينهم.

- وبعضهم الآخر: يسافر للنّزهة داخل البلاد بين أظهر المسلمين، محافظاً على دينه وتعاليم ربّ العالمين، فعمله هذا مباح لا لوم فيه ولا عِتاب، بل إدخال السّرور على الأهل فيه جزيل الثّواب.

- وآخرون - وهم الأكثرون -: يقضي العطلة في اللّهو واللّعب، واللّغو والصّخب، وترك الواجبات وفعل المحرّمات، أو يسافر إلى بلاد الكفرة، وبقاع الفجرة، فينغمس في أوحال الضّلالة، ويعيش في أوكار السّفالة، فهذا الّذي قد ضيّع الزّمان، وباء بالإثم والخسران.

الخطبة الثّانية:

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين، اللهمّ صلِّ عليه وسلِّم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

عباد الله، فإذا علمنا معنى الإجازة في الإسلام، وأنّها لا تعنِي أبداً تضييعَ السّاعات والأيّام، فإليكم صوراً لتضييع الأوقات فاحذروها، وآفات النّاس في الإجازات فاجتنبوها:

- أوّلا: احذر التّلفاز والقنوات الفضائيّة !

أحذّركم من أعظم ما يهدم الأوقات.. أحذّركم ممّا يُستعمل لقتل الأخلاق والقضاء على الفضيلة، ويُحارَب به دين الله ويدعو إلى الرّذيلة ..

إنّها أسلحة صنعها الكفّار ورمونا بها في بلادنا، بل في ديارنا، حتىّ تسلّلت إلى بيوت كثير من المسلمين.

وصارت في متناول النساء والأطفال وسفلة الرجال: ألا وهو جهاز استقبال القنوات الفضائية !

ذلك الجهاز الخبيث الّذي تعرض على شاشته أفلام الدّعارة والمجون، والسّموم باسم الفنون ..

أفلام الزّنا واللّواط .. أفلام الرّقص والاختلاط .. الأفلام الّتي تعلِّم السّرقة والخيانة وممارسة الجريمة .. أفلام تحارب الإسلام وتحارب أخلاق أهل الإيمان .. تعلّم الأطفال رفعَ الصّوت على الآباء والأمّهات .. وتهوّن في منظارهم فعل الكبائر والموبقات !

برامج تجعل من السّاقط في المجتمع قدوةً يُقتدَى به .. تجعل المغنّي الخليع، والممثّل السّاقط، واللّاعب السّفيه .. تجعلهم قدوةً لأبنائنا، وفلذات أكبادنا !

وأصبح النّاس - بل أكثر النّاس - إذا ذكّرته بهذا الأمر سارع قائلا: الجهاز مبرمج على القنوات العربيّة فقط !

سبحان الله ! وكأنّ القنوات العربيّة اليوم بأيدي خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ! وغفل أنّها بأيد كلّ فاسق مَرِيد، وعاتٍ على ربّه وعاص ..

يظنّ أنّ الحرام فقط أن تنظر إلى أفلام الخلاعة والمجون .. وكأنّ عنق المرأة ليس بعورة ..! وكأنّ قدم المرأة ليس بعورة ..! وكأنّ تدلّلها وخضعانها بالقول ليس بعورة ..!

ثمّ إنّ هذه الأجهزة من أعظم ما يقضي على الأوقات، ويلتهم السّاعات .. وكلّنا يعلم أنّ أبناء مجتمعنا يصرفون أطيب أوقات يومهم أمامها، وهم في دراستهم، فكيف بهم في الصّيف ؟!

ومن مظاهر إضاعة الأوقات في الصّيف الناشئة عن هذا المفهوم الخاطئ:

ثانيا: السّهر والسّمر في غير طاعة.

فقد تعوّدت مجتمعاتنا السّهر إلى ساعات متأخّرة من اللّيل أمام التّلفاز، أو في أحاديث فارغة لا جدوى منها، أو في الولائم والأعراس ! ولو لم يكن في هذا السّهر إلاّ مخالفةُ هدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكفى بذلك سوءاً.

فقد روى البخاري عن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (( كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا )).

قال ابن حجر رحمه الله:

" لأنّ السّمر بعدها قد يؤدّي إلى النّوم عن الصّبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام اللّيل، وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يضرب الناس على ذلك، ويقول: أسَمَراً أوّل اللّيل ونوماً آخره ؟! ".

وقال أيضاً:" والمراد بالسّمر ما يكون في أمرٍ مباح؛ لأنّ المحرّم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء، بل هو حرام في الأوقات كلّها".

ولم يستحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم السّمر بعد العشاء إلاّ في الأمور النّافعة: كالعبادة، أو مدارسة الفقه والخير، أو ملاطفة الأهل والضّيف، فقد ورد في كل ذلك من الأحاديث ما يرخّص فيه أو يستحبّه.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نعتِب على كثير من إخواننا سهرَهم في قيلٍ وقالٍ، وتضييعِ أوقات، حتّى يؤول بهم الأمر إلى النّوم عن صلاة الفجر !

نسأل الله أن يُصلح قلوبنا، ويغفر ذنوبنا، ويهدينا إلى أقوم سبيل، إنّه بكلّ جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.



[1] " الجواب الكافي " (109).

أخر تعديل في الأربعاء 16 ذو القعدة 1443 هـ الموافق لـ: 15 جوان 2022 23:54

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.